عندما عاد أحد المطلوبين الفلسطينيين للأمن اللبناني، بعد أن سلم نفسه إلى السلطات المعنية، فإنه خرج بعد أيام من التحقيق معه، كون التهم التي كانت موجهة إليه، لم تكن تمثل خطورة ما، ولما وصل إلى بيته، استقبله العديد من زملائه برشات من رصاص وقذائف، حينها ابتسم بمرارة وعلق: لقد كانت إحدى التهم الموجهة لي هي إطلاق رصاص قيل لي أنه ليس له أي مبرر، وأنه قد يصيب أو ربما أصاب بعض الأبرياء. ويبدو أن "من شب على شيء شاب عليه".
هكذا هو الوضع في مخيم عين الحلوة الفلسطيني الواقع في جنوب شرق مدينة صيدا الجنوبية: إطلاق رصاص عشوائي في الليل وفي النهار، وإلقاء قنابل حتى بجانب المقرات الأمنية في الليل أو في ساعات الصباح الأولى، والمقنعون يجتاحون أمن الناس بوجود الرقيب أو ما يفترض أنه الرقيب، أي بوجود قوى أمنية فلسطينية.
بينما كان عشرات من المطلوبين الفلسطينيين للأمن العام اللبناني، أو لمخابرات الجيش يسلمون أنفسهم على الحواجز الأمنية المقامة على مداخل المخيم، أو يتجهزون لتنفيذ تلك الخطوة، فإن أحد كوادر الحركة الإسلامية المتطرفة ويدعى عبد فضة، كان في صباح 24/8/2016 قد انتشر مع مجموعاته في منطقة البستان الكبير والشارع الفوقاني في المخيم، وصولا إلى مشارف بيت اللواء منير المقدح قائد القوى الأمنية الفلسطينية في لبنان، والاقتراب من أحد المقرات الأمنية التابعة لمنظمة فتح، عندها اضطرت قوى الأمن الفلسطينية للتدخل ومنع ما كانت يمكن أن تصل إليه الأمور من عواقب واشتباكات قد يدفع ثمنها أبرياء كثر في المخيم، فما الذي كان يريد تحقيقه عبد فضه ومجموعته من أهداف؟
لقد كان يحتج على ما كان قد نسب للواء المقدح من أنه يتهم ويشتبه بأن عبد فضة هو الذي أطلق النار على عوض البحتي في الأسبوع الأخير من شهر تموز/يوليو الماضي، بعد أن سجلت كاميرات المراقبة ملامحه الشخصية، عندها فإن قوى أخرى تدخلت وتوصلت إلى عقد اجتماع لمناقشة أمر الاغتيال والتحقق من الاتهامات التي تساق بحق عبد فضة المحسوب على مجموعة بلال بدر. وبعد نقاش مطول ومراجعات لأفلام كاميرات التصوير، تم التثبت من أن شبهة إطلاق النار من قبل عبد فضة هي من الأمور المسلم بها، لذلك فإن المجتمعين قرروا وضع فضة وبعض الموالين له قيد التحفظ في مسجد الصفصاف الواقع في الشارع الفوقاني، وأن تتولى عصبة الأنصار الإسلامية الإشراف على هذا التحفظ، وذلك منعا لعدم تطور الأمور إلى الأسوأ، وربما حفاظا على حياة فضة نفسه، لأن هناك من يتربص به ويلاحق خطواته في المخيم، كما أن بعض الحوادث والاشتباكات بالسكاكين وإطلاق النار العشوائي والمشاجرات بين بعض العائلات والأفراد استمرت ليتم معالجتها أولا بأول.
هذا فيما يتعلق بالوضع الأمني وحالة عدم الاستقرار التي يعيشها أبناء المخيم والتي تؤثرعلى وجودهم وسير حياتهم وتحصيل رزقهم _ إذا ما ساعدتهم الفرص والظروف في توفير هذا الرزق، مع ذلك فإن هناك من يصرح بأن الوضع الأمني في المخيم ممسوك.
أما على صعيد حركة تسليم المطلوبين للأمن اللبناني، فإنها ما زالت مستمرة، إن كان من قبل المجموعات المنتمية لجماعة أحمد الأسير التي دخلت إلى المخيم بعد معركة عبرا في العام 2013، او فيما يتعلق بالمطلوبين الفلسطينيين، ولوحظ أن بعض الأسماء التي تم تداول أنها قامت بتسليم أنفسها، هي من أقرب المقربين لأسماء مشهورة في المخيم، كبلال بدر والشهابي والمقدح وتوفيق طه وغيرهم، وقد تم الإفراج عن بعض الذين سلموا أنفسهم بعد أيام قليلة من التحقيق معهم، فيما أفاد بعضهم أنه لم يتم التعامل معهم بعنف، ولم يتم إهانة كراماتهم.
أما فيما يتعلق بعبد فضة، فإن مطالب حركته كانت تركز على أن يسحب اللواء منير المقدح اتهاماته له، بينما أكد المقدح أن عدم المحاسبة والهروب من العقاب على ما يحل بالأمن، يجب أن يتوقف ولا يجب أن يمر من دون محاسبة ودفع الثمن. أما فيما يتعلق بالمطلوبين الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة، فإن اللواء المقدح أكد أن ملفات جميع المطلوبين يتم التعامل معها بالتدريج، وأن تسليم بعض المطلوبين لأنفسهم لاقى ارتياحا لدى الأوساط الفلسطينية واللبنانية، وأمل أن يستمر الوضع إيجابيا للوصول إلى بحث الحقوق والواجبات بالنسبة لكافة قضايا الفلسطينيين في لبنان.
سليمان الشيخ
٭ كاتب فلسطيني