عيد الاضحى ومأساة الشعوب

بقلم: عباس الجمعة

ما أجمل تلك الابتسامات في يوم العيد، وما أحلى تلك العبارات بالتهنئة ليوم العيد، وأعتقد أن أجمل من ذلك كله صفاء القلب، ونسيان المواقف، والتغافل عن العيوب والأخطاء والتسامح بين الأفراد والناس، ولكن كيف يفرح الشعب الفلسطيني ، كيف ينظر وهو يستعد للعيد في ظل حالة انقسام كارثي وعدوان واحتلال مستمر عليه ، هل يستطيع هذا الشعب العظيم ان يحتفل بالعيد دون ان يعبر عن احزانه مما يجري .
اغلب الظن ان الشعب الفلسطيني سيتساءل من حقنا نفرح ، ومن حقنا ان نعيش ، ومن حقنا ان نكون قلب واحد ، ويد واحدة ،  فالشعب الفلسطيني لا يريد بقاء الانقسام ولا احتكار الالوان والرايات، والتنافس الضار، والمع والضد، وهو يريد ان يعرف  على ماذا نتفق وعلى ماذا نختلف. 
نعم من حق الشعب الفلسطيني ان يعرف، لان البعض حول  الاعياد والمناسبات الجميلة وغير الجميلة الى مجرد أيام للتذكير بواقع الحال السيء.
لذلك بات واضحاً، أن آفة الانقسام الداخلي الفلسطيني باتت تزداد بين مشروعين ، وتهدد الوحدة الوطنية على نحو غير مسبوق، رغم ان الشعب الفلسطيني يتطلع الى الوحدة الوطنية  ، خاصة في ظل المخاطر التي  تتهدد قضيته المصيرية بالتصفية ، وهنا نضع ألف خط تحت كلمة التصفية ، لهذا نرى اذا لم يكن هناك جدية من قبل البعض المرتبطين باجندات ومشاريع لا تمت لفلسطين بصلة وخاصة مشروع الاخوان المسلمين ، فأن الأمل في الخلاص من حالة الاستعصاء هذه أصبح ضرباً من الخيال. 
من منا لا يحب العيد ولا ينتظر قدومه ومن الذي لا يرغب في المشاركة في طقوسه وبرامجه المزدحمة الحافلة بكل ما هو طيب وممتع وجميل، للعيد حياة غير الحياة، الحركة والصخب والعمل المتنوع والنشاط المتجدد، يتهيأ الناس للعيد قبل أيام من وصوله ذاك بما يستحقه الزائر من استقبال حافل وما يليق به من تكريم وتقدير وبسبب ما يكنه الناس في نفوسهم للعيد من مكانة واحترام، ولكن تبقى مأساة الشعب الفلسطيني تتصدر الحدث في كل عيد .
ها هو عيد الأضحى المبارك يدق على فلسطين الأبواب ومشهد في الذاكرة لا يغيب عن الأذهان ، أطفال في عمر الورود ورجال ونساء هربوا من مرارة العيش والجوع والحرمان والقصف وظروف الحرب والاقتتال الداخلي في سوريا ، فكان لهم الموت في عرض البحر ، هذا المشهد القاسي من المشاعر والأحاسيس يبقي الانسان الفلسطيني بحالة الخوف والهلع من المستقبل المجهول .
عيد الأضحى يتميز في هذا العام بتزايد الأخبار ، فالعدو يتربص بالشعب الفلسطيني والامة العربية شرا، ومعاناة الأسرى في سجون الاحتلال تزداد ومعهم عائلاتهم لم يتذوقوا طعم الفرحة والسعادة في هذا العيد، وبات له طعم آخر غير الفرحة والسعادة. من بين الأسرى توجد أسيرات فلسطينيات لم يذقن طعم الحرية ولا طعم العيد مع سجان لا يعرف الرحمة، وعرب بلا نخوة المعتصم، وأصبحن منسيات وسط غابة من الوحوش الآدمية.
