اللواء جبريل الرجوب اخطأ في حق الاشقاء المسيحيين وعليه ان يعتذر فورا..

بقلم: عبد الباري عطوان

تجاوز اللواء جبريل الرجوب عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح"، واحد ابرز المرشحين لخلافة الرئيس محمود عباس، كل الاعراف والقيم الفلسطينية عندما وصف الاشقاء المسيحيين بجماعة “ميري كريسماس″، في مقابلة مع محطة تلفزيونية مصرية، واعاد بثها تلفزيون فلسطين الرسمي، مما زاد من رش الملح على جرحهم، واثار موجة غضب في اوساط الغالبية من ابناء الارض المحتلة.
هذا التجاوز من قبل اللواء الرجوب جاء في سياق الحملات السياسية والاعلامية المحمومة التي تجتاح الضفة والقطاع حاليا في اطار الانتخابات البلدية المقررة في 22 تشرين الاول (اكتوبر) المقبل، حيث توقع (الرجوب) غاضبا ان يصوت الاشقاء المسيحيين لقوائم حركة “حماس″، مثلما فعلوا في الانتخابات التشريعية الاخيرة عام 2006.
تصويت الاشقاء المسيحيين لحركة “حماس″ يحسب لهم، ويؤكد على وعيهم ووطنيتهم، وترفعهم عن كل التقسيمات الطائفية والدينية البغيضة، ورفضهم لسلطة الفساد، وبعض ممارسات قياداتها المحسوبة على حركة “فتح".
هؤلاء شركاء يتشرف بهم الوطن وارثه النضالي العريق الحافل بالبطولات، وامتزجت دماؤهم بدماء اشقائهم المسلمين الشهداء في معارك الشرف دفاعا عن عروبه هذه الارض وتحريرها من العدو العنصري الاستيطاني، وقائمة شهدائهم طويلة ومشرفة.
نحن نعيش حالة من الانهيار بلا قاع، وباتت قضيتنا الفلسطينية الاشرف في العالم، في قاع الاهتمامات الدولية بسبب هذه السلطة وتواطئها مع الاحتلال، وتوظيفها قواتها الامنية في خدمة مستوطنيه وحمايتهم، ومنع اي انتفاضة او مقاومة تزلزل اركان الاحتلال ومستوطناته.
***
في شهر آذار “مارس″ عام 1990 هاتفت الرئيس الراحل ياسر عرفات، وكان في عاصمة الرشيد (بغداد) في حينها طالبا لقاءه، فقال اراك بعد يومين في نيودلهي، واصر ان هذا “امر" وعلي الطاعة والتنفيذ (بصفتي عضوا في المجلس الوطني)، فالرئيس عرفات كان يعتقد فيما يبدو ان لدي طائرة خاصة يمكن ان امتطي ظهرها وقتما اشاء، او هو يشاء.
ذهبت الى العاصمة الهندية متأخرا، والتحقت به هناك، وبعد اكتمال بروتوكولات الزيارة الرسمية، قال لي سنتوجه غدا صباحا الى كلكتا، حيث وضعت السلطات الهندية طائرة “بوينغ" تحت تصرف الوفد الذي تضخم، وضم المرحومين جويد الغصين وتيسير قبعة، والسيدة سهى عرفات، ولم يكن قد اعلن زواجه منها، ولكن “الصب تفضحه عيونه" فعلامات الغرام كانت واضحة، وهذه قصة اخرى.
انطلقنا من مطار كلكتا الى ملعب لكرة القدم، حيث كان اكثر من 40 الف شخص في انتظار الرئيس عرفات بكوفيته ولباسه العسكري، ومسدسه الذي يزين وسطه، وكانت لحظة تاريخية لا تنسى.
بعد انتهاء الخطاب، توجهنا في قافلة من السيارات الى منطقة فقيرة معدمة في المدينة الهندية، ثم ترجلنا منها، وسرنا على الاقدام، وسط ازقة ضيقة مليئة بالمياه الراكدة، لاكثر من ربع ساعة، ان لم يكن اكثر، وكنا نسأل الى اين يا فخامة الرئيس تأخذنا، كان يبتسم ويقول “انتظر وسترى"، ويقول مازحا، “طبعا يا خويا انت متعود على شوارع لندن نسيت طفولتك وصباك في المخيمات".
 فجأة دخلنا منزلا متهالكا، بباب يحتم على داخله الانحناء، وهناك وجدنا انفسنا وجها لوجه مع “القديسة" الام تيريزا.
كانت في غرفة متواضعة جدا في دير بسيط، ترعى فيه اليتامى، وكانت غرفتها عارية من اي اثاث، باستئناء سرير صغير، وتمتمت ببضع كلمات، ولا اعرف ما اذا كانت تعرف ضيفها الذي قبل رأسها ويديها بحرارة، اكثر مما يفعل في لقاءاته مع زعامات او شخصيات اخرى.
بعد يومين، كانت صورة الرئيس عرفات بكوفيته، والام تيريزا بشالها الابيض واطرافه الزرقاء الباهته، على صدر صفحات معظم الصحف في العالم، لم يظهر “الفيسبوك" و"التويتر" بعد، والخبر الاول في معظم، ان لم يكن جميع، محطات التلفزة.
***
كان الرئيس عرفات، وان اختلفنا مع بعض سياساته ومواقفه، يفعل كل ما في وسعه لوضع قضية بلاده في قمة اهتمامات العالم بأسره، وتحمله طائرته القديمة المنتهية الصلاحية، وتحمل شعار الخطوط الجوية العراقية، وتئن من زيادة الحمولة البشرية، ومجسمات قبة الصخرة، التي كانت يقدمها هدايا الى مضيفيه، وينسى في معظم الاحيان انه قدمها لهم سابقا، مرة واثنتين وثلاثة، تحمله الى اركان الكرة الارضية الاربعة.
ليت اللواء جبريل الرجوب ورئيسه عباس يقتديان بهذا النموذج المشرف في الوفاء للاشقاء المسيحيين، والاحترام والتقدير لهم وتضحياتهم في خدمة قضيتهم، بل والبشرية بأسرها.
نطالب اللواء الرجوب ورئيسه بالاعتذار عن هذه الخطئية فورا، ودون اي تردد، لتطويق ذيولها وقطع الطريق على كل من يحاول الاصطياد في الماء العكر، وما اكثرهم داخل الاراضي المحتلة وخارجها.
وربما يجادل اللواء الرجوب بأنه قال ما قاله من قبيل المزاح، وانا اصدق ذلك، واعرف الرجل شخصيا، ولكن هناك بعض القضايا لا يجوز المزاح فيها، خاصة من قبل اناس في قمة المسؤولية مثله.
عرفناهم رجالا في قمة الوطنية والشهامة والتعايش، يحملون قضيتهم في كل مكان يحلون فيه، لا يبخلون عليها بأرواحهم ودمائهم، وكل ما يملكون.
لواء جبريل الرجوب نطالبك بعقد مؤتمر صحافي والاعتذار فورا.

عبد الباري عطوان