القيم المدنية رافعة السلم الأهلي (3)

بقلم: عدنان الصباح

لقد جاءت كل الأديان في الأصل بدعوة الخير وبذورها وحتى ما قبل الأديان السماوية ولا يوجد في جميع الأديان والمعتقدات على الإطلاق من عبد الشر أو صلى له بل إن جميع الأديان والمعتقدات سعت دوما في الأصل إلى محاربة الشر وقد سؤل كونفوشيوس عن الحب فأجاب " حبك للبشر هو الحب فسُئل : كيف ؟ قال كونفوشيوس : الاعتزاز بالجهد أكثر من الاعتزاز بالثمرة يمكن أن يُسمى الحب. إنه مجرد استمتاع بعمل شئ دون نظر إلى ثمرة هذا العمل التي يمكن الحصول عليها في النهاية .. هذا هو الحب .. وعمل الخير دون نظر إلى مكافئة في هذه الحياة أو في حياة أخرى مستقبلية .. ولكن لمجرد الاستمتاع بعمل الخير.. هذا هو الحب .. فالحب ثمرة نفسه، والحب يجعل الأشياء تبدو جميلة.. والحب يخلق السلام ..وفكر كونفوشيوس برهة ثم قال: "إن القلب الذي يعمر بالحب لا يُخطئ" ومع ذلك فان جماعة " أوم شنريكيو " أو جماعة الحقيقة المطلقة قامت ببث غاز السارين السام في مترو طوكيو مما أدى إلى مقتل 12 شخص وإصابة 6000 آخرين في العام 1995م ومن أقوال كريشنا المقدسة عند الهندوس " الكراهية والشهوة لهما جذور في طبيعة الإنسان السفلية يجب أن لا يقع المرء تحت تأثيرهما لأنهما عدوان لدودان لسعادته " ويقول كذلك " القيام بالأعمال الخيرة هو حكمة, وما يبلغه الحكيم يحققه أيضا فاعل الخير " ويقول كريشنا أيضا " وإذ يغمرهم الحب الكوني تتساوى نظرتهم لكل الناس والمخلوقات دون استثناء " ويصل كريشنا قمة السمو الإنساني بقوله " إن من بلغ مرتفعات الروح وامتلك السلام الباطني ينظر نظرة واحدة إلى القريب والغريب, إلى العدو والصديق, إذ ينعم بسلام الروح تصبح نظرته متساوية لمحبيه ومبغضيه, للمنصفين بحقه والمجحفين " ومع ذلك ومع إيمانهم بالمفترض بما جاء في أقوال كريشنا فهم يمارسون أبشع أنواع الإرهاب والتطرف ضد غيرهم كما يحدث مع المسلمين في الهند ومن أقوال بوذا " لا تبالغ في ذكر محاسن ما لديك ولا تحسد الآخرين على ما لديهم ... فالحسودين يفقدون راحة البال " " الكراهية لا تنتهي بالكراهية , بل بالمحبة وهذه قاعدة سرمدية " " من يحب خمسين إنسانا يكون له خمسين عهدا , ومن لا يحب احد فلا عهد له " وأيضا فان الخوف والرعب يطارد المسلمين من أتباع صاحب هذا الكلام والذي من المفترض أيضا أنهم يؤمنون به.

