صبرا وشاتيلا هي اكبر من الصمت

بقلم: عباس الجمعة

مجرزة صبرا وشاتيلا هي أكبر من الصمت، هي ذاكرة شعب بكامله، لهذا اراد العدو الصهيوني منها اجتثاث الجسد، المخيم، البؤرة الثورية، التي كانت تتنفس منها روح المقاومة، خصوصاً في ظل ما كانت تمثله بيروت في تلك المرحلة من مكان لحركة التحرر الوطني العربية في مواجهة الامبريالية والصهيونية، ومن صمودها في مواجهة الاجتياح الصهيوني عام 1982، كما أراد العدو ضرب المخيم بما يمثل من هوية وطنية تتمثل في حق العودة، فكان اجتياح بيروت العربية عاصمة الصمود ودخول مخيمي صبرا وشاتيلا من قبل العدو الصهيوني وعملائه المعروفين وسمح بتنفيذ المجزرة بعد خروج المقاومة من بيروت وبضمانات دولية لحماية المدنيين، فكان الرد على المجزرة انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، ورصاصاتها الأولى جعلت العدو يصرخ، فهي مقاومة معبأة بوعي هول المجزرة وبوعي وطني حقيقي ، وكانت العملية الاولى في ليل 20-21 أيلول 1982 قرب صيدلية بسترس في محلة الصنائع، نفذها ثلاثة مناضلين شيوعيين وأسفرت عن سقوط ثمانية جنود للاحتلال بين قتيل وجريح ، كما كانت رصاصات عملية "الويمبي الشهيرة " في شارع الحمراء في بيروت التي نفذها المقاوم خالد علوان احد ابطال الحزب السوري القومي الاجتماعي وادت الى مقتل اربعة ضباط صهاينة وجرح العديد من جنود الاحتلال، فكانت الشرارة الأولى التي حررت لبنان من رجس الاحتلال الصهيوني.

نعم مجزرة صبرا وشاتيلا اودت بحياة آلاف من ابناء شعبنا الفلسطيني واشقائهم من اللبنانيين القاطنين في المخيم، في السادس عشر من ايلول عام 1982 بعد خروج قوات الثورة الفلسطينية اثر حصار بيروت في حزيران 1982، وان هذه المجزرة المروعة التي نفذت بإشراف وزير الحرب شارون آنذاك على يد جيشه وعملائه بحق الاطفال والنساء والسكان العزل، تكشف عن حقيقة وقيمة الوعود والضمانات التي قطعها مبعوث الادارة الامريكية بحماية سكان المخيمات بعد انسحاب القوات الفلسطينية في الاول من ايلول سبتمبر عام 1982، ودور المجتمع الدولي في حماية مجرمي الحرب ومدمني ارهاب الدولة من العقاب على ما اقترفوه من مذابح بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية منذ مجزرة قبية ودير ياسين وبحر البقر وقانا وجنين وحتى يومنا هذا، وهو الامر الذي يبرهن بأن وحدة الشعب الفلسطيني ومقاومته وصموده الوطني هو السبيل الوحيد لصيانة ارواح ابنائه ونيل حقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف.

ان مجزرة صبرا وشاتيلا ليست كغيرها، انها ذكرى تضرب في أعماقنا كل سنة, بل كل شهر وكل يوم وكل لحظة، انها ذكرى لا تغيب عن أنظارنا، انها مجزرة العصر، انها أبكت الشجر والحجر, لكنها عجزت أن تبكي الكثير من البشر فهم ليسوا بشرا.

صبرا وشاتيلا ليست مجرد مكان، ولا مجرد مجزرة على لائحة المجازر الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، او الشعب اللبناني، او أي شعب عربي مقاوم، صبرا وشاتيلا كتلة بشرية كان من حقهم أن يستمروا في حياتهم، حتى لو كانت حياة فقر وتشرد، وما كان من حق احد ان يسلبهم حياتهم، او أمنهم، او كرامتهم، او لقمة عيشهم، في اية صورة من الصور، فما بالنا حين تكون تلك الصور على أشد ما يكون عليه العدوان همجية.

صبرا وشاتيلا، حكاية شعب كل ما اراده هو الحياة وكل ما حصل عليه هو الموت, ولكنه وبالرغم من كل ما مر به ما زال واقفا بعنفوان يتحدى وينتصر، بعدما غابت الحقيقة خلف الأفق كالشمس ولكن بلا عودة ، وبعدما كان كل مخيم وكل ساحة ملعب لتركيع وسفك دماء الشعب الفلسطيني أصبح من العار التخفي في تقاليد الجبن والرجعية، فها هي المجزرة تدخل عامها الثالث والثلاثون بلا إسم، بلا عنوان، بلا قضية،كما حصل في مجزرة نادي الحولة في مخيم البرج الشمالي محت أمواج الصمت الألوان ومات صدى الدماء في جوف الأرض.

