كأن قدر الشعب الفلسطيني وهو لا يزال في مرحلة التحرر الوطني، أن يئن تحت نير قياداته الشمولية، وتحت وطأة نخبه السياسية، والتي تعبد مصالحها ولا تعير الشعب الفلسطيني ايَّ اهتمام.
تلك القيادات غير الجدية تقود الشعب الفلسطيني بأداء استعراضي "مقرف"، يحيط بها مجموعة من المستشارين، تحلل الأمور بشكل رغبوي مشين، بعيداً عن الموضوعية والواقعية.
الخطيئه الكبرى في المشهد الفلسطيني، غياب المؤسسات المتخصصة، والمفترض أن تكون مرجعية للنظام السياسي الفلسطيني، يستند إليها في تصريف العمل اليومي، لمجتمع يرزح تحت نير الاحتلال، وكذلك غياب الهيئات المنتخبة (لمنظمة التحرير الفلسطينية) التي هي مرجعية السلطة الفلسطينية الافتراضية، حيث إن المرجعيات الحالية مشلولة، وعاجزة عن القيام بمهامها اليومية، والغريب أن النظام السياسي الفلسطيني لا يرغب ببناء مرجعيات متخصصة ومهنية، ويرغب في بناء مرجعيات الولاء والمواهب أو انه عاجز عن بناء ذلك.
المشهد الفلسطيني يمثل حالة فريدة من نوعها في العالم، يراوح مابين الأخطاء والخطايا، يمثل اجترارا للأخطاء والخطايا، ويمثل مشهداً تراجيدياً محزناً و "مقرفاً" في آن معا، يمارس بشكل مبرمج عملية كسر الوعي العام للشعب الفلسطيني، ومسح ومسخ ذاكرته ووعيه الوطني، وقمعه،
"كسر الوعي والإرادة يقدّم بعدّة خطابات" فقدر هذا الشعب المكافح كقدر باقي شعوب الأمة العربية، أن يبقى يئن تحت وطأة نظام شمولي حزبي لا ديمقراطي، منذ ما يزيد عن أربعة عقود من الزمن، يحيط نفسه بماسحي البلاط المتقنين لفن الإطراء الرخيص، وكأنهم فصلوا اصغر من مقاس قيادات يحلو لها أن تسمع ما تريد سماعه، لا ما يجب سماعه، وتطير فرحا عندما تسمع من وسائل الإعلام أو تقرأ في وسائل الإعلام -وبئس وسائل الإعلام هذه- عن المبايعة أو إعادة المبايعة، والتأييد، أو تضليل المجتمع بنصر وهمي، من نخب سياسية ما انزل الله بها من سلطان، تلك النخب إذا ما قدر لها أن تستمر بثقافة النفاق المقيت أن يتحفوننا بـ"فرامانات قراقوش"، أي أن حكّامنا حكماء من نسل الآلهه، لا يخطئون أبداً.
ولكون حكامنا معصومين قد لا نفاجأ بمواد دستور كالأتي:
مادة أولى الحاكم لايخطئ
مادة ثانية إن أخطأ الحاكم
نعود للمادة الأولى
والأخطر من ذلك أن الشعب بفعل نخبه السياسية، والإجتماعية، والثقافية، والدينية، طبعا الشعب غير مستثنى أو بريء مما يجري لأنه قبل بالخنوع وقبل بهذه النخب الرخوية بل هو من انتخبها ورعاها، وهو من انتخبها ونصّبها، وقدّسها، وعجز عن محاسبتها، عندما ثبت فشلها، وعجزها، عن تمثيل الشعب وتنظيمه ليأخذ دوره في تشكيل رأي عام، يشارك مشاركة فعالة في الحياة السياسية الفلسطينية، قبل فوات الأوان.
لا يمكن لتلك النخب، وتنظيمات النفاق، والتي قدّمت الحاكم من خلال الإطراء اليومي بأنه المعصوم، ونتيجة هذا الإطراء اليومي في وسائل الإعلام أصبح في وعي الحاكم أنه المعصوم والمنزّه عن الفشل، وما على الرعيّة إلاّ التسبيح بحمد هذا الفشل، وصوابيّة هذا التحليل الفاشل لاجترار قرارات أكثر فشلاً.
بقلم/ يوسف شرقاوي