ملخص :
يحتل البحث العلمي في الوقت الراهن مكانة بارزة في بناء وتقدم الفكر النهضوي بكافة جوانبه ، حيث تعتبر مؤسسات البحث العلمي التي ترعاها الدولة والجامعات المراكز الرئيسية لهذا النشاط الحيوي، بما لها من وظيفة أساسية في تشجيع البحث العلمي وتنشيطه وإثارة الحوافز العلمية لدى المهتمين، حتى يتمكن من القيام بهذه المهمة النبيلة على أكمل وجه.
إن الدول المتطورة والصناعية لم تصل إلى ما وصلت إليه ، إلا بفضل تشجيعها وسهرها الدائب على تطوير البحث العلمي في كافة مجالاته ، ولعل الدول النامية ومنها فلسطين أحوج ما تكون إلى تطوير هذا المجال وتنميته.
وإذا كانت هذه هي مكانة البحث العلمي في تقدم العلم والمعرفة ، فإن مجاله يختلف من علم لآخر ، وهذا ما أوجد تباينا إذ لكل علم خصوصية ما.
مقدمة :
يعتبر البحث العلمي من ضرورات هذا العصر ، فهو المحرك لكل تقدم في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ، ومن المسلم به أن كل دولة من دول العالم المختلفة تسعى إلى إحداث قفزة نوعية نحو بلوغ التطور العلمي والمعرفي بجميع أبعاده ، والذي يلزم لتحقيقه توافر مجموعة من العوامل وتضافرها لا سيما رؤوس الأموال والتكنولوجيا الحديثة ، إذ يأتي في مقدمة أولويات كل دولة إمكانية تطوير البحث العلمي وجعله يواكب تطلعات واهتمامات الدولة ..
وحقيقة لا أحد ينكر أن هناك اختلاف في البحث العلمي في العلوم التجريبية عنه في العلوم الإنسانية والاجتماعية، مما انجر عنه صعوبات وعراقيل تواجه الباحث العلمي في مجال العلوم السياسية والإنسانية والاجتماعية.
دور البحث العلمي الجاد في تحقيق الاستقرار
لم يعد الاستقرار في منطقتنا العربية بشكل عام وفلسطين بشكل خاص هَمًّا محليا فقط. إنه هم كل المهتمين بالمنطقة، كل حسب مصلحته من هذا الاستقرار. فالأمريكيان يصرفون الملايين في منطقتنا لاستغالها لكسب الملايير.
ولذلك تراهم قبل أن يطئوا أي أرض للاستثمار فيها يقلبون صفحاتها من كل الجوانب. ليعرفوا أين يضعون أقدامهم.
. ولكن الذي يهمنا نحن منها هو أن الأمريكيين الذين لا يفوتون فرصة للتخويف بالإرهاب ويخلقون مسميات يحركونها حسب مصالحهم ليتسنى لهم التغلغل في عمق المنطقة العربية واستغلال مقدراتها ..
هم يعرفون جيدا أن كل الاشاعات التي روجوا لها في العالم العربي ليس إلا افتراء. و يلوحون بتلك الفزاعة للتمكين لأنظمة مستبدة تخدم مصالحهم أكثر مما تخدم مصالح دولها.
فتراهم حينا يتشدقوا بالديموقراطية وحقوق الانسان ، واذا فازت جماعة في دولة عربية لا تسجم مع توجهاتهم يتهموها بالتزوير والارهاب . بينما يصفقون لانتخابات يعلمون أكثر من غيرهم أنها مزورة وغير ذات مصداقية ويهنئون الفائز فيها لأنه ولي حميم.
ويصنفون دول وجماعات تتبنى فكر يساهم في نفض غبار الذل والتبعية على التي انها محورا للشر وعدوا دائما. بينما يغدقون على رؤساء جمهوريات تجاوزت في استبدادها جمهوريات الموز في أمريكا الجنوبية خلال السبعينات. ويهنئونهم على نجاح الديمقراطية في دولهم. ولكنهم مع ذلك يدركون أن ذلك مؤقت لن يدوم. بل يخدم مصالح آنية وأن الأنظمة التي يتعجبون اليوم من قدرتها على الصمود أمام كل التحولات التي يعرفها العالم نحو الديمقراطية الحقيقية قد يصيبها ما أصاب غيرها من رياح التغير ؛ فتنهار بهشاشتها وتنهار معها مصالحهم.
وعندما يستشرف المفكرون الأمريكيون وغيرهم مستقبل المنطقة في ظل ما يجري اليوم. فإن صانعي القرار في واشنطن يأخذون ذلك مأخذ الجد ويولونه أكبر الاهتمام. فهؤلاء المتدخلون مفكرون كبار وعلماء استراتيجيا من مختلف المجالات. إنما يحركهم البحث العلمي المتجرد. وبالتالي لابد من الاستماع إلى ما يقولون. وهنا تأتي اهمية من سيشارك في البحث العلمي ..
التحول في فهم الديموقراطية و طرق البحث العلمي كمدخل للتغير
في البداية لابد ان ندرك ان التقدم والتنمية لا يمكن أن تكون بدون إشراك جميع مكونات البلد. وإشراك الجميع لا يتأتى إلا بديمقراطية حقيقية وليست ديمقراطية واجهة لا يثق فيها أحد. والديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن تأتي من انتظار ضغوط أجنبية. لأنها في هذه الحالة لن تكون إلا حسب طلب هؤلاء من أجل خدمة مصالحهم لا غير. وتيئيس الناس من المشاركة السياسية. قد تكون عواقبه وخيمة جدا لا ترضي أحدا.
الريادة لن تتحقق برياح التغير الموضوعية والذاتية ، ولا بتشريع قوانين جديدة تستجيب لظروف آنية ، لأن الاجتهاد في تعديل الدساتير يقتضي الاجتهاد في تعديل قيم وعقليات وسلوك من سيحتكم لهذه الدساتير ، لاننا لازلنا بحاجة الى تغير في العديد من تراثنا ومفاهيمنا.
فالوعي باستشراف المستقبل لابد ان يشمل توظيف كل الامكانيات والخبرات والمهارات المعرفية والنفسية التي يستخدمها الانسان في فهم المستقبل اولا ، ثم البدء بوضع بصيرة ورؤية واضحة الأهداف للتخطيط وصنع القرار وحل المشكلات ثانيا ..
بمعنى ان الدراسات المستقبلية تحتاج الى تفكير في ربط تجارب الماضي بالحاضر، وفهم عمق مقتضيات هذا الحاضر، سياقاته المعرفية الفكرية، الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، وتوازناته الدولية، لاتخاذ القرار والبدء في التنفيذ. والتنفيذ يحتاج الى تطور الانسان الداخلي وتطور المجتمع الذاتي لأن لكل منهما متضمنات تنعكس على الدراسات المستقبلية ومفهوم الاستبصار التقليدي.
لم يبقَ التنبؤ بالمستقبل اليوم رهنا بدراسة الباحثين والمفكرين، بل تحولت مجالات البحث فيه إلى طرق حديثة في جمع المعلومات واستخدام أساليب حساب رياضية وإحصائية لاستقراء التطورات المحتملة والممكنة في ضوء المعطيات السائدة. فالنظر الى التطور في غضون السنوات المقبلة. يخضع منطقيا لاستشراف مستقبل ما سيؤول اليه الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والمالي وما الخلل الذى نشهده الان في معظم البلدان العربية وفلسطين بالذات هو عدم تمكن الكثير من مراكز التفكير المستقبلي ومقاولات الذكاء الهندسي من التنبؤ بالأزمة المالية الخانقة التي تسربت الينا بقعل مؤثرا داخلية وعوائق خارجية ..
لذلك من المحتم علينا البحث عن مصادر للموارد البشرية المستدامة، والتي يعتبر البحث العلمي الدينامو المحرك لاستدامتها، فلابد ان نعمل بجهد لكي نستشرف مستقبل الواقع الثقافي لولوج مجتمع المعرفة، في ظل أزمة فكرية ترتبط في مجتمعاتنا المصاب للأسف بتكلس جيولوجي للعقل الجمعي الثقافي.
فرضيات تفشى ظاهرة الازمات السياسية الثقافية
هناك فرضيتان تحاولان تفسير ظاهرة الأزمة السياسية الثقافية وهشاشة النظام السياسي والثقافي لمجتمعاتنا :
الفرضية الأولى :من أن ثقافتنا العربية تعاني معاناة شديدة وأزمة شاملة مركبة وعميقة وعجزها عن التكيف والتأقلم الايجابي والفعال مع المتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية، وهذه الأزمة تحتوي أزمة شرعية وأزمة هوية وأزمة عقلانية وأزمة رفض وقبول".