مجزرة صبرا وشاتيلا هي واحدة من أبشع المجازر ، وهي واحدة من صور الإجرام التي لم ولن تنسى ولم يستطع غبار الزمن إخفاءها، كما لم يستطع التاريخ طمس معالمها، فهي باقية لم تغيب وحية لن تمت على الإطلاق، رغم محاولات قتل ذكراها، فهي ماثلة أمامنا، محفورة في أذهاننا و عقولنا، رغم محاولات مسح آثارها، شاهدة على أبشع صور الإجرام والقتل والعنجهية.

في الذكرى السنوية لمجزرة صبرا وشاتيلا نقول إن مرتكبي المجزرة معروفين للقاصي والداني، وعلى جميع المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والعربية والدولية تحريك الدعاوى ضد مرتكبي مجزرة صبرا وشاتيلا وتقديمهم للعدالة، لأن جريمتهم لا تسقط بالتقادم، فهي جريمة حرب بامتياز.

ان الحركة الصهيونية ما زالت تنتج كل عام، بل كل شهر ويوم ، كتبا جديدة، وأفلاما جديدة، وروايات جديدة، عن"الهولوكوست"، هذا بالإضافة الى تشييد المتاحف، وإقامة أجنحة خاصة بأرشيف الهولوكوست في الجامعات الكبرى، وكل هذا، والصهيونية ما زالت تعتبر نفسها في موقع الضحية، متجاهلة أحيانا، ومتباهية في أحيان أخرى، بأنها أصبحت هي الجلاد, ومن مهازل العصر ادعاء هذا الجلاد بأنه لا يفعل شيئاً سوى الدفاع عن نفسه، انهم لا ينسون، فلماذا ننسى، انهم يفعلون، فلماذا لا نفعل، انهم حولوا أنفسهم من جلادين الى ضحية، فلماذا نصمت، ومتى ندافع عن ضحايانا, متى ندافع عن وجودنا, ومتى ندافع عن مستقبلنا.

لهذا لا بد من التأكيد رغم هذه المجزرة التي استخدمت فيها كل الأساليب الوحشية الحاقدة ، بقيت مآثر الصمود الفلسطيني اللبناني والوحدة الوطنية ، وتفجر الطاقات الشعبية الجبارة في وجه أعداء السلام ، هذا هو السلاح الوحيد الذي اجبر الاحتلال وعملاثه على الاندحار عن ارض لبنان من خلال جبهة المقاومة الوطنية والاسلامية اللبنانية، وها هو السلاح الذي لم يجرب على نطاق العالم العربي ضد نظم استحدثتها الامبريالية الامريكية والقوى الاستعمارية حتى تكون حليفتها الاستراتيجية التي تؤمن لها سيطرتها على مقدرات الامة وثرواتها ، حيث تقف قوى المقاومة وشعوبها بالتصدي للهجمة الامبريالية الصهيونية الارهابية التكفيرية ، حيث لا يمكن ان تنحني قامات الشعوب ومقاومتها وهامتها امام الهجمة وستبقى الى جانب فلسطين القضية والشعب والارض بمواجهة المتغطرسين المجرمين والقوى الرجعية المتساوقة معهم هؤلاء المجرمون متعددون الوجوه ورغم ذلك لابد للحق أن ينتصر، وان التاريخ لم ولن يرحم القتلة وسيأتي اليوم ليتم تقديمهم الي العدالة وشعب فلسطين سينتصر مهما طال الزمن ولا يمكن ان يسقط الحق الفلسطيني في التقادم او انتزاع حق العودة الي فلسطين من أي احد فهذا حق كفله القانون الدولي ، فهو حق مقدس غير قابل للتصرف

ختاما: لا بد من ان نحيي المتضامنين الدوليين من وفد " كي لا ننسى" الذي اكد على الاستمرار في الوقوف الى جانب قضية فلسطين في جميع البرلمانات الدولية والمؤسسات الدولية الى ان يعاقب مجرمي هذه المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، رغم خسارة المناضل الاممي ماوريتسيو موسولينو، الذي كان الصديق الحقيقي للشعب الفلسطيني، حيث عمل بصدقه العميق، ووعيه الأممي، والتزامه اليساري لنصرة القضية الفلسطينية وكفاح شعبها العادل من أجل الحرية والاستقلال والعودة، وقد عرفته أزقة مخيمات شعبنا في لبنان، اثناء زيارته للنصب التذكاري لشهداء مجزرة صبرا وشاتيلا ، باعتباره منسق جمعية "كي لا ننسى صبرا وشاتيلا" ، حيث تبقى كلماته تنطق بصوت الضحية ، ونقول ان مجزرة صبرا وشاتيلا ستبقى في الذاكرة الفلسطينية والعربية وستبقى برسم المحاكم الدولية ، وان التاريخ الفلسطيني لن ينسى ابدا دموية تلك المجازر مهما طال الزمن أو قصر فسوف يأتي اليوم الذي يعود الحق لأصحابه ، وان الشعب الفلسطيني سيكون قادراً على الصمود وإفشال المخططات الإمبريالية والصهيونية التي تستهدف حقوقه الوطنية مهما كانت التضحيات.

بقلم/ عباس الجمعة