وحتى أصنام العرب قبل الإسلام فلم يكن بينها من كان تعبيرا عن الشر والأذى فالله عند العرب قبل الإسلام كان هو الإله الحق الواحد الأحد، فهو الخالق والرازق ومنزل المطر وكانت العرب تتقرب إليه بطلب الوساطة من الآلهة الأدنى وكان اللات هو اله الخصوبة, وقد وصف العماليق آلهتهم من الأصنام لعمرو ابن لحي حين زار الشام وسألهم عنها قائلين " هؤلاء يعينوننا إذا ظلمنا ويطعموننا إذا جعنا ويسقوننا الماء وينصروننا ويقربونا إلى الله زلفى , فتعجب عمرو ابن لحي من هذا وساغ له الأمر فقال: أعطونا واحدا منهم فنحن نحتاج من يعيننا. فنحن نحتاج إلى الماء في مكة فأعطوه صنما يقال له هبل وكان أول صنم يدخل الجزيرة العربية " ولعل حكاية اساف ونائلة في التاريخ العربي وما آلت إليه مكانتهما عند العرب لدليل على سعي الناس لتقديس الحب والخير بكل حالاتهما وفي كل العصور, وقد ذكرت كلمة حب 76 مرة في القرآن الكريم " إن الله لا يحب المعتدين " البقرة (190) " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " البقرة (222) " والله لا يحب الظالمين " آل عمران (140) " إن الله يحب المحسنين " المائدة (13) " إن الله يحب المقسطين " المائدة (42) "ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور "لقمان (18) "يا أيها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم "الحجرات (12) كما أن الأحاديث النبوية التي تتحدث عن الخير والحب لا تحصى ولعل أشهرها " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " " والذي نفسي بيده, لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا, ولا تؤمنوا حتى تحابوا " " أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأدناهم منه مجلسا إمام عادل وابغض الناس إلى الله وأبعدهم مجلسا إمام جائر " وينبغي أن ننتبه إلى أن الحديث الشريف تحدث عن الناس لا عن المسلمين فقط ولا عن المؤمنين بمعنى إن العادل من الناس كل الناس هو الأقرب إلى الله سبحانه, ومع ذلك فان الحركات التكفيرية لا تولي أدنى اهتمام لكل معاني الحب والخير للناس والأصيلة في الدين الإسلامي, وفي الديانتين المسيحية واليهودية أيضا فقد ورد في رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهالي كورنثوس " المحبة لا تسقط أبدا " وفي رسالة يوحنا الرسول الأولى " الله محبة "وفي رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية " كونوا كارهين للشر, ملتصقين بالخير " وهي نص حرفي من العهد القديم ومن الكتاب المقدس – العهدين القديم والجديد - نقتبس " البغضة تهيج خصومات والمحبة تستر كل الذنوب " " المحبة لا تصنع شرا للقريب, المحبة هي تكميل الناموس " " ماذا تريدون أبعصا آتي إليكم أم بالمحبة وروح الوداعة " " مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها " ومع ذلك نرى ما فعل الصليبيون بغيرهم بل وما فعلت الكنيسة بأهلها وما افعل اليهود بالشعب الفلسطيني ولا زالوا يفعلون ومع أن الديانات جميعا لها نفس الهدف والغاية في الأصل إلا أن الإمعان في الاحتكار طال ما هو ابعد من ذلك فتأصل الصراع بين الديانات السماوية الثلاث برفض الديانة السابقة للاحقة مع اعتراف اللاحقة بما سبق بل والإيمان به إلى أن وصلنا إلى ما هو اخطر من صراع أتباع الديانات نفسها إلى صراع أتباع المذاهب وتم تقزيم الدين ليصل إلى مستوى المذهب الذي بات هو الدين الحقيقي وبات الصراع بين المذاهب هو الأخطر وفي جميع الديانات, وبذا باتت الطائفة بديلا للدين ثم انتقل ذلك من تقديس الدين إلى تقديس الطائفة إلى تقديس رجال الدين ونحن نرى اليوم أن رجال الدين هم الأشخاص الذين لا تجوز مجادلتهم علما بأنهم بشر مثلنا ويكفي لك أن ترتدي اللباس الكهنوتي المتشابه عند رجال جميع الأديان وتطلق ذقنك ثم تتمتم ببعض الكلمات المقدسة بهذا الدين أو ذاك لتصبح لا تنطق عن الهوى لدى العامة وعادة ما يقف رجل الدين خطيبا في الناس ثم لا يجوز لأحد مقاطعته أو مجادلته أو الاعتراض على ما يقول وكأنه بات نبيا لا ينطق عن الهوى وهو ما قادنا إلى ويلات لا حصر لها.
لم تمت العشيرة بولادة الدين ولم يتمكن الإسلام حتى عصرنا من وأد المفهوم العشائري في العربي بل والشرقي عموما وظلت العقلية العشائرية مسيطرة وحتى حين يظهر التناقض بين موقف العشيرة وموقف الدين كانت العشيرة هي التي تنتصر وحتى لقب الشيخ الذي نستخدمه اليوم للتعريف برجال الدين هو في الأصل لقب عشائري وهو يطغى على تعبير الإمام الذي لا يستخدم إلا للتعبير عن قيادة الصلاة فقط.
وحتى لا نغرق في نقاشات عامة سأورد نموذجين ينكرهما الدين بالمطلق وهم الثأر وقتل النساء بحجة الشرف فالثار في الإسلام بمعنى الانتقام وتحميل تبعية القتل لكل العشيرة أو الأسرة أو العائلة هو أمر مرفوض دينيا " ولا تزروا وازرة وزر أخرى " ومع ذلك فلا احد يناقش أو يعلن أو يتحدث عن رفض الانتقام وتجريمه وعلى العكس من ذلك فالمجتمع العشائري ينبذ ويسخف مكانة من لا يأخذ بثأره ويمجد ويعظم مكانة اخذ الثار وكلما كان اخذ الثار أقسى وأصعب كلما كان تمجيد منفذه أرقى وأعظم, كما أن قتل النساء بحجة الشرف او غسل العار هو أمر لا علاقة له بالدين الذي يقرر بمنع وتحريم " قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق " والحق هنا الذي قد يجيز القتل وهو لم يفعل حدد أسس لذلك وحدد نظم ومظاهر وشواهد وشهود للزنا كما انه قرر حدود وقواعد وعقوبات تطال الزاني والزانية معا وبنفس الدرجة, قال تعالى " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله " ومع ذلك لا احد يلتفت للأمر الإلهي الواضح والشائع هو قتل المرأة حتى بدون توفر شروط الزنا التي حددها القرآن بقوله تعالى " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ". بل أن القران الكريم قرر معاقبة من يدعي على أحد بقوله تعالى " والذين يرمون المحصنات ثم لا يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون " والحقيقة ان واقع الحال مخالف كليا للأمر الإلهي الواضح فالزاني لا يقتل هذا إذا كنا قبلنا بالقتل على الشبهة وبدون الشروط التي وردت نصا في القرآن الكريم فلماذا إذن نجيز للعشيرة الخروج عن الدين علنا ونقبل بشهادة ووجود قاذفي المحصنات ولا يجلدون علنا ولماذا إذا كنا نصر على تنفيذ العقاب على أساس الشبهة لا ننفذ ذلك بالزاني الرجل والأسئلة كثيرة لكن جوابها واضح أن القبيلة والعشيرة لم تخرج من حياتنا منذ الجاهلية ونحن انتقائيين في قبولنا بأحكام الدين وشرائعه والأخطر أن المجتمع العشائري الذي يشجع فكرة غسل العار بالقتل للنساء لا يغفر أبدا حتى بعد هذا الغسل بل يبقى حافظا ورافضا للحدث وأهله فلا الفتاة أو المرأة تسلم ولا أهلها حتى بعد قتلها فالعار هذا لا يغسل أبدا ومع ذلك تجري ممارسته علنا فتخسر العائلة الصغيرة كل شيء حتى بعد أن تنفذ حكم العشيرة بقتل المرأة فتصبح الأسرة بكاملها منبوذة ومرفوضة ولا يتم الاقتراب منها أو مصاهرتها أو مشاركتها أو التضامن معها في مصابها وهنا أيضا يظهر مدى الاستفحال في قبول رأي العشيرة دون تمحيص أو تفكير مع كل التناقض الكامن فيه فإذا كنتم تطلبون القتل كعقاب فلم إذن لا تقبلون به كحل ولماذا يستمر التجريم لكل من اقترب من صاحب الفعل بصلة النسب رغم رفضهم للفعل بل وتنفيذ عقاب العشيرة بصاحبه ولماذا يواصل الزاني حياته كأن شيئا لم يكن ولا يخضع لأي عقوبة مع أن القرآن الكريم يساوي بينهما في العقوبة والإجابة قطعا أن العشيرة وأحكامها وقانونها هنا لا تقبل علنا بالأحكام الدينية حتى الواضح منها بلا لبس حين يساوي بين الزاني والزانية مثلا.
