يمكن تعريف العدالة بصفة عامة بأنها "مجموعة المبادئ التي يوحى بها العدل وحكمة التشريع".
والمفروض نظريا ان يجسد القانون مبادئ العدالة والإنصاف بحيث يكون الجميع كلاً واحداً، ولكن الحقيقة هي غير ذلك سواء في مجال القانون الداخلي أو الدولي بحيث من الممكن أن ينفصل القانون عن العدالة ويسير كل منهما بمعزل عن الآخر بسبب اختلاف المصالح التي يحميانها : فالعدالة قيمة مطلقة تحاول الوصول إلى " ما يجب أن يكون " وأما القانون المكتوب فهو "واقعي" يحاول حماية استقرار الحال على ما هي عليه ولو كان ذلك على حساب العدالة أحيانا.
ولذلك نجد أن الأنظمة القانونية حين تأخذ بمبادئ العدالة كمصدر من مصادر أحكامها تستند في ذلك إلى "هيئات قضائية خاصة".
ففي النظام الإسلامي نجد ولاية المظالم التي تنظر في القضايا التي تنتهك مبادئ العدالة مستقلة عن ولاية القضاء الإسلامي العادي، وفي النظام الإنجليزي نجد المحاكم التي تقضي استنادا إلى مبادئ "العدالة" مستقلة عن المحاكم (القانون العادي).
وفكرة (العدالة) بالرغم من أنها تستند إلى (مبادئ القانون الطبيعي) ومبادئ التفكير السليم وحب الحق كقيمة جمالية عليا، فانه لا يمكننا أن ننكر صفتها النسبية وتغير مفاهيمها بتغير الزمان والمكان لذا فان معظم قرارات محكمة العدل الدولية ومن قبلة نظام محكمة العدل الدولية الدائمة لم يجيزا الأخذ بمبادئ العدالة والإنصاف كمصدر لإسناد الأحكام إلا إذا وافق جميع أطراف النزاع صراحة على ذلك.
ويرى الفقيه الفرنسي شارل روسو في هذا المجال أن مبادئ العدالة والإنصاف يمكن أن تلعب دورا ثلاثيا عند استخدامها من قبل المحكمة وذلك بأن تقوم بواحدة من الوظائف التالية:
1. وظيفة مخففة: حيث تخفف مبادئ العدالة من صلابة القواعد القانونية الوضعية الواجبة التطبيق وشدتها ويتم ذلك حين تضر هذه القواعد بقسوة بمصلحة احد أطراف النزاع، أي إن مبادئ العدالة والإنصاف تساعد هنا القاضي على إعطاء حكم أدنى من الحكم الذي يعطيه القانون العادي واخف منه ، وهذا ما يعبر عنه باللاتينية ( ما تحت القانون).
2. وظيفة متممة أو مكملة: وذلك بان تكمل هذه المبادئ نقصا معينا أو تسد ثغرة في القانون استنادا إلى مبادئ العدالة والإنصاف وهكذا يلعب القاضي في هذه الحالة الدور الذي يلعبه القاضي الروماني ولذلك يقال لهذه الحالة باللاتينية ( قانون البريتور ).
3. وظيفة تصحيحية: وذلك حين يرى القاضي بان تطبيقه للقانون ينتج عنه ظلم فادح لأحد أطراف النزاع فيضرب صفحا عن القواعد القانونية الوضعية ويستعيض عنها بقاعدة مستقاة من (مبادئ العدالة والإنصاف ) قد تكون معاكسة تماماً للقاعدة القانونية الوضعية التي كان عليه تطبيقها لولا تفويضه من قبل أطراف النزاع بالحكم استنادا لمبادئ العدالة والإنصاف ولذلك يقال لهذه الحالة باللاتينية ( ضد القانون).
وهكذا نرى أن القاضي الدولي حين يقوم بتطبيق قواعد العدالة والإنصاف لا يقتصر دوره على مجرد تطبيق القانون وإنما يمتد لكي يشمل : تعديل ومراجعة القانون لكي يصبح أكثر إحقاقا للإنصاف والعدالة، وكثيرا ما يأخذ المعطيات الواقعية لا القانونية فقط بعين الاعتبار في هذا المجال بحيث يكون عمله قانونيا - سياسيا معا وليس مجرد عمل قانوني محصن كما هو الحال في القانون الداخلي .
ومن المناسب أخيرا أن نذكر أن محكمة العدل الدولية الدائمة العدالة والإنصاف في عدة قضايا أهمها قضية ( شركة الملاحة النرويجية ) عام 1922م .
كما طبقت محكمة العدل الدولية الحالية هذه المبادئ في قضية ( المصائد) عام 1974م بين انجلترا وأيسلندة حيث تجاهلت تطبيق هذه القاعدة القانونية التي تحكم النزاع أصلا وطلبت من الطرفين المتنازعين " التفاوض بشان حفظ الثروات البحرية موضوع النزاع واستثمارها بشكل عادل".
بقلم/ د. حنا عيسى