لا يقلّ الاهتمام العربي في هذه الأيام، عن الاهتمام الفرنسي من حيث الإصرار على متابعة واستكمال الجهود الدولية التي تندرج في سياق المبادرة الفرنسية، التي تتجه نحو انعقاد مؤتمر دولي قبل نهاية هذا العام. ويبدو أن ثمة تكاملا بين الجهد العربي المتمثل بالرباعية العربية، وبين المبادرة الفرنسية، فالأولى أي الرباعية العربية تسعى لتأهيل وتجهيز الطرف الفلسطيني لكي يكون حاضراً وقادراً على التعاطي الإيجابي مع المبادرة الفرنسية التي عليها أن تلبي البند الثالث من المبادرة العربية.
الجهد العربي هذه المرة يختلف جذرياً عن كل الجهود العربية السابقة على الأقل منذ قرار القمة العربية في بيروت عام 2002 الذي أطلق ما يعرف بمبادرة السلام العربية.
أمر الاهتمام العربي هذه المرة، لم يعد يصدر عن اطار عام، فضفاض مثل الجامعة العربية، أو عن لجنة المتابعة العربية، وهو لا يصدر عن دولة واحدة مهما كان وزنها وتأثيرها سواء على الملف الفلسطيني الداخلي أو على ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لقد حاولت مصر ولفترة طويلة إنجاز مصالحة فلسطينية وحاولت عواصم أخرى، وأنتجت اتفاقيات لكنها جميعاً فشلت في تحقيق المصالحة أو حتى في تبديل مناخات الصراع الداخلي الفلسطيني.
وإلى جانب الانقسام الكبير والخطير الذي وقع قبل أكثر من تسع سنوات، عانت حركة فتح، من أزمة على خلفية قرارها بفصل النائب في «التشريعي» محمد دحلان والعضو السابق في اللجنة المركزية، ذلك القرار الذي شمل العشرات من كوادر الحركة المحسوبين على دحلان. المكابرة في التقليل من هذه الأزمات سواء أزمة فتح أو الأزمة الفلسطينية الوطنية العامة، لا يفيد أحداً، والمسألة هنا ليست شخصية ولا هي أزمة أشخاص ومصالح ضيقة، فالوطنيون الفلسطينيون بصفة عامة يدركون حق الإدراك معنى وأبعاد أن تكون فتح قائدة المشروع الوطني والقادرة على قيادة القطار الفلسطيني، والوطنيون الفلسطينيون يدركون بل ويدرك كل إنسان فلسطيني مدى أهمية وضرورة إنهاء الانقسام في الساحة الفلسطينية الذي كلما استطال أمده استطالت المعانيات، واستطالت وتجذّرت المصائب الخطيرة على القضية والشعب الفلسطيني.
نتحدث اليوم عن أربع دول اثنتان منهما تتعاملان مع القضية الفلسطينية والأرض والشعب الفلسطيني كامتداد فاعل لمصالحهما القومية ونقصد مصر الكبيرة والأردن، ودولتان يزداد وزنهما على الصعيد السياسي العربي والإقليمي، وتملكان الامكانيات المادية الحقيقية التي توفر للشعب الفلسطيني افضل الامكانيات لمواجهة المخططات الإسرائيلية التوسعية ولحماية القدس والمقدسات، التي لم تنجح في حمايتها كل المسميات والمؤتمرات واللجان العربية والإسلامية.
الاهتمام الذي تعبر عنه الرباعية العربية التي نأمل أن تشق طريقاً آخر لا يذكرنا بتاريخ الرباعية الدولية، نابع هذه المرة من قراءة لمصالح الدول الأربع في الاستقرار، ودرء المخاطر ارتباطاً بملف الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي.
هو فهم حقيقي لحاجات وأولويات هذه الدول في خضم الصراع الجاري في طول وعرض المنطقة والإقليم، مفاده أنه لا يمكن تجاهل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتداعياته ومقتضياته في ظل تحديد هذه الدول للخطر الإيراني كأولوية في صراع بقاء واستقرار هذه الأنظمة. الاشتغال في هذا الملف من قبل الدول الأربع مجتمعة وبالجدية التي عبرت عنها خارطة الطريق التي صدرت عنها يستند في بعض جوانبه وخلفياته على المصلحة الإسرائيلية في الانخراط من اقرب النقاط في الصراع الإقليمي الدائر، ولأن إسرائيل هي الأخرى، تتحدث منذ سنوات عن أولويات الخطر الإيراني، ولأن كلا الطرفين العربي والإسرائيلي، يسجلان اعتراضهما على اتفاقية الدول الكبرى مع إيران بشأن ملفها النووي.
خارطة الطريق للرباعية الدولية، اتخذت خطاً واقعياً، فكل بند فيها يحضر للبند الذي يليه، وتتبع روزنامة زمنية ليست طويلة المدى، لكن الأهم هو أن هذه الخارطة مرفقة باستعدادات لممارسة ضغوط حقيقية فعالة على الطرف الذي يرفض التعاطي معها، وفي الوقت ذاته تقدم جزرة كبيرة ليس عنوانها الدعم المالي فقط وإنما الدعم السياسي على قاعدة المبادرة العربية للسلام.
ليس هناك طريق آخر أمام الفلسطينيين إلاّ إذا كانوا سيركبون قطار المغامرة، ما يعني أن الأحوال ستشهد المزيد والمزيد من التدهور. لدى القيادة الفلسطينية رؤية واضحة لكيفية التعاطي مع المبادرات التي تطرح، سواء الفرنسية، أو الرباعية العربية أو الروسية، فالأهم هو أن لا يتوفر لإسرائيل مخرج أو مهرب من الانخراط والتجاوب مع المبادرة الفرنسية التي تعني بالنسبة للفلسطينيين تدويل الملف وهو ما ترفضه إسرائيل. إذاً نحن كفلسطينيين أصحاب مصلحة حقيقية في الاستجابة الكاملة والسريعة لمبادرة الرباعية العربية التي لا تعطي مساحة واسعة من الوقت للتردد أو التعطيل أو التهرب، والأمر لا يقتصر على حركة فتح وإنما يشمل، أيضاً، حركة حماس التي تنتظرها استحقاقات كبرى شديدة الصعوبة والتعقيد.
طلال عوكل
2016-09-08