القيم المدنية رافعة السلم الأهلي (5)

بقلم: عدنان الصباح

السلطة الثقافية ( السلطة الرابعة )

نحن بحاجة إذن إلى إشاعة القيم المدنية في مجتمعنا قبل كل شيء حتى نتمكن من النهوض بذواتنا والانطلاق إلى الأمام مشاركين في صياغة الفعل الحضاري الإنساني كشركاء في الفعل والإنتاج الحضاري لا كمتلقين بلهاء لا حول لنا ولا قوة وفