لم يحدث على مر التاريخ أن تعرض شعب يعيش تحت الاحتلال إلى الإذلال مثلما تعرض له الشعب الفلسطيني، الذي يتوسل رئيسه محمود عباس إلى كل دول العالم لتضغط على محتل أرضه نتانياهو، كي يلتقي معه، ولكن دون جدوى.
لقد تذلل محمود عباس بشكل أهان كل فلسطيني حين قال في مؤتمر صحفي في بولندا: "لقد اقترح الرئيس الروسي بوتين لقاء يجمعني بنتنياهو وقد وافقت على ذلك، وكان من المفترض أن يكون اللقاء يوم 8 سبتمبر/ أيلول الجاري، لكن نتنياهو طلب تأجيله".
وأضاف محمود عباس: "لا أدري إلى متى التأجيل، أنا مستعد لهذا اللقاء لأن الأمر يهمني سواء كان في موسكو أو أي مكان آخر"
وإذا كان محمود عباس لا يدرى إلى متى التأجيل؟ فإن الشعب الفلسطيني يعرف أن نتانياهو يؤجل اللقاء، ويتعزز، ويتأفف لأنه في راحة من أمره، وغير مرتبك، ولا أحد يقترب من سياج عدوانه، ولا عربي يزعج احتلاله للأرض الفلسطينية، ولا يسمع حتى طنين بعوضه مقاومة، لأن رجال التنسيق الأمني يسارعون لنصب الشراك لها، فلماذا يتعجل نتانياهو اللقاء؟
وإذا كان السيد محمود عباس يمتلك الصلاحية المطلقة في اتخاذ القرار بلقاء نتانياهو من عدمه، دون أن يسمع صوتاً معارضاً، وإذا كان عباس قادراً على تجاوز قرار اللجنة التنفيذية بعدم اللقاء مع نتانياهو دون تنفيذ عدة شروط، حددتها اللجنة التنفيذية، وإذا كان عباس قادراً على التفرد بالقرار الفلسطيني وفق رؤيته الشخصية، فإن نتانياهو رئيس وزراء دولة إسرائيل الذي لا يملك التفرد بالقرار، ولا يملك الحق في تجاوز شروط الائتلاف الحكومي، ولا يقوى على تجاوز الرأي العام الإسرائيلي، لذلك كانت موافقة عباس على دعوة اللقاء قراراً فردياً سريعاً، كان رفض نتانياهو لهذا اللقاء قراراً جماعياً إسرائيلياً متأنياً.
وإذا كان محمود عباس مهتم بلقاء نتانياهو، فإن نتانياهو غير مهتم بلقاء عباس، وذلك يرجع إلى حالة الإهمال التي تعاني منها القضية الفلسطينية، والتي عززت منطق نتانياهو في البحث عن حلول للقضية الفلسطينية من خلال الدول العربية المتهافتة على صداقة إسرائيل، بعيداً السلطة الفلسطينية التي اقتصر دورها على التنسيق الأمني المضمون.
كان بإمكان محمود عباس أن يقلب المشهد، وأن يضع نتانياهو في الزاوية، وأن يجعله يلهث خلف كل دول العالم يتوسل لقاءً مع صائب عريقات أو من هو أقل منه درجة وظيفية، فيما لو استثمر محمود عباس طاقة الشعب الفلسطيني، وأطلق يده ليفرض إرادة الشعب العظيم على نتانياهو، وعلى ائتلافه الحكومي، وعلى كل المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية التي اطمأنت للتنسيق الأمني، فصارت لا تتعجل اللقاء.
د. فايز أبو شمالة