اوسلو انتهى ..ما المطلوب

بقلم: عباس الجمعة

على مدار العقود الماضية مثلت القضية الفلسطينية مركز النضال لدى الشعوب العربية، وحتى شعوب العالم ، ومن الممكن جدا اقول أن القضية الفلسطينية هي معيار أساسي لتحديد المواقف السياسية بدقة كافية، لهذا يجب ان يعترف الجميع اليوم بأن أوسلو انتهى ، ويجب مغادرة هذا الاتفاق بملاحقه الأمنية والسياسية والاقتصادية، والعودة بملف القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وليس التفاوض عليها، وإعادة الاعتبار للنضال الوطني الفلسطيني الشامل ضد الاحتلال.
ونحن نرى ان كل الاتفاقات والمفاوضات التي ولدت نتيجة اتفاق اوسلو فشلت ، وشكلت كارثة وطنية اوصلت الشعب الفلسطيني إلى منعطف خطير ما زال الجميع يتذوق مرارة ذلك ، فالاحتلال ما زال مستمراً، وعزز من وجوده، وصعدّ من جرائمه وممارساته وقوانينه العنصرية، في الوقت الذي ازداد معدل الاستيطان وبناء الوحدات الاستيطانية أكثر مما كان قبل اوسلو، فأصبحت كالورم السرطاني الذي قطع أوصال الضفة، وما زال الاحتلال يواصل حربه المسعورة على مدينة القدس من أجل تهويدها، فضلاً عن شن الاحتلال ثلاث حروب على قطاع غزة أحدث فيها دماراً هائلاً في ظل استمرار للحصار ومعاناة للشعب الفلسطيني، وانقسام كارثي ، وهذا يدعو الجميع فصائل وقوى التى تجاوز هذه الاتفاقية ومعالجة تداعياتها وآثارها الكارثية، وإعادة بوصلة النضال إلى مسارها الصحيح.
وفي ظل هذه الظروف التي تتزامن مع ذكرى اتفاقية اوسلو ، تأتي وثيقة اللجنة الرباعية العربية والتي تضع العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام حيث سيكتشف كل مطلع أن كل الغايات من وراء هذه الخطة المبرمجة وفق المبادرة العربية تشكل تدخل في مسار النضال الوطني ، فهذه الوثيقة تبحث عن تسوية مع الاحتلال الاسرائيلي وصولاً إلى إنهاء الصراع العربي – الاسرائيلي وإقامة علاقات طبيعية بين اسرائيل والدول العربية، اضافة الى عناوين اخرى لها علاقة بأعادة تأهيل البيئة السياسية والفتحاوية والاجتماعية للولوج في التسوية المزمع الوصول إليها، مما يؤكد بأن هذه الوثيقة تحمل أبعاداً سياسية واستراتيجية خطيرة وآلية التعامل مع الوضع الفلسطيني ، وخاصة لجهة سحب وحدانية التمثيل من م.ت.ف لتصبح الجامعة العربية وأنظمتها شريكاً في التمثيل.
ولذلك نرى ان هذا التدخل التي ترمي اليه الوثيقة يستدعي موقفا فلسطينيا ، ونحن نتحدث عن ذلك من موقع الحرص اولا على وحدة حركة فتح التي تشكل العمود الفقري للثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وثانيا على الفصائل والقوى الفلسطينية الحذر مما يحاك وهذا يتطلب حماية المشروع الوطني الفلسطيني والتمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية الكيان السياسي والمعنوي والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، ورفض اي تدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية اواعادة الوصاية والاحتواء او الانابة ، لان التدخل بشؤون حركة فتح يحمل أبعاداً سياسية وغير سياسية في طريقة التعاطي ، وان من حق حركة فتح معالجة التباينات الداخلية كما أي فصيل وكما أي نظام عربي،ولهذا يجب رفض قضية التمثيل لاي طرف عربي نيابة عن منظمة التحرير الفلسطينية , رغم كافة الضغوطات ، لأن قضية فلسطين ليست قضية شكلية ، لهذا يجب التمسك بخيار الوحدة والانتفاضة والمقاومة الشعبية وترتيب البيت الفلسطيني ، لإن قضايا الشعوب الكبيرة والعادلة ورغم مضي سنوات كثيرة عليها لا تضيع بالتقادم, ولن تكون نسياً منسياً بسبب تضافر قوى إقليمية ودولية على طمسها, وقضية الشعب الفلسطيني هي قضية القضايا, إنها قضية العصر والتي لن تغيّبها المؤامرات الدولية والإقليمية, ورغم كل العراقيل والصعوبات التي تواجه الشعب الفلسطيني , ستبقى قضية فلسطين وعدالة مطالب شعبها سيفاُ مسلطاً على الضمير العربي والإسلامي والدولي.
إن الصراع الشامل والمفتوح والتاريخي مع الاحتلال الصهيوني وكيانه البغيض لن يتوقف إلا بتحقيق الحقوق التاريخية والعادلة للشعب الفلسطيني, وأن قضية فلسطين بكل تجلياتها وأبعادها المحلية والإقليمية والدولية ستبقى جوهر الصراع العربي الصهيوني حتى تزال الأسباب الحقيقية لهذا الصراع بضمان كامل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفي المقدمة منه حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