الفرضية الثانية : فتنطلق من "أن ثقافتنا العربية كمنظومة ونظام، وما نتج عنه من نهوض فكري ومنتوج ثقافي وسياسي قد اصابه الانهيار بعد هزائم تاريخية معاصرة متتالية، وانقسامات غير مبررة ، ومن ثم يتوجب البحث عن نظام ثقافي وسياسي مواكب لفقه الواقع ، ببنية معاصرة ورؤية ورواد جدد مؤهلون لولوج مجتمع المعرفة السريع الخطى والتطور."
، ومادامت الثورات والمتغيرات الراهنة لم تحدث في عقولنا، وعلى ذواتنا، فلن نأمل تحقيق المعجزات تلك المتغيرات المحلية والاقليمية في بناء الإنسان الوطني المسخر لطاقاته وكفاءته في بناء الوطن والدفع بتنميته بعيدا عن مصالح الانتماء الضيق للحزبية أو المصالح الشخصية، أو العشيرة، أو الانتماء المذهبي والفكري والايديولوجي ..
محددات مطلوبة لاستشراف المستقبل :
إن مستقبل جيل مجتمع المعرفة رهين بإعادة صياغة العقل الحاضر بما يتماشى وتحديات المرحلة استشرافا لمستقبل مشرف لمجتمعاتنا. هذا المستقبل لن تتحدد معالمه إلا إذا استثمرنا حق الاستثمار، حكومات، شركات، مقاولات، رجال اعمال، مجتمع مدني، ومفكرون في شتى التخصصات للمساهمة في :
1- حسن صياغة وتطوير مشاريع التخطيط العلمي الدقيق.
2- العناية بالأخلاق والقيم.، فانهيار الصدق في القول والعمل، يحول الثقافة الى حرفة ، والسياسات الحزبية والانتمائية الى حرفة، والإعلام إلى حرفة، والاستثمار الاقتصادي الى حرفة، والعمل الجمعي في غياب حب الوطن الى حرفة.
3- تعزيز قيم التعددية الثقافية ضمن الهوية الوطنية وحسن توظيف إمكاناتها لإشعاعها في المنافسات الحضارية العالمية.، ووقوف الجماعات المتنافسة كل منهم لمحاسبة الاخر بالقانون ...
4- أولوية تطوير استراتيجية برامج لاكتساب التعليم ،وتفعيل دور مؤسساته في مشاريع تحقيق التنمية المستدامة.
5- دعم مراكز التفكير وهندسة الأفكار في اقتصاديات المعرفة والذكاء الاقتصادي والذكاء المعرفي الذي سيؤهل الجيل المقبل للدخول لمجتمع المعرفة.
6- تفعيل الخطط التي تجعل من الجامعات، ومراكز البحث في كل بلد الحضن الرئيسي لإنتاج اقتصاديات المعرفة. فالدول التي تسعى الى بناء اقتصاد معرفي يجني ثماره مواطنوه ويفعلوه، هي دول استوعبت معاني الاستفادة من خبرات وكفاءات الوطن ووظفتها رغم قلة الموارد المالية، والاقتصاد الذي لا يستفيد من مراكز البحث والتطوير وكفاءات الرأسمال البشري الذي تزخر به بلداننا سيبقى في معاناته.
7 - دعم مراكز ودور النشر والإعلام لنشر الوعي الثقافي الجماعي لمجتمعنا.
8 – تقوية إرادة الوعي الجمعي وتحفيز الدافعية إلى الانجاز، الذي يحفظ لنا كفاءاتنا الوطنية داخل بلداننا.
صعوبات ومعيقات البحث العلمي:
01- تعقيدات الظواهر الاجتماعية والإنسانية وتغيرها: من المسلم به أن الظاهرة الإنسانية والاجتماعية غير ثابتة ومستقرة ما دامت تتصل بالإنسانا والحكم عليها، مما يضفي في الكثير من الأحيان إلى نتائج سلبية لا يمكن الاعتماد عليها في تصنيف الظواهر لاسيما أنها تتأثر بالسلوك الإنساني المعقد
02-فقدان التجانس في الظواهر الاجتماعية:
لان الظواهر لها شخصيتها المنفردة وغير المتكررة، ولا نستطيع أن نسرف في تجريد العوامل المشتركة في عدد من الأحداث الاجتماعية، لكي نصوغ تعميما أو قانونا عاما.
