من الصعب على المرء مهما أوتي من قوة أن يتماسك وهو أمام مشهد شعب لايزال مسجى على الأشلاء ,والدماء ,والآلام,منذ نكبته عام 1948 حتى يومنا هذا.
فقبل 34 عاما ,نفذ أرييل شارون,والعملاء من الميليشيات اللبنانية,أبشع مجزرة عرفها التاريخ الانساني الحديث ,بحق شعب اقتلع من ارضه عنوة وبقوة السلاح.
وتعتبر مجزرة صبرا وشاتيلا التي نفذت في 17 أيلول عام 1982 استمرارا لمسلسل طويل من الملاحقة والتطهير العرقي المبرمج والمدروس,وأكبر دليل على هذا عندما اعتبر أرييل شارون تلك المجزرة امتدادا لحرب (الاستقلال) في عام 1948,فسكان مخيم صبرا مسقط راس ابائهم واجدادهم مدينة يافا وضواحيها أصلا,اضطروا للجوء الى لبنان عام 48 هربا من عمليات القتل والتنكيل التي مورست ضدهم عندما اجبرتهم العصابات الصهيونية على الهجرة بقوة السلاح,أما سكان مخيم شاتيلا فمسقط راس ابائهم واجدادهم قري وبلدات دير الأسد,دير الآسي,مجد الكروم,صفورية,عين الزتون,نحف,في الجليل.
اقترفت عصابات الهاغاناة,والأرغون,وشتيرن بقيادة مناحيم بيغن ,واسحق شامير ,مجازر بحق ابائهم واجدادهم عام 48,واضطر من تبقى منهم على قيد الحياة الى اللجوء والعيش مكدسين في خيام,ثم في بيوت من الطوب والصفيح تفتقر الى البنى التحتية, وعانوا الأمرّين وتحملوا شظف العيش والحرمان.
في 17 ايلول عام 1982 نفذ الجيش الاسرائيلي سليل عصابات القتل والارهاب والترويع,مجزرة جديدة بحق من تبقى من سكان يافا وضواحيها,وكذلك ضد من تبقى من سكان قرى وبلدات الجليل المذكورين سابقا, بمساعدة العملاء من الميليشيات اللبنانية,بعد أن تعهد الرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان ضمان أمن المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين في حال انسحاب قوات م .ت.ف.من لبنان.
وهنا في الذكرى ال34 للمجزرة ,لا اريد استدرار العواطف, فالعواطف لم ولن تصلح لبناء رؤية ناجحة عليها ,يسترشد بها كدليل وبرنامج عمل,وكذلك لااريد أن أكتب نصا ادبيا مؤثرا يذرف القاريء دموعا عند قرائته,لكني أريد وبعجالة أن اكتب شهادات حية لمن قدّر لهم أن يبقوا على قيد الحياة من سكان المخيمين, (علما أنه كان لي شرف قيادة المخيميم في عامي 78_88)علّها تضيء للقاريء بعض الجوانب المخفيّة من تلك المجزرة المقترفة من قبل جيش طالما تغنّى بشرف العسكرية وطهارة السلاح,هذا الجيش سليل عصابات الاجرام المتدحرج,من جيل المؤسسين الاوائل جابونتسكي ,وبن غوريون,مرورا بمناحم بيغن, واسحق شامير ,وارييل شارون ،وشيمون بيرس الذي يغط في غيبوبة ، وصولا الى تسيفي ليفني(والدها كان يشغل رئيس عمليات منظمة الارغون,ووالدتها كانت مقاتلة في نفس تلك المنظمة).
فخلال ثلاث ايام بلياليها,وبصمت مطبق وبعيدا عن وسائل الاعلام المقروء,والمرئي ,والمسموع أقدم الجيش الاسرائيلي على محاصرة جميع مداخل المخمين بصورة محكمة,وترك لوحداتة الخاصة وللعصابات العميلة حرية التسلل الى المخيمين والعمل على قتل من تبقى من السكان العزّل ,لبنانيين وفلسطينيين,ولم تشفع للفلسطينيين بطاقات الهويات اللبنانية التي حصلوا عليها من جيرانهم اللبنانيين( المنحدرين اصلا من منطقة بعلبك في البقاع ومن ابناء الجنوب) اذ قتلوا وبطاقات الهويات اللبنانية في ايديهم,قبل ان يقتل من اعطاهم اياها.
افراد الوحدات الخاصة الاسرائيلية تنكروا بالزي المدني وقاموا مع العملاء بمداهمة بيوت المخيمين بيتا بيتا وقاموا بتجميع الضحايا وقيّدوا ايديهم وارجلهم بعد ان البسوهم عنوة دروعا واقية للرصاص وصلبوهم على جدران المخيم,وامطروهم بوابل من رصاص المسدسات والبنادق الآلية والرشاشات المتوسطة من مختلف الاعيرة,وبعد ذلك قاموا بتقطيع اوصالهم بواسطة سلاح ابيض حصلوا علية من مسلخ بيروت المركزي,وسيق بعض الضحايا الى مركز قيادة الجيش الاسرائيلي في المدينة الرياضية المطلة على المخيمين,وجرى اعدامهم في مسبح فارغ من المياه في مشهد هستيري,ومن ضمن من اعدم وفد ذهب ليفاوض الجيش الاسرائيلي على استسلام المدنيين في المخيمين ,وكان على رأس الوفد المفاوض مختار مجد الكروم من عائلة سلامة.
كانت عمليات المداهمة وتجميع الضحايا تتم في النهار,وفي الليل كانت مرابض هاونات الجيش الاسرائيلي في المدينة الرياضية ومطار بيروت الدولي تنير سماء المخيمين بمئات قذائف الانا رة لتسهيل عمل الوحدات الخاصة الاسرائيلية والعملاء,ولولا تمكن بعض الناجين من المجازفة بارواحهم والهرب الى بيروت الغربية,واخبار ذويهم ووسائل الاعلام ومنظمة الصليب الاحمر الدولي بما يجري داخل المخيمين,لجرى ابادة اكثر من العدد الذي ابيد,لأن جرافات الجيش الاسرائيلي كانت جاهزة لدفن الضحايا في مقابر جماعيّة.
قتل في تلك المجزرة حوالي 4000 فلسطيني,وحوالي 200 لبناني,ولا زلت اذكر ما نشرته الصحف اللبنانية على صفحاتها الاولى,أن منظمات حقوقية لبنانية استطاعت أن تحصل على وثائق تثبت مشاركة مرتزقة عرب للجيش الاسرائيلي ولعملاء الميليشيات اللبنانية في تلك المجزرة.
هؤلاء هم قادة اسرائيل لكل واحد منهم مجزرته الخاصة به و أكثر من ذلك,وكل مجازرهم وجرائمهم استمرارا لمسلسل طويل من الملاحقة والتطهير العرقي ضد شعب له الحق في العيش تحت الشمس اسوة بباقي شعوب الأرض, سلبت حقوقة وأحتلت أرضة من قبل اعتى احتلال عرف على وجه الأرض,فهل من يعتبر؟؟؟
يوسف شرقاوي