وغني عن القول ورغم الظروف التي تعيشها المنطقة نتيجة الهجمة الامبريالية الاستعمارية ، فقد وجهت سوريا رغم الحرب عليها رسالة إلى الصديق والعدو في آن معاً مفادها بأن السيادة السورية خط أحمر لايحق لأحد بتجاوزها وأن أي اعتداء على الأراضي السورية سيكون الرد عليه حاسماً ودون الرجوع إلى الحلفاء والأصدقاء فمسألة السيادة الوطنية لايمكن المساومة عليها، وما اسقط طائرة حربية وطائرة استطلاع للعدو من قبل وسائط الدفاع الجوي السوري ، الا تأكيد على قدرة سوريا وتمسكها بخيار المقاومة وتاكيدها للعالم بانها ما زالت باقية صامدة بعد خمسة أعوام من الحرب الكونية على أرض سورية وهي حرب جمعت كل شذاذ الآفاق والمرتزقة واللصوص والفاسدين والمتطرفين، وهذا يؤكد للجميع بان سوريا ما زالت تحتل موقعها رغم كل الظروف وتتمسك بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية للامة العربية والتي يجب على الجميع اعادة البوصلة الى فلسطين بدلا من سياسة التطبيع واقامة العلاقات مع العدو على حساب حقوق الشعب الفلسطيني .
من هنا نحن نرى في ذكرى اتفاقية اوسلو، بانه يجب إعادة القضية الفلسطينية إلى مكانها الطبيعي في الحالة العربية ، وهذا يستدعي إعادة تكريس البعد القومي للقضية الفلسطينية ، لأن هذا الموضوع أصبح الآن ضرورة ملحة لحماية الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني، وبما يعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها في مواجهة الاستراتيجية الكونية للحركة الصهيوني، وعلى العرب ان يعلموا ان سياسة تقطيع أوصال الأمة، وعزل قضاياها عن بعضها البعض, كانت هدفاً صهيونياً دائماً وصولاً إلى ما تتعرض له المنطقة بهدف الاستفراد بالشعوب العربية وفرض الهيمنة عليها، وقضية فلسطين هي الأساس والتي عملت الصهيونية على فرض اتفاقيات (أوسلو) والتي لم تحقق الحد الأدنى من مصالح وحقوق شعب فلسطين.
وامام هذه الاوضاع نؤكد على ضرورة العمل الجاد والسريع لتعزيز الاجماع الوطني الفلسطيني خاصةً في ظل الظروف الراهنة والتي تحيط بالشعب الفلسطيني عموماً والشعب الفلسطيني في في الضفة والقدس وغزة وتهديدات الفاشي الارهابي ليبرمان بأبعاد الشعب الفلسطيني عن وطنه التاريخي فلسطين اي من اراضي 48 ، اضافة الى تداعيات تأجيل الانتخابات المحلية, بدلا من القيام بإئتلافات وطني لخوض الانتخابات من كافة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ، واستكمال الجهود التي بذلت في القاهرة لاستعادة وحدة منظمة التحرير, وإحياء مؤسساتها ومشاركة كافة القوى فيها على أساس ديمقراطي ، لأن المنظمة هي العنوان والكيان السياسي الموحد لكل شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج, ورسم استراتيجية وطنية شاملة وحقيقية متكاملة مع التمسك بخيار المقاومة ضد الاحتلال ، والذهاب بملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة لمطالبتها بعقد مؤتمر دولي بحضور جميع الاطراف للوقوف أمام مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة و خاصة القرار الاممي (194) هذا القرار مازال قراراً دولياً يحظى بالدعم والتأييد والمساندة الدولية ودورات الجمعية العمومية للأمم المتحدة والتي تكرس هذا القرار سنوياً دليل ذلك.
ختاما : لا بد من القول ان اتفاقية اوسلو ولدت ميتة ، ولن يجني منها شعب فلسطين سوى الكوارث ، لذلك نقول ان كفاح شعب فلسطين لن يتوقف حتى نيل حريته من خلال إلارادة و إلاصرار على مواصلة درب الكفاح والنضال حتى تحقيق أهدافه ، فهذا الشعب العظيم اليوم يشكل شعلة الحرية من خلال انتفاضة شاباته وشبابه التي تحتل الضمير في وجدان كل إنسان عربي وحر في العالم، فهذه الاجيال الشابة تناضل من اجل التحرير والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية ، حتى تبقى فلسطين، القضية والإنسان، حيةً في وجدان الشعوب العربية واحرار العالم ، فالشعب الفلسطيني الذي كتب بالدم رسالة فلسطين والحرية والاستقلال والعودة ، سيبقى متمسكا باهدافه حتى تحرير الارض والانسان .

بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي