ما يدور هذه الأيام، في كواليس السياسة والديبلوماسية الفلسطينية ونظيراتها الإسرائيلية والعربية والإقليمية وحتى الدولية، في شأن المفاوضات وتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، أقرب إلى منطق "التفليسة" التي حوت أخيراً أشكالاً من التطبيع، ومختلف أنواع الوساطات.
فهناك تخلٍّ عن الفلسطينيين كشعب وقضية، واقتراب من منطق الصلح والمصالحة مع العدو التاريخي، استجابة لمصالح منفعية وزبائنية، ولو على حساب شعب شقيق لا يني يتعرض لمظالم تاريخية وآنية، حتى على أيدي من يفترض أنهم من حماته (حماة الديار) ذلك المصطلح المبتذل في كل الأمكنة التي جرى ويجري استعماله فيها، وها هو نزيف التجاهل للقضية الوطنية يستمر، مع استمرار نزيف التجاهل لقضايا المواطنة في بلداننا العربية.
ما يحصل اليوم في هذا المضمار، هو ذاك السيناريو الذي يسعى الإسرائيليون إلى تسويقه، خصوصاً بعد إحباط المبادرة الفرنسية، حيث يتولّى الروس والأتراك والمصريون مهمات أساسية في التحضير له، وذلك على قاعدة التسويق للمبادرة العربية، ولكن بعد قلب أولوياتها رأساً على عقب، ما يتيح لإسرائيل تصفية القضية الفلسطينية على طريقتها، كملف "استصغر شرره" في الآونة الأخيرة.
التحايل واضح في ما ينقل عن مقترحات إسرائيلية، فحواها إعلان إسرائيل التزامها الصُوري بتكريس إقامة دولة موقتة أو دائمة في غزة، وبإقامة "روابط قرى" أو ترقيتها إلى "روابط مدن" هي بمثابة حكم ذاتي في الضفة. وفيما تتمسّك إسرائيل بالقدس عاصمة لها، ستُثبّت المستوطنات كلها، وتُشكّل لجنة متابعة لملف المدينة. وللمزيد من التحايل يتمّ الحديث عن نيّة إسرائيلية لتوسيع نطاق القدس إدارياً باتجاه أريحا، على أن يوضع هذا الجزء ضمن سلطة الحكم الذاتي للإيحاء بأنّ القدس عاصمة الفلسطينيين أيضاً. وتتولّى لجنة خاصة متابعة مسائل الحدود.
لقد مرت أربعة عشر عاماً منذ أن جرى طرح المبادرة العربية في قمة بيروت عام 2002، ومذّاك وإسرائيل على ما يبدو تنتظر مزيداً من الاهتراء في الوضع العربي والإقليمي، كي تقدم على مجرد النظر في بنودها، وليس شرطاً القبول بها، فماذا عدا مما بدا حتى يعاد طرحها الآن، كي تجد الأطراف المعنية فرصتها السانحة لكي تقدم المزيد من المقترحات، استناداً إلى صلب تلك المبادرة وجوهرها؟
ما يحصل في كل الأحوال، مضافاً إليه "خطة ليبرمان" ومخططات حكومة الاحتلال، يشهد على أن الفلسطينيين كشعب براء مما يرسم الآخرون لهم، وأن ما يحصل، سيتم على حسابهم وحساب قضيتهم الوطنية وأرضهم وممتلكاتهم وحقهم في العودة من الشتات، أما أرض وطنهم التاريخية، فهناك للأسف من أصحاب المنطق التصفوي لا التسووي، من ينظر إليها كقضية سيقال أنه "عفّى عليها الزمن"!
ماجد الشّيخ
* كاتب فلسطيني