حالة تناقض عجيبة ومستفحلة تعيشها الذهنية العشائرية في الوطن العربي بأكمله فالشعر الجاهلي الذي تنتمي إليه هذه الذهنية مثلا يمجد الحب ويتغنى به وماثلا في أذهاننا بكل الاحترام والتبجيل قيس وليلى وعنترة وعبلة وحتى كل أشعار المجون ومع ذلك فحين يتحول هذا الحب الممجد بالشعر والأغنية إلى حقيقة ملموسة وحية يتحول إلى جريمة تستحق العقاب والمعروف مسبقا وهو الموت بدون تردد أو رحمة وحتى بدون التأكد من صحة الحدث حتى لو سلمنا بأنه جريمة تستحق العقاب والجرم هنا موحد فالكلمة والاتصال اللفظي هو نفسه التلامس والفعل الجنسي الكامل فلا فرق بينها فهي جريمة واحدة وعقابها واحد في حين تصمت هذه الذهنية عن جريمة القتل من اجل المال او لخلاف سخيف وتصمت عن جريمة أكل مال اليتيم والسرقة والنهب والفساد بل وتعتبره أحيانا عملا فهوليا تمجده وتسرد حوله الحكايات الجاذبة والممجدة دون إدانة او تجريم حتى لو ظهرت هذه الإدانة فهي تتحدث عن شخص ذكي وفهلوي وناجح في انجاز جريمته والفوز بها والقاتل والفاسد واللص غير منبوذ في مجتمع مجد ما بين فخذي المرأة أكثر من الوطن " الأرض ولا العرض " فهو إذن بكل اختصار مجتمع حيواني شهواني لا يمت للحضارة بصلة لا من قريب ولا من بعيد فهو يختصر كل الشرف بفتحة بول المرأة.
المجتمع العشائري يتعامل مع الدين بشكل انتقائي وبكل صلافة فيقبل ما يناسبه ويرفض ما لا يناسبه كقضية الثأر وقتل النساء كما أسلفت وفي السياسة بشكل أسوأ وأكثر إيغالا في الابتعاد عن أحكام الدين وفلسفته فحين يدور الحديث عن الظلم والجبروت بذكر فرعون مثلا الظالم لموسى والذي يحاول تشويه صورته تمهيدا لقتله بقوله تعالى واصفا موقف فرعون " إني أخاف أن يبدل دينكم وأن يظهر في الأرض الفساد " ورفض القرآن الكريم أسلوب فرعون في التسلط والإلغاء الفكري للآخر أيا كان عداه حين يقول تعالى " قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " وهنا يسعى فرعون للإلوهية ويصف القران الكريم ذلك بقوله تعالى " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " فالإسلام ناكر مطلق للتسلط والهيمنة والديكتاتورية كيف لا والله يخاطب رسوله نفسه قبل غيره قائلا " فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر " ومع ذلك يتجاهل كل موظفي السلطان اليوم كل ذلك ولا يعتبرون ذلك قاصدا سلاطينهم وهم يذهبون للبحث عن اسم فرعون المقصود في القرآن وينفون عنه وعن أحكامه الإطلاق ولا يقدسون النص بل يجعلون له تفسيرات من بناة أفكارهم مدافعين عن تسلط وجبروت سلاطينهم الذين يدفعون لهم الأجر او شيوخ عشائرهم القادرين على قبولهم او نبذهم إن خالفوا إرادة العشيرة وشيخها.
الدين إذن مغيب وقد استقدم العرب معهم عقليتهم العشائرية ولم يتنازلوا عنها إلا باللغة لا أكثر بينما ظل سلوكهم وأفعالهم القائم على العقلية العشائرية ناظما لكل حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والدينية والسياسية بكل التلاوين والأنماط والأشكال وعبر التاريخ نقل العرب عشيرتهم إلى الدين للسيطرة عليه ومنذ انتهاء الخلافة الراشدية أو بالأحرى منذ انتهاء خلافة عمر بن الخطاب دبت الخلافات القبلية والعشائرية في النظام الإسلامي برمته حتى تمكن بنو أمية من امتلاك السلطة كقبيلة باتت خلافة المسلمين حقا وراثيا لهم دون أن يعترض احد, ولا زلنا ليومنا هذا نمجد ذلك رغم تعارضه المطلق مع الدين ورغم ما ورد من أفعال معادية للدين حتى من خلفاء بنو أمية أنفسهم وبعد أن انتقلت الخلافة إلى بنو عباس انتقل الولاء إليهم بلا خجل ومنذ أن انهارت الدولة العباسية انهار الولاء للدين وأصبح الولاء القبلي علني وتم توحيد الدين بالقبيلة وللأسف لصالح القبيلة.
أصبح حكم القبيلة هو العنوان العام والمصلحة الفردية هي الأساس والسيطرة على الحكم هدفها وصار الديني خادم للسياسي او للعشائري فقد قتل من خلفاء الأمويين كل من الوليد الثاني بن يزيد الثاني وإبراهيم بن الوليد الأول ومروان الثاني بن محمد الذي لقب ب " مروان الحمار " وفي عهد الخلافة العباسية قتل المأمون أخيه الأمين وقتل المتوكل بالله على يد ابنه وفي الخلافة العباسية الثانية 847-1248م قتل تسعة خلفاء من أصل 29 خليفة وخلع 5خلفاء ثم جاءت خلافة الادارسة في المغرب والطولونيون في مصر وسوريا والحمدانيون في الجزيرة وسوريا والفاطميون في شمال إفريقيا والإخشيديون والمزيديون والعقيليون والمرادسيون والمرابطون وهم قبيلة " صنهاجية " لان اسمهم يظهر كان لا علاقة لهم بالقبائلية والموحدون والأيوبيون والمرينيون والوطاسيون والحفصيون والمماليك البحيرية ذات النظام الوراثي في الحكم والبرجية التي وضعت نظاما غير وراثي لاختيار السلطان, إلى أن وصلنا إلى خلافة آل عثمان ومع ذلك ظلت فكرة الخلافة هي الناظم لكل العشائر المسيطرة أو الحلم الذي يتمنونه كون هذا الحكم سيستند إلى المبرر الديني – حسب التفسير العشائري للدين - الذي لا تجوز مقاومته وهي موجودة وان بشكل خفي في أذهان البعض حتى اليوم بما في ذلك حركات دينية لا زالت حتى يومنا تدافع حتى عن عودة الخلافة العثمانية ولو باسمها التركي وكل ما تقدم كان الهدف منه تأكيد أن الدين خضع للقبيلة التي استخدمت الحق الإلهي أو الديني مبررا لسلطتها وهي لم تأخذ من الدين إلا لقب الخلافة الذي لم يرد له ذكر في نص قرآني إلا مرتين لا علاقة لهما بالتوريث أو بالآليات التي اعتمدت بعد الخلفاء الراشدين مطلقا.
حتى عام 2013 كان عدد المدارس في فلسطين 2753 مدرسة وروضة أطفال وحضانة مابين عام وخاص ووكالة بينما كان هناك 2815 مسجد تابعة لوزارة الأوقاف وفي كلا الحالتين أي في المدرسة والمسجد لا توجد رؤيا موحدة لما نرغب بان نكون عليه فالإمام الذي يعطيه الدين الحق بالتكلم دون مقاطعة يقول ما يريد وكيفما يريد وأحيانا دون مراجعة أو مناقشة أو مساءلة اللهم إلا إذا حاد عن رغبة صاحب السلطان السياسية وفيما عدا ذلك فالأمر مقبول وبالتالي يخضع المتلقي لإرادة وعقلية الملقن أي الشيخ وقد تمتد خطبة الجمعة لساعة مثلا عليك خلالها أن تنصت وان لا تناقش ولذلك تأثير كبير على العامة ولا يجوز النقاش ولا المقاطعة ولا الاستفسار حتى إلا بعد الانتهاء إن كان ذلك ممكنا ومقبولا من الإمام نفسه فيكفي أن يسخف إمام مسجد ما من رأي أو سؤال البعض حتى يصبح مرفوضا وعادة ما يقبل الناس رأي الإمام ولو كان ضعيفا وفي موضوع لا علم له به بينما ترفض العامة رأي العالم بشيء ما دام ليس رجل دين فلرجال الدين إذن سطوة عجيبة لرأيهم قوة ما بعدها قوة ولا يستطيع احد قهرها خصوصا وان العشيرة عادة ما تقبل بها إذا أدركنا أن في العادة يكون إمام المسجد هو شيخ البلد أو الحارة أو العائلة التي يسكن أبنائها حول المسجد بالتالي فهو إمام عشيرته أو جهته وهنا يتوحد رجل الدين مع رجل العشيرة إما كواحد بمعنى الكلمة أو كوحدة موقف ومصلحة فيحمي الواحد منهم الآخر وإلا ما معنى أن يقوم إمام المسجد في معظم البلدان الإسلامية بالدعاء للزعيم السياسي من على منبر الجمعة دون مبرر ويعطي له صكوك غفران عن الإيمان والاستقامة دون مبرر إلا مبرر المصلحة والوظيفة منذ أصبحت الإمامة وظيفة رغم أن الجميع يعرف أن لا وظيفة للإمامة في الإسلام.
باختصار شديد فان قيم مثل الشرف والعدل والحق في الإسلام مغيبة بالمطلق لصالح ما تراه العشيرة وبدون أدنى إحساس بالتناقض او الخروج عن الدين فقد تقف بلد بأسرها ضد رجل شرب الخمر مرة او امرأة شوهدت في مكان ما صدفة مع رجل ولا ينبس احد ببنت شفة عن من يقذف المحصنات الغافلات او عن الكاذب او عن الحاكم الظالم او عن الزاني فأي انتهاك إجرامي للدين لصالح العشيرة علنا وبلا وجل او خجل او خوف من مخالفة تعاليم السماء فتعاليم العشيرة إذن هي الأكثر قدرة على القبول والثبات والناس إذن يخافون حقا من عقاب العشيرة العاجل لا من عقاب الله سبحانه الآجل, وحين يصبح من مصلحتهم استخدام القران للدفاع عن انتهاكاتهم له يستخدمون ما يون منه مجزوءا كان يستخدموا الآية الكريمة " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " للدفاع عن فكرة الثأر وسلوكه علما بان الآية بعيدة كل البعد عن فكرة الثار الفردي أو الشخصي وحين يطالبونك بإطاعة الحاكم يستقدمون وبلا خجل النص القرآني " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " والبعض يستخدمها للدعوة لطاعة الحاكم والبعض يستخدمها للدعوة لطاعة العالم الديني وقطعا لنصل بالنتيجة إلى طاعة الحاكم الذي يستخدم العالم الديني كموظف لديه "

بقلم
عدنان الصباح