03-التحيز والميول الشخصي وغياب الموضوعية: يصعب دراسة الظواهر الاجتماعية والإنسانية دراسة موضوعية بعيدا عن الأهواء والعواطف الشخصية لأن الإنسان مخلوق غرضي يعمل على الوصول إلى أهداف معينة تحقق ميوله ورغباته..
04-عدم دقة المصطلحات والمفاهيم المستخدمة :
حيث نلاحظ الفرق في استخدام المفاهيم من باحث انساني لآخر وكثير من المصطلحات تمتاز بالمرونة والغموض، وعدم الوضوح وتعدد استعمالها،
05-صعوبة الوصول إلى تعميم النتائج:
غالبا نجد في محددات الطروحات الانسانية ان الاختلاف يكمن في دقة النتائج، خاصة وأنه يعود إلى طبيعة المشكلات التي تواجه الباحث ..
06- صعوبة إخضاع الظواهر الإنسانية والاجتماعية للمخبر:
إن عدم القدرة على استعمال الطريقة المخبرية في العلوم الإنسانية والاجتماعية ناتج أساسا عن صعوبة وضع الظواهر الاجتماعية تحت ظروف قابلة للضبط والرقابة،
7 - صعوبة الضبط التجريبي وعزل المتغيرات المتداخلة للظاهرة الاجتماعية والإنسانية.
8- لا يمكن التوصل إلى نتائج هادفة وقابلة للتعميم: يتميز البحث العلمي بعدة خصائص تميزه عن غيره من الدراسات، وحتى يمكن اعتبار دراسة معينة بحثا علميا أكاديميا، لابد من الوصول إلى نتائج هادفة وقابلة للتعميم
9- انتفاء الموضوعية: وذلك بتغليب طابع النزعة الذاتية والميولات الشخصية على البحوث الاجتماعية والإنسانية، وتتجلى الذاتية من خلال ما يلي :
- يتأثر الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية بالموضوع الذي يدرسه لأنه جزء منه، ويصعب عليه أن يدرسه بحياد ونزاهة وموضوعية.
- قد يؤثر الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية في الظاهرة الإنسانية ، فيغير من طبيعتها ويفهمها فهما خاصا، مما يجعل النتائج تختلف من باحث لآخر ، ويجعل إمكانية التعميم متعذرة.
- يتداخل الموضوع في العلوم الإنسانية مع الذات، ويصعب الفصل بينهما
- يتمركز الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية حول ذاته، أي أنه يقدم رؤيته للظاهرة الإنسانية المدروسة، انطلاقا مما يحمله في ذاته من مشاعر وأفكار ومعتقدات ترتبط بالتزامه بمواقف ومذاهب أيديولوجية أو عقائدية، وهذا ما يجعل الباحث يسقط تصوراته الذاتية على الظاهرة ويجعل تحقيق الموضوعية مسألة غاية في الصعوبة.
10 -إصدار أحكام مرتجلة وعشوائية: إن الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية نتيجة غياب الكثير من الأدلة والبراهين القاطعة لحل مشكلة معينة، سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم تاريخية أم نفسية، يجعل منه يتسرع في إصدار أحكام عشوائية ومرتجلة، وهذا ما يؤثر في نهاية المطاف على الموضوعية العلمية، والتي بدورها تؤثر على البحث العلمي ومصداقيته.
11- التعصب وعدم السماح للتعاطي مع آراء لا تنسجم مع ميوله ومعتقداته
12-الاستبداد: بحيث لا يسمح لحرية الرأي ويمنع أي فكري يدعو للتطور وينسجم مع المتغيرات الحديثة
13: الانتقائية: من حيث انتقاء الأفكار الى لا تتعارض مع ميوله وتوجهاته
14: سيطرة العواطف والانفعالات: هنا يصيغ الباحث فرضيات خاطئة نابعة من انفعالات شخصية، والنتيجة ستكون نتائج خاطئة..