تتفاقم المعاناة لمختلف قطاعات الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجدهم ولجوئهم قبل وبعد العيد، ولكنها في العيد أشد، كونه يفتقد الفرحة والبهجة كبقية دول العالم. في الضفة الغربية حواجز تذل وتحط من كرامة كل فلسطيني في العيد، عدا عن الاستيطان والجدار والاقتحامات والاعتقالات اليومية، وفي غزة حصار وخنق وقمع الحريات نتيجة الانقسام ومليون ونصف إنسان محاصر بلا ذنب سوى من حبهم وتشبثهم بأرضهم وحقهم في العيش بكرامة كبقية شعوب الأرض. في الأراضي المحتلة عام 48 يحارب الإنسان الفلسطيني في هويته ووجوده المستحق منذ فجر التاريخ، وفي القدس تهويد ومصادرة أراضي ومحاولات لهدم المسجد الأقصى عبر بناء الإنفاق.
أننا على يقين تام بأن أوراق كثيره وكبيرة لا زالت في يد الشعب الفلسطيني وهي كفيلة باستمرار الانتفاضة والمقاومة كل أسباب الانتصار، وفصائل العمل الوطني هي الأقدر والأكفأ لاستثمار هذه الأوراق بشكلها الصحيح ووقتها المناسب.
الشعب الفلسطيني يتطلع في الاعياد الى تعزيز القيم والمعانِي الطيبة ، ويتطلع ان يعيش حياة سعيدة، لأمن واستقرار، مثله مثل شعوب العالم  ، وهذا يستدعي وحدة الصف واستمرار المقاومة لدحر الاحتلال وإزالة الحواجز التي تقطع أوصالها، ورفع الحصار عن قطاع غزة ، وفتح المعابر،، وتحقيق العودة والحرية والاستقلال، واستعادة قدس الأقداس مهد الرسالات .
وفي ظل هذه الظروف اقول ان الغريب بأن الفصائل والقوى الفلسطينية ، تتحرك ولكن لم تتوحد في موقف فلسطيني موحد من اجل ان تبقى راية منظمة التحرير الفلسطينية خفاقة باعتبارها الممثل والكيان السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني فالبعض فيها يحاول الاستثراء والاستفراد بالمنظمة بدلا من ان يسعى بكل الجهود لتطوير وتعزيز المشاركة الوطنية الحقيقية وتفعيل مؤسسات المنطمة من خلال مشاركة كافة الفصائل بصنع القرار الفلسطيني من اجل  الدفاع عن مصالح الشعب ، والحفاظ على حقوقه الوطنية.
وحتى لا يساء فهم أو تفسير ما قصدته ،فهل يا ترى سنستوعب دروس سنوات الانقسام العجاف التي عاشها شعبنا وقضيته، وهل سنترفع عن المصالح الذاتية والفصائلية والسلطوية، ونضع المصالح الوطنية فوق كل هذه الاعتبارات، فنسقط الانقسام، ونستعيد الوحدة، أم أننا سنحافظ على الانقسام، ونبقي على النتائج المدمرة التي أوقعها، وهذا ما لفت الانتباه انه في الوقت الذي دعت فيه كافة القوى والفصائل الى إجراء الانتخابات على مختلف المستويات النقابية والمحلية والسياسية، وانتظام دوريتها لتجديد مختلف الهيئات وفقاً لإرادة الشعب الفلسطيني، اتى قرارالتأجيل للانتخابات ، بدلا من السير بالعملية الانتخابية، والتعامل مع الانتخابات المحلية باعتبارها فرصة يمكن البناء عليها لمغادرة حالة الانقسام واستكمال الانتخابات للمجلسين الوطني والتشريعي وللرئاسة، رغم رأي الخاص بأن تحارب الانتخابات تحت الاحتلال لا تشكل ارضية صالحة في المرحلة الراهنة ولم توصل الشعب الفلسطيني إلى حقوقه الوطنية كاملة غير منقوصة، ولكن ما جرى يعكس عمق أزمة الوضع الفلسطيني ، مما يستدعي من جميع القوى التمسك بخيار الوحدة والديمقراطية كخيار استراتيجي وحيد امام الشعب الفلسطيني، أسئلة كثيرة ينتظر الشعب الفلسطيني الإجابة عليها.
