في ذكـرى الخطـيئة ليتها لم تـزن ولم تـتصـدق ..!!

بقلم: عادل أبو هاشم

مرّت يوم أمس الثالث عشر من أيلول / سبتمبر الذكرى الثالثة و العشرون لـ " خطيئة أوسلو " دون أن يتذكرها أحد ، أو يترحّم عليها بعد أن شكّلت بالفعل الاعتراف الفلسطيني " الرسمي " بحق اسرائيل في اغتصاب فلسطين ومنحها الشرعية التي طالما افتقدتها .!

يوم الثالث عشر من أيلول / سبتمبر 1993م يوم تاريخي فاصل بين عهدين ومرحلتين ، بل بين منطقين وعقليتين أيضا .!

لم يأت هذا اليوم صدفة ، ولم يهبط من سماء الغيب بالمظلة المجهولة الهوية ، فقد امتدت جذوره وتسللت مقوماته وخلفياته على مدى ربع قرن على الأقل ، وكانت الخطوة الواحدة في المسيرة الفلسطينية مجرد تمهيد لخطوة أخرى أوسع وأخطر ، فتشكل من هذه الخطوات الحلقات حدث متواصل في الجوهر ومتقطع في الشكل نجهل منبعه مثلما نجهل خاتمته ، لكننا ندرك أن يوم الثالث عشر المذكور هو المعلم الأبرز حتى الآن ، وهو نقطة فصل رئيسية ، وقد ترك بصمات في المصير الفلسطيني العربي قد لا تمحى أبدا ، مهما اشتدت حركة مقاومة ما حصل في ذلك اليوم .

قبل هذا التاريخ المشؤوم قال القائد صلاح خلف " أبو إياد " مقولته الشهيرة ( أخشى أن تصبح الخيانة وجهة نظر ) قالها على قاعدة أنها قد تكون ضرب من المستحيل والخيال .

و لم يخطر بباله أن يتحقق ما كان يخشاه ، فبعد هذا التاريخ الملعون أصبحت الخيانة والعمالة حقيقة ثابتة .!

بل تجاوز الأمر ذلك لتصبح الخيانة في زمن أوسلو آيديولوجيا وليس فقط وجهة نظر .!

آيديولوجيا يفاخر بها ليلا ونهارا وعلى مرآى ومسمع من الجميع أبناء " خطيئة اوسلو ".!!

فـ " 13 أيلول " حول مسار شعبنا السياسي الى مسار بدون هوية..!! وجعل تاريخنا يبدو وكأنه سجل مفتوح للأحباط و اليأس و الخيانة..!

لقد غرس هذا اليوم المشؤوم في نفوسنا شعور الخوف من الوطنية ، و صار بأمكان أي كان أن يشهر الخيانة بكثير من الاعتزاز و الشعور بالتفوق على هذا الوطني المطارد الذي أصبح كالشاة البيضاء في قطيع أسود..!!

بعد هذا التاريخ ما أصعب أن تجد مبررا لموقف أو رأي وطني ..!!

وما أسهل أن تجد عشرات التبريرات لمواقف الخيانة ..!!

في اليوم التالي لهذا التاريخ وجدنا من لم يكن لهم تاريخ نضالي قد شربوا حليب السباع ، و صنعوا من بطولات الآخرين بطولات لهم..!! ومن فشلهم وعجزهم فشل وعجز الآخرين..!!

و أصبح الانسان الفلسطيني يعيش في غيتوهات بفضل الزمرة التي تولت المفاوضات .!

فهذا من غيتو( أ ) وآخر من غيتو( ب ) وثالث من غيتو( ج ) ، وهكذا حتى نهاية الحروف الأبجدية ..!!

في زمن " 13 أيلول " تحول السلام الى حروب أكثر تعقيدا وأشد ضراوة ..!!

حروب بلا جبهات ..!! وأعداء اختلطوا بالأصدقاء ..!!

وعملاء انتظموا مع الوطنيين في صفوف الأجهزة الأمنية ..!!

وبات من الصعب على الانسان الفلسطيني البسيط الفصل بين الاسرائيلي الذي اغتصب الأرض . . و الاسرائيلي الذي اغتصب الانتماء ..!!

بين الاسرائيلي الذي انتهك المقدسات . . والاسرائيلي الذي انتهك الولاء ..!!

وأصبحنا لا نميز بين الفلسطيني الذي باع نفسه للاحتلال ، و الفلسطيني الذي أوصل الاحتلال الى مخادع قادة وكوادر الانتفاضة في أكثر المشاهد عبثية في تاريخ النضال الفلسطيني ..!!

قبل" 13 أيلول " وفي زمن الانتفاضة الفلسطينية المباركة الأولى كان شباب الانتفاضة هم الذين يقتلون العملاء ويطاردونهم من مكان إلى آخر ، والعميل الذي ينشد السلامة يذهب إلى المسجد و يعلن توبته أمام شعبه.

وفي زمن الأنتفاضة الفلسطينية الثانية ــ و التي جاءت كأحد افرازات أوسلو ــ أصبح العملاء يقتلون كوادر الأنتفاضة ، وقادة الانتفاضة الذين تطالب اسرائيل برؤوسهم يسلمون أنفسهم إلى إدارة السجون في السلطة الفلسطينية..!!

في الأنتفاضة الأولى ــ في زمن الأحتلال ــ كان العملاء هم المطاردون .

وفي الأنتفاضة الثانية ــ في زمن السلطة الفلسطينية ــ أصبح قادة الأنتفاضة هم المطاردون بلا هوادة من قبل العملاء وجنود الاحتلال ، ولا همّ لهم سوى النجاة بأنفسهم..!!