15- الميل للمجاراة: بحيث يخضع الباحث كل معطيات بحثه لإرضاء جهة معينة وبالتالي يقع في الخطأ في الفرضيات والنتائج والتعميمات
آلية تذليل الصعوبات والعراقيل:
يمكن تجاوز العقبات والعراقيل التي تعترض الباحث العلمي على النحو الآتي:
1- -تجاوز العوائق المنهجية بالبعد عن منهجية السرد والتقليد واخضاع الظواهر لمنطق الواقع المعاش..
2- الاعتماد على اسس النقد والتحقق والتمحيص.
3- إعادة بناء الحادثة: وذلك للتأليف بين أجزائها وترتيبها وفق تسلسلها الزمني والسببي فتكون كل مرحلة مقدمة لما بعدها ونتيجة لما قبلها والبعد عن الذاتية..
4- الحفاظ على الهوية الوطنية الشخصية وانتهاج ثقافتنا الخاصة.
5- البعد عن التحلل والذوبان في ثقافة وحضارة شعوب اخرى فلكل له سلوكه وتراثه وعاداته الخاصة.
6- اتباع نظام تربوي وطني شامل، للتخلص من التربية الحزبية غير المجدية.
7- اعادة صياغة المؤسسات التربوية والإعلامية ومراكز التنشئة.
8- تكثيف البحوث العلمية وعقد مؤتمرات سنوية ، ودعوة كافة اصحاب الفكر والراي بغض النظر عن الانتماء الايدلوجيي ووضع مصلحة الوطن فوق مصلحة الحزب مهما علا شأنه ...
الخاتمة:
على ضوء ما سبق ذكره، ممكن القول ان العلوم السياسية الإنسانية والاجتماعية يتعذر إخضاع موضوعاتها لهذا الضبط الكمي، ويستحيل تصويرها بالمعادلات الرياضية الدقيقة، مما أدى ببعض الباحثين في العلوم الإنسانية إلى القول بأن علومهم لا تكون عامة أبدا، لأنها لا تخلو من الحالات الاستثنائية التي لا تدخل في طبيعتها.
وعلى الرغم من الصعوبات والعراقيل التي تواجه الباحث العلمي في مجال العلوم السياسية الإنسانية والاجتماعية إلا أنه يمكن القول أن لهذين الصنفين من العلوم أهمية بالغة ومكانة هامة ، لاستشراف المستقبل ، وتتجلى هذه الأهمية من خلال:
01-تعتبر البحث العلمي في هذا المجال منبع التعلم الاجتماعي والتربية الاجتماعية والتي يمكن من خلالها دخول الفرد المتعلم إلى الحياة الاجتماعية باكتسابه عادات وتقاليد مجتمعه.
02-تساعد المتعلم على التبصر بوضعه في الزمان ، ودراسة الحاضر في الماضي القريب والبعيد بقصد تلمس مؤشرات وإسهامات الماضي في تشكيل الحاضر، والسعي إلى الاستفادة من الماضي والحاضر معا في استشراف المستقبل بجعله أكثر قبولا وتطورا.
03-تزيد من اهتمام المتعلمين بكثير من المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحاضرة، والاتجاه نحو المشاركة الواعية فيما يواجه المجتمع من مشكلات وتحديات.
04-تساعد على فهم الضوابط الاجتماعية من خلال التعرض لدراسة النظم الحكومية وقوانين الهيئات والمؤسسات الاجتماعية، والتعرف على عادات وتقاليد وقيم المجتمع المتعارف عليها.
5 -تساعد على فهم فكرة التفاهم الدولي، وتنمية النظرة العالمية التي تقوي روح التضامن مع الآخر.
6--تعمل على تمكين المتعلمين من إدراك وتقدير الأدوار التي قامت بها الوطنية في الماضي والحاضر، وتأثيرها الحضاري وتعاونها في حل المشكلات السياسية والاقتصادية، ومناصرة الشعوب التي تطالب بحقوقها من أجل نيل الاستقلال والحرية.
7 -تنمي قدرة المتعلمين على النقد والتحليل والمقارنة، ووزن الأدلة وإصدار واتخاذ القرارات والأحكام الايجابية بعيدا عن التعصب والتحيز.
اعداد د ناصر اسماعيل اليافاوي
أمين عام مبادرة المثقفين العرب
نائب رئيس مؤسسة بال ثنك للتفكير الاستراتيجي
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=928225230637531&set=a.100956553364407.948.100003501872002&type=3&theater