عقوبة الإعدام قتل شخص بإجراء قضائي

بقلم: حنا عيسى

"الحق بالحياة والسلامة الشخصية، حماية الإنسان وحياته، وسلامته الجسدية والصحية والنفسية والعقلية، وعدم التعرض له بأي شكل مخالف للقانون، وهو من الحقوق الطبيعية الملازمة للإنسان، ولا يجوز المساس بها حتى في الظروف الاستثنائية"

عقوبة الإعدام: عقوبة الموت أو تنفيذ حكم الإعدام هو قتل شخص بإجراء قضائي من أجل العقاب أو الردع العام والمنع. وتعرف الجرائم التي تؤدي إلى هذه العقوبة بجرائم الإعدام أو جنايات الإعدام. وقد طبقت عقوبة الإعدام في كل المجتمعات تقريبًا، ما عدا المجتمعات التي لديها قوانين مستمدة من الدين الرسمي للدولة تمنع هذه العقوبة.

الإعدام عقوبة تنفذها الدولة للمجرمين كعقوبة لهم على شيء يعتبر جريمة ارتكبوها. منذ زمن والإعدام كان يمارس في كل المجتمعات تقريبا كي يعاقب المجرمين والمعارضين السياسيين أو التنكيل والانتقام والتخلص من المناوئين . من أشهر الجرائم اللي تعاقب في وقتنا هذا بالإعدام هي القتل ( مع سبق الإصرار) و الجاسوسية والخيانة العظمى .

* طرق الإعدام:

* قطع الرقبة بالسيف (السعودية)

* الشنق (مصر والعراق وسوريا)

* الكرسي الكهربائي (أمريكا)

* الغاز (أمريكا)

* الحقنة المميتة (أمريكا)

* الرجم (إيران و السعودية)

* الضرب بالنار(الصين)

* عقوبة الإعدام في الإسلام:

الإسلام دائماً يسعى لدرء جميع أنواع العقوبات التي هي أدنى بكثير من عقوبة القتل ما استطاع، وذلك من خلال الشروط المشددة التي تمنع أي عقوبة مهما دنت، تحقيقاً للعدالة الإلهية النسبية في الدنيا والمطلقة في الآخرة، ولأنها نسبية في الدنيا فإن الله سبحانه وتعالى قد أكد على درء الحدود

بالشبهات، وهذا ما قال به الرسول عليه الصلاة والسلام (ادرؤوا الحدود بالشبهات)، والشبهة تعني أن أي جناية ينزل مستوى التأكد منها عن المائة بالمائة إذا جاز التعبير، فيجب أن يسعى لدرئها.

* وعقوبة الإعدام (القتل) تثبت في حق الشخص إذا انطبقت عليه الأوصاف التالية:

1. المرتد، وهو من كفر بعد إسلامه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : "من بدل دينه فاقتلوه".

2. الزاني المحصن: وعقوبته الرجم بالحجارة حتى الموت . والمحصن : هو من تزوج ووطئ زوجته في قبلها في نكاح صحيح ، وهما حران عاقلان بالغان ، فإذا زنى المُحصن أو زنت المُحصنة فإنهما يُرجمان حتى الموت ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" .

3. القاتل عمدا: يقتل قصاصا إلا إن عفي عنه أولياء المقتول أو رضوا بالدية ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فأتباع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) البقرة / 178 وقوله : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة / 179 ..ولقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" رواه البخاري (6484) ومسلم (1676).

4. قاطع الطريق: وهو المحارب ؛ لقوله تعالى : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة 33

5. الجاسوس: وهو من يتجسس على المسلمين وينقل أخبارهم إلى أعدائهم .

* عقوبة الإعدام في فلسطين:

فلسطين كغيرها من الدول العربية الإسلامية تنص على تطبيق عقوبة الإعدام في تشريعاتها. فمنذ قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994 وأحكام الإعدام تصدر ويتم المصادقة على القليل منها من قبل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بموجب نص في القانون الأساسي يمنحه صلاحية على أحكام الإعدام قبل المباشرة في تنفيذها غير أنه في بعض الأحيان يتم تخفيض العقوبة إلى السجن المؤبد وفي أحيان أخرى يتم إصدار عفو عام من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. وأثناء فترة الاحتلال الإسرائيلي (أي قبل قدوم السلطة) لم يكن هناك تطبيق لعقوبة الإعدام، ومع قدوم

السلطة كان الاعتقاد السائد بأنه لن يتم تطبيق عقوبة الإعدام لأن السلطة الوطنية أعلنت عند قدومها أنها سوف تحترم معايير حقوق الإنسان الدولية التي تنص على قيود خاصة على تنفيذ عقوبة الإعدام.