الالآف من أبناء شعبنا قتلوا بعد " 13 أيلول " ، ولم نسمع كلمة استنكار اسرائيلية واحدة على مقتلهم ، ومع ذلك فقد سئم الفلسطينيون من كلمات الاستنكار و الشجب و الادانة التي تصدر من أصحاب الخطيئة عند مقتل كل اسرائيلي..!!

لماذا لا يعترف " عرابو أوسلو " بأن ما يعيشه الفلسطينيون هذه الأيام ليس أكثر من هزيمة في مسار السلام تضاف إلى هزائمنا في مسارات الحرب..!!

ولماذا لا يعترفون أيضا بأن كل ( لا ) فلسطينية صدرت عنهم أثناء المفاوضات ثبتت في محاضر الجلسات بـ ( نعم ) ..!! وكل ( لا ) اسرائيلية حتى و ان كانت ( لا ) الناهية أو النافية قبلها المفاوض الفلسطيني على انها ( لا ) و أن عليه أن يقول ( حاضر ) ..!!

لماذا لا يعترف " عرابو أوسلو " بأن ما يعيشه الفلسطينيون هذه الأيام ليس أكثر من هزيمة في مسار السلام تضاف إلى هزائمنا في مسارات الحرب..؟!!

كيف صدق هذا الشعب المغلوب على أمره بأن" أوسلو" قد مات ؟!

وهل ما يجري الآن على الأرض الفلسطينية ما هو إلا تطبيق عملي لاتفاق "أوسلو" المشؤوم..!

ألم يصرح أحد افرازات " أوسلو " بأنه ( لو لم تكن أوسلو..لأوجدنا أوسلو جديدة..! ) .؟!

و الغريب أن يظل الذين أدخلونا في متاهات وزواريب" أوسلو " يواصلون السير بنا في متاهات جديدة .. تارة في مفاوضات سرية ، و أخرى علنية تؤدي بنا في نهاية المطاف إلي" أوسلو" جديدة و مذابح جديدة .!

والأكثر غرابة أيضا كيف لم يستدع أحد من الذين أداروا المفاوضات السرية في "أوسلو"، وأصدروا مذكراتهم الشخصية التي يتبجحون فيها بانجازاتهم الباهرة في تحقيق ما عجز الأولون و الآخرون من زعماء الجهاد الفلسطيني من تحقيقه طوال قرن من الزمان ..!كيف لم يستدع أحد منهم حتى ولو في مناظرة تلفزيونية ليصارح شعبه كيف أوصله إلى طوابير النعوش اليومية..!!

ونستغرب ــ أيضا و أيضا و أيضا ــ بأن أحد منهم أو من أبنائهم لم ينضم إلى قوافل الشهداء..!!

ونصاب بالذبحة عندما نكتشف أن عراب " أوسلو" وجد في نهاية مطاف "أوسلو" بأن مشكلته الحقيقية لم تعد مع عدوه السابق، بل مع شعبه الحالي ..!!

بعد توقيع" أوسلو" أعلن " العـراب " بأن هذا الاتفاق إما أن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة أو يكرس الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا و ذلك حسب تعاملنا معه ! لأن آلية الاتفاق تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة..!!

إذن فالشعب الفلسطيني هو الذي يحاصر تل أبيب ويحتل أجزاء منها في الليل و ينسحب في الصباح بعد تدمير منازل الإسرائيليين و قتل أطفالهم وإجهاض نسائهم و طردهم في العراء..!!

والشعب الفلسطيني هو الذي يستخدم قنابل الغاز المحرمة دوليا ضد الإسرائيليين ، ويقطع الماء و الكهرباء عن المستوطنات الإسرائيلية لأشهر طويلة..!!

والشعب الفلسطيني هو الذي يقتحم المدارس و قاعات العلم الإسرائيلية مستخدما الذخيرة الحية و الغاز المسيل للدموع ..!! وهو الذي يحاصر المدن الإسرائيلية مستخدما حرب التجويع وتخريب الممتلكات الزراعية و إغلاق المعابر الحدودية ومنع دخول المواد الغذائية و الإمدادات الطبية و المحروقات إلى المدنيين الآمنيين الإسرائيليين..!!

لهذا فشل " أوسلو " في إقامة الدولة الفلسطينية لأننا لم نعرف أن نتعامل معه..!!

( ألم يحرص " العراب " في الماضي القريب على أن يبيع للعرب ( شارون الطيب الذي تغير و الذي لم يعد ذلك الرجل الذي عرفناه في صبرا و شاتيلا ) ؟!

أيهما يحب الآخر أكثر ؟!!

انه سر من أسرار أوسلو..!!

ما أكثر الأسرار .. وما أصغر أوسلو..!!

نستطيع كتابة مجلدات عن الخطيئة المُسماة " اتفاق أوسلو " ، ولهذا لم يعد الحديث يدور حول ذكراه البائسة, لأنه بالفعل كان خطيئة كبرى وجريمة موصوفة بحق الشعب الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف ، و هو ما عبر عنه الدكتور ادوارد سعيد بالقول : " إن عرفات ورط شعبه بمصيدة لا مخرج منها بسبب هذا الاتفاق ، وإنه ألقى بنفسه بين الأمريكيين والإسرائيليين ".!

مواطن فلسطيني دمر منزله في العدوان الأخير على غزة عندما سمع عراب "أوسلو" يتبجح بإنجازاته على صعيد إقامة الدولة الفلسطينية قال : ليتها لم تزن ولم تتصدق !!

بـقـلـم : عـادل أبـو هـاشـم