ومن موقعنا نرى صمود وتضحيات الحركة الاسيرة المناضلة ، وتجارب وخبرات الشعب الفلسطيني وسائر شعوب الارض التي إنتزعت حريتها بنضال مثابر وتضحيات جمة، وأجبرت المحتلين والطغاة على التسليم في خاتمة المطاف بحقوقها المشروعة في الحرية والاستقلال والسيادة، حيث نرى ان مقاومة الحركة الاسيرة  وإصرارها على مواصلة اضراب بعض الاسرى وتحملهم للآلام المبرحة مصدر الهام هائل، ومصدراً لطاقة كفاحية متدفقة، وللثقة بامكانية تحقيق الانتصار بصدور عارية وامعاء خاوية على إدارة السجان وقيوده، واجباره على الاذعان لإرادة المعتقلين والأسرى والتسليم بحقوقهم، بما في ذلك إجباره على إطلاق سراحهم، وعدم مواصلة التمديد الاستنسابي للاعتقال الاداري، وهذا يتطلب  التضامن الواسع مع اسيرات واسرى الشعب الفلسطيني لانهم يستمدون مزيداً من العزيمة والاصرار على مواصلة الاضراب حتى ينتزعوا حقوقهم في الحرية .
وامام كل ذلك يأتي العيد والمنطقة العربية هي أكثر المناطق سخونة في العالم، وتتركز الأنظار عليها وعلى الأحداث فيها لعدة أسباب، في مقدمتها، أن هذه المنطقة أصبحت تهدد العالم وتضعه أمام حرب عالمية جديدة، والسبب الهام الآخر للاهتمام بالمنطقة، هو انها تشكل مركزاً متقدماً في الصراع العالمي حول الثروات والمقدرات، ولذلك تحول الصراع الدامي في العديد من دول المنطقة الى حروب بالنيابة بين العديد من الدول والقوى السياسية والاقتصادية،  وتحديدا في سوريا  والعراق واليمن وليبيا حيث جندت القوى الامبريالية والرجعية العربية إمكانات هائلة لانهاء دور المقاومة في المنطقة، بما في ذلك اللجوء الى قوى الارهاب التكفيري وفصائل الاسلام السياسي المتطرفة، ورُصد لهذه القوى امكانات هائلة مادية ومالية وبشرية، حيث قدمت الشعوب العربية الآلاف من الشهداء، هذا إضافة الى تشريد ملايين المواطنين ، ولكن نحن على يقين بأن موازين الصراع أخذت تطرح معطيات جديدة تتناقض كلية مع مخططات وأهداف قوى التدخل الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية، وقوى الارهاب التكفيري، وان الانتصار سيكون لمصلحة قوى الصمود والمقاومة والشعوب العربية .
على كل حال جاء العيد هذه المرة على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية مثقلاً بالجراح، ففلسطين الجريحة تعاني من الاحتلال والاستيطان والانقسام، ومخيمات اللجوء والشتات في سوريا ولبنان ترسم خارطة حق العودة ، وتكلل العيد بمسيرات وزيارات الى مدافن الشهداء في المخيمات، وتوجه من خلالها على النصب التذكاري في مقبرة الشهداء التحية لشهداء الثورة الفلسطينية المعاصرة، وفي مقدمتهم القادة العمالقة الرئيس الرمز الشهيد ياسر عرفات وأبو العباس وطلعت يعقوب وابو احمد حلب والحكيم جورج حبش وابو علي مصطفى وخليل الوزير، وسعد صايل وفتحي الشقاقي والشيخ احمد ياسين وزهير محسن وسمير غوشه وعبد الرحيم احمد وابو عدنان قيس وجهاد جبريل وكل الشهداء من فلسطينيين وعرب واممين استشهدوا على الطريق الى فلسطين، كما في لبنان نودع الشهداء من ابطال المقاومة ونحن على ابواب ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ،والامة العربية ومقاومتها تودع الشهداء،  ولكن راية الشهداء ستنتصر .
ختاما: كلّ التحية و التقدير للشعب الفلسطيني المرابط على ثرى ارض فلسطين ومقدساتها الاسلامية والمسيحية وفي اماكن اللجوء والشتات والمنافي ، و كل التحية لأرواح الشهداء ، و للمعتقلين والاسرى البواسل ، و للجرحى الصابرين على الجراح، وكل التحية للشعوب العربية وقواها التقدمية والقومية وقوى المقاومة على امتداد المنطقة ، وتحية للشعبين الشقيقين الفلسطيني واللبناني ، ونقول ان علينا الاستمرار في طريق النضال والإبداع والتميز فالشعب الفلسطيني العظيم سيبقى شعلة منيرة تضئ سماء فلسطين.
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي