أنهت قمة الاتحاد الأوروبي الـ 27 أعمالها في العاصمة السلوفاكية براتيسلافا الجمعة الماضي في ظل حالة من الارتباك تسبب بها خروج بريطانيا من الاتحاد، والتي غابت لأول مرة عن حضور اجتماعات القمة فضلا عن قضايا أخرى جعلت الكثير من الشكوك تحوم حول قدرة الاتحاد في الصمود أمام التحديات التي يواجهها، واختبار لمدى قدرته على البقاء بعد ظهور الخلافات بين دول الاتحاد على أولويات العمل المشترك، وكيفية معالجة القضايا الملحة، ووضع خريطة طريق لحل تلك القضايا، وهو الأمر الذي أجمع عليه معظم قادة الاتحاد الأوروبي في توصيفهم للأزمة التي يمر بها الاتحاد الأوروبي، فقد حثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على ضرورة إخراج الاتحاد من الوضع الحرج الذي يمر به، وهو ما أكده أيضا رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر بالقول أنه لم ير سابقا مثل هذا التشرذم والضعف في التقارب داخل الأمة الأوروبية.
هذا التشاؤم والتخوف له ما يبرره في ظل خشية قادة الاتحاد الأوروبي وخاصة ألمانيا وفرنسا من طرح عديد من دول الاتحاد فكرة الاستفتاء على الخروج أسوة ببريطانيا، وهو ما عبر عنه روبير فيكو رئيس وزراء سلوفاكيا حينما قال أن المهمة الأكثر أهمية في هذه القمة تكمن في وقف موجة التشاؤم والتخلص من مخاطر حدوث سلسلة استفتاءات أو محاولات إضعاف الاتحاد الأوروبي.
إن تداعيات هذا الانسحاب تركت آثارها على المجتمعين، فقد أكد رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك أن اعتبار النتيجة السلبية للاستفتاء في بريطانيا هي مشكلة بريطانية محضة تعد خطأ قاتلا لأن المواطن الأوروبي في حالة قلق ويريد أن يعرف إذا كانت النخب السياسية تستطيع الإمساك بزمام الأمور والسيطرة على الأحداث، وأن القمة فشلت في تهدئة هذه المخاوف من تكرار حدوث استفتاءات، على غرار الاستفتاء البريطاني.
ورغم طغيان قضية الخروج البريطاني من الاتحاد على جدول أعمال القمة إلا أنه لم يكن الموضوع الوحيد الذي أثار الخلافات داخل القمة، فقد نالت موضوعات الدفاع والأمن والهجرة واللاجئين ومكافحة الإرهاب جانباً كبيراً من المحادثات، نتج عنه صدور بيان ختامي للقمة يحمل جملة من القضايا محل النقاش والجدل.
فعلى سبيل المثال فإن مسألة تعزيز قدرات الاتحاد في مجال الدفاع حازت على جانب كبير من اهتمام كبير لدى الدولتين الكبيرتين داخل الاتحاد ألمانيا وفرنسا مع التأكيد على ضرورة أن يظهر أعضاء الاتحاد أنهم يستطيعون العمل في شكل أفضل في مجالات مكافحة الإرهاب والتعاون والدفاع بسبب الوضع الحرج الذي يمر به الاتحاد، وضرورة العمل على بذل جهد أكبر في مجال الدفاع الأوروبي بقيادة كل من البلدين خاصة بعد خروج بريطانيا التي كانت تحبذ على الدوام العمل في اطار الحلف الأطلسي (الناتو) مما يشكل فرصة للتقدم في هذا الملف، علماً ان المفوضية الأوروبية تقترح برنامجا مخصصاً «موارد عسكرية مشتركة» و»قيادة اركان موحدة»، وإنشاء صندوق اوروبي قبل نهاية السنة لتحفيز البحث والابتكار في الصناعات الدفاعية.
وفي موضوع آخر لا يقل أهمية وهو موضوع الهجرة واللاجئين فقد أشارت الدول المشاركة في القمة إلى أن الهدف الرئيسي لاجراءاتها في المرحلة المقبلة هو العمل على وقف حدوث موجات هجرة جديدة غير منتظمة، حيث ثمة خشية أن يتحول ملف الهجرة إلى عامل انقسام في صفوف الاتحاد، بوجود خلافات عميقة بين الدول الأعضاء حيث مازالت دول "مجموعة فايسغارد" (بولونيا والمجر وسلوفاكيا، وتشيكيا) ترفض العمل بخطة الحصص الإجبارية في توزيع اللاجئين، في حين.وصفت المجر القمة بأنها فاشلة لأنها لم تستطع أن تغير سياسة بروكسل بشأن الهجرة في حين تصر بعض الدول الغربية على تطبيق الخطة، مع بروز دعوة وزير خارجية لوكسمبورغ، جان اسلبورن، إلى طرد المجر من الاتحاد بحجة "انتهاكها للقيم الأساسية للاتحاد، لاسيما ما يتعلق بقضايا اللاجئين، بينما رأى رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، أن "التقدم المحرز في القمة قليل جداً"، محذراً من أنه "دون تغيير السياسة إزاء الاقتصاد والهجرة، فإن أوروبا ستواجه أخطاراً كثيرة".
لا شك أن هذه القمة تشكل أهمية خاصة لدى قادة الاتحاد الأوروبي والشعوب الأوروبية كونها تناقش العديد من القضايا سيتم بموجبها تحديد مستقبل الاتحاد وما يواجهه من تحديات، وربما تكون الستة أشهر القادمة لحين عقد القمة القادمة في روما في مارس المقبل حاسمة لحسم العديد من القضايا، وليس من قبيل المبالغة قول عدد من المراقبين والمهتمين أن القمة القادمة قد تحدد مصير الاتحاد الأوروبي وسط توقعات بعدم إمكانية تجاوزه لهذه التحديات خلال هذه المدة القصيرة وتجاوز خلافاته، مما يشكل الاختبار الأبرز امام الاتحاد الأوروبي منذ نشأته وسط اهتمام دولي لما ستؤول إليه نتائج هذا الاختبار والذي سيترك بالتأكيد تداعياته وآثاره على صناعة القرار السياسي والاقتصاي في العالم كله.
بقلم/ حسن سلامة