كان الدكتور حيدر عبد الشافي رجلاً في قضية، وقضية في رجل، أو هكذا وصفه الرسميون حين منحته الدولة وسام نجمة الشرف من الدرجة العليا تقديراً لدوره الوطني الذي جسده كأحد رواد العمل السياسي الفلسطيني، وتثميناً لجهوده المتميزة في خدمة الشعب الفلسطيني طوال مراحل نضاله في القرن العشرين، وما من قول أبلغ في وصف من هذا القول، وإنه مهما كرّم الدكتور حيدر، فإن مكرّميه لن يبلغوه حقه في التكريم بالقياس إلى ما قدّمه هذا الرمز الوطني للقضية الوطنية، فقد كان الدكتور حيدر قضية وحده في صورة (حارس)، أو (معلم) حين أخذ يعرف الفلسطينيين بأنفسهم ويهديهم إلى ذاتهم بما غاب عنهم، ويكشف عن حقيقة حوافزهم ونزعاتهم، ويفتح لهم آفاقاً من العمل الجاد، ويعبر عن إرادتهم.
ويصلح نهج حياة هذا الرجل أن يكون مثالاً يحتذى به في القرن العشرين لقائد وطني عفيف مناضل، حافظ برغم قسوة الظروف الاستعمارية والدولية على كرامته وعزة شعبه، وقاد في شجاعة وصبر كفاح شعبه لانتزاع الحرية والاستقلال، فلم تكن حياته سهلة مترفة، بل هي سلسلة من المشاق والانطلاق واستباق المؤامرات والدسائس التي كان يدبرها عدو جبار خبيث ظالم، فكان عليه، وهو القائد الوطني أن يضحي، ويغالب الأحداث والأزمات مؤمناً بربه مخلصاً لوطنه.
وضع الدكتور حيدر عبد الشافي بصمته واضحة بارزة على تاريخ بلده، واستقر اسمه في ذاكرة شعبه، وأن تكون سيرته الملحمية البطولية في أذهان الناس، وأن تطالعها الأجيال الفلسطينية الناشئة بحب واجلال، وإنه لمن العسير حقاً أن يُمحى سريعاً أو يُنسى، وستظل سيرة الدكتور حيدر باقية مع الأيام، موثقة للتاريخ، مشعة في الزمن.
وحين تقدمت بي الأيام إلى آفاق أرحب عرفت أثره في جيله وفي جيلنا وفي تاريخ فلسطين عامة، وعرفت أنه كان "حارساً" أو "معلماً" بمعايير التاريخ، وإنْ كان الدكتور حيدر رحل عنا بجسده، إلا أنه باقٍ في وجداننا بسيرته العطرة، ووطنيته التي لا تنازع.
بقلم/ نعمان فيصل