ولقد كفلت العهود والمواثيق الدولية والإقليمية وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حق الحياة ، في حين لم يتطرق القانون الأساسي الفلسطيني للحق في الحياة بصورة مباشرة، بل كان ذلك بشكل ضمني وبالتالي أصبحت عقوبة الإعدام تهدد حق الحياة المقدس للأفراد، وهذه العقوبة يقررها المجتمع ممثلا بالمشرع، فيوقعها على من يرتكب جريمة خطيرة منصوص عليها في قانون الجزاء بمقتضى حكم يصدره القضاء، إذا يعد الحكم بهذه العقوبة من أشد العقوبات الرادعة ضد مرتكبي أخطر الجرائم في المجتمع كالخيانة والتجسس والقتل العمد، وهي عقوبة أوجدتها المقومات الموضوعية والذاتية لمختلف المجتمعات، والنظم السياسية المتعاقبة عبر التاريخ، ودونتها بقوانينها ودساتيرها المكتوبة وغير المكتوبة، التي اعتبرت أن الحق في الحياة، يبقى نسبيا وغير مطلق أمام حالة الحكم بالإعدام. ومنذ إحداثها، كانت وما زالت تنفذ بأمر من الحاكم. إذ بدأت القوانين السماوية والوضعية تطبق هذه العقوبة في حق الجناة.

* خصائص عقوبة الإعدام:

لعقوبة الإعدام كغيرها من العقوبات العديد من الخصائص التي تتمتع بها :

1. شرعية العقوبة: تخضع عقوبة الإعدام لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.

2. شخصية العقوبة: فلا توقع العقوبة إلا على من يثبت ارتكابه للجريمة فاعلا كان أو شريكا، ولا يجوز أن تمتد لغيره.

3. تناسب العقوبة مع الجريمة: وهي نتيجة منطقية لوظيفة العقوبة كجزاء رادع للجاني وغيره، فيجب أن تكون العقوبة متناسبة مع الجريمة، وتؤدي إلى الردع العام والخاص.

4. العقوبة لا توقع إلا بحكم قضائي: فالسلطة القضائية وحدها المختصة بتوقيع العقوبة، وهذا ضمانية أكيدة للحريات الفردية وتحقيق العدالة .

* موقف القانون الدولي لحقوق الإنسان من عقوبة الإعدام:

يعتبر الحق في الحياة من الحقوق الأساسية للإنسان، فعليه تبنى باقي الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية وغيرها، ومن الحقوق الهامة كذلك، الحق في السلامة الجسدية وحفظ الكيان الجسدي للإنسان، وبالمقابل تعتبر عقوبة الإعدام من أقسى العقوبات المفروضة على الإنسان، ولذلك

تركزت الجهود الدولية والإقليمية المبذولة من أجل الحد من عقوبة الإعدام، وتمثلت المواثيق والإعلانات الدولية التي تناهض هذه العقوبة فيما يلي:

* أولا: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: وهو الإعلان الذي أصدرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 10 ديسمبر 1948 وأكدت المادة 3 منه على حق كل إنسان في الحياة، والحرية والأمان على شخصه. ويتفق الحقوقيين على أن هذا الإعلان يمثل الخطوات الأساسية الأولى للدفاع عن حياة الإنسان وأهمها الحد من عقوبة الإعدام .

* ثانيا: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: أكد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على حق الحياة ولكنه لم ينص على إلغاء عقوبة الإعدام وإنما وضع ضوابط وضمانات للأشخاص الذين قد يواجهون هذه العقوبة واتضح ذلك في العديد من مواده فجاءت المادة 6 منه لتؤكد على هذا الحق بشكل مفصل ، فأكدت على أن حق الحياة حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا. وأيضا لا يجوز في البلدان التي لم تلغي عقوبة الإعدام، أن تحكم بهذه العقوبة إلا على أشد الجرائم خطورة وفقا للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة، وغير مخالف لأحكام هذا العهد ولاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة. كما أكد على أنه حين يكون الحرمان من الحياة جريمة من جرائم الإبادة الجماعية يكون من المفهوم بداهة أنه ليس في هذه المادة أي نص يجيز لأية دولة طرف في هذا العهد أن تعفي نفسها على أية صورة من أي التزام يكون مترتبا عليها بمقتضى أحكام اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ولقد منح هذا العهد لأي شخص حكم عليه بالإعدام حق التماس العفو الخاص، أو إبدال العقوبة، ويجوز منح العفو العام أو الخاص أو إبدال عقوبة الإعدام في جميع الحالات. كما لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام على جرائم ارتكبها أشخاص دون الثامنة عشرة من العمر، ولا تنفذ هذه العقوبة بالحوامل. وأخير نص البند السادس على أنه ليس في هذه المادة أي حكم يجوز التذرع به لتأخير أو منع إلغاء الإعدام من قبل أية دولة طرف في هذا العهد.

* ثالثا: مبادئ المنع والتقصي الفعالين لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون، الإعدام التعسفي، والإعدام دون محاكمة: قدمت هذه المبادئ مجموعة من المبادئ الوقائية والقانونية الملزمة للدول التي ما زالت تحتفظ بعقوبة الإعدام بمهام المنع لعمليات الإعدام خارج نطاق القانون أو الإعدام التعسفي الذي قد يحدث أثناء التحقيق أو الاحتجاز في السجون، كما وتعتبر هذه المبادئ القتل المقترف لأسباب سياسية، ويكون للسلطة مصلحة فيه ضمن الإعدام التعسفي، كما تلزم هذه المبادئ الدول بمنع الإعدام دون محاكمة، وتطلب من هذه الدول أن تعتبر كل ذلك جرائم يعاقب عليها قانونها المحلي، وأكدت كذلك على ضرورة التقصي الدقيق في التحري والإجراءات للقضايا التي قد تصل عقوبتها إلى الإعدام .

* رابعا: البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بشأن إلغاء عقوبة الإعدام: مثل هذا البروتوكول توجها دوليا خاصة في الدول التي تعتبر أكثر التزاما بالحرية والديمقراطية، وذلك بالرغم من كونه اختياريا في التصديق عليه . وقد وضح هذا البروتوكول في ديباجته بأن الدول الأطراف فيه تؤمن بأن إلغاء عقوبة الإعدام تسهم في تعزيز الكرامة الإنسانية والتطوير التدريجي لحقوق الإنسان، وأن المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تشير إلى إلغاء عقوبة الإعدام وذلك من أجل تحقيق التقدم في التمتع بالحق في الحياة.

* خامسا: البروتوكول رقم 6 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان بشأن إلغاء عقوبة الإعدام: يشمل هذا البروتوكول 9 مواد تلغي عقوبة الإعدام مع جواز استخدامها فيما يتعلق بالأعمال التي ترتكب وقت الحرب، أو للتهديد الوشيك بالحرب مع توضيح عدم جواز انسحاب الدول من البروتوكول بعد المصادقة عليه، وعدم جواز استخدامها البروتوكول في أقاليم محددة من الدولة ..

* سادسا: البروتوكول الخاص بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام: يحتوي هذا البروتوكول على مقدمة و4 مواد تؤكد على التزام الدول المصادقة عليه على عدم تطبيق هذه العقوبة في أراضيها أو على من يخضع لولايتها، مع إمكانية تطبيق هذه العقوبة في الجرائم العسكرية الخطيرة.

* سابعا: الميثاق العربي لحقوق الإنسان: لقد تحدثت المادة 5 من الميثاق عن حماية حق الحياة بشكل عام، أما المادة 6 منه فقد جاء فيها بأنه لا يجوز الحكم بالإعدام إلا في الجنايات بالغة الخطورة وفقا للتشريعات النافذة وقت ارتكاب الجريمة وبمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة، ويكون للمحكوم عليه الحق في طلب العفو أو استبدال العقوبة بعقوبة أخف، أما المادة 7 منه فقد تحدثت عن عدم جواز الحكم بالإعدام على الأشخاص دون سن الثامنة عشرة ما لم تنص التشريعات السارية وقت ارتكاب الجريمة علا خلاف ذلك، كذلك لا يجوز تنفيذ حكم الإعدام على المرأة الحامل حتى تضع حملها، وعلى المرضعة حتى ينقضي عامان على تاريخ الولادة. وفي هذا الميثاق يتبين لنا بأنه ترك الباب مفتوحا للدول لتقدير الجنايات الخطيرة، وأعطى الأولوية لقوانين الدول المحلية على بنود الميثاق.

بقلم/ د. حنا عيسى