عن الانتخابات الفلسطينية

بقلم: راسم المدهون

هل كانت القيادة الفلسطينية في حاجة إلى قرار المحكمة العليا لتأجيل الانتخابات المحلية؟

نتساءل لأن الانتخابات في تقديرنا استحقاق سياسي ودستوري قبل أن تكون مسألة قانونية أي أنها في الحالات التي تخلو من سبب يبطلها طبيعية وعادية ومطلوبة أيضاً. مع ذلك فهذه المسألة التي شغلت الرأي العام الفلسطيني وأشعلت نقاشات لم تهدأ حتى بعد التأجيل تعاملت معها القيادة بمنطق بعيد عن المسؤولية: لم يكن قرار السلطة إجراء الانتخابات يراعي الحالة الشاذة التي يعيشها قطاع غزة المخطوف من حركة حماس بانقلاب عسكري دموي، والذي نجح حتى الآن في افشال أية محاولات لردم الانقسام أو حتى وضع بدايات أولى لردمه من خلال تأليف وإرساء حكومة وحدة وطنية.

هل يعقل إجراء انتخابات نزيهة وشفافة في قطاع غزة من دون حضور مراقبين موثوقين لا يمكن لحركة حماس أن توافق على دخولهم القطاع المخطوف، وهي التي لم توافق قبل ذلك على وجود وزراء "حكومة الوحدة الوطنية" في القطاع بل لم توافق على دخول الناطق الرسمي باسم تلك الحكومة؟

نقول ذلك ونعرف أن هناك من سيسارع الى اعتبار ما نقوله سعياً إلى إثارة الفرقة ووضع العصي في الدواليب، وهو كلام مكرر ومعاد للمرة المليون فالوصول الى حالة فلسطينية سليمة ومعافاة يبدأ أولاً وبالضرورة من رؤية الحقائق على الأرض، وينطلق تالياً من معالجتها بتوافقات حقيقية وليس بمجاملات لفظية خبر الجميع أنها سرعان ما تذهب طي النسيان ويبقى الحال على ما هو عليه. ففيما يعاني فلسطينيو قطاع غزة من ما ترتب على انقلاب حماس وخصوصاً لجهة الحركة والانتقال عبر معبر رفح، "تجاهد" قيادة حماس لصرف النظر عن انقلابها بالحديث الذي لم ينقطع عن انقلاب آخر مزعوم في مصر. فكأن ما يعانيه مواطنو قطاع غزة هو بسبب سقوط حكم الإخوان المسلمين المصريين وليس بسبب اختطاف القطاع البائس والمحاصر وأخذ أهله رهائن لإجبار العالم على الاعتراف بحكومة حماس. وهو رهان لم تقتنع حماس بفشله ووصوله الى طريق مسدود، أو هي بالأدق اقتنعت في داخلها ولكنها حوَلت الرهان الى نوع من الإصرار على فرض أمر واقع في قطاع غزة لا يهتم في كثير أو قليل لمصير المواطنين ومصالحهم اليومية ناهيك عن خطورته المدمرة على الوحدة الوطنية الفلسطينية.

ليست مسألة إجراء انتخابات محلية مسألة فنية إجرائية تتكفل بها لجان وموظفون أو متطوعون ولكنها قبل ذلك توفير أرضية وطنية سليمة تجعل من تلك الانتخابات خطوة في سياق المشروع الوطني الفلسطيني وليست إلحاقاً لمزيد من الضرر بهذا المشروع، وهي لو جرت في ظل الظروف الشاذة القائمة اليوم لن تحقق شيئاً سوى إسباغ نوع من الاعتراف بالأمر الواقع الحمساوي وتكريساً له فإجراء الانتخابات يقع بعد الوحدة وليس قبلها كما تروج بعض الأطراف التي يدفعها يأسها من صعوبات ردم الانقسام الى اشاحة الوجه عنه والقفز من فوق للوصول الى ما بعده كما تتوهم.

نعم الانتخابات المحلية وأيضاً الرئاسية والتشريعية استحقاقات واجبة بل هي تأخرت كثيراً عن مواعيدها، لكن ذلك كله لا يبرر اجراءها في صورة تلفيقية تقفز عن الواقع وتتحول الى مجرد وسيلة إلهاء تشغل المواطنين والقوى السياسية عن القضايا الحقيقية والوقائع التي لا يمكن ولا يجوز انكارها. هي لغة أخرى نعتقد بأن قيادة السلطة الفلسطينية لم تعتد سماعها بل لا تحب سماعها، وتفضل بديلاً منها ثرثرة البعض عن أهداف الوحدة الوطنية، النبيلة والسامية، ولكن التي يقول الواقع كل مرة أنها ليست سوى ثرثرة.

راسم المدهون

* كاتب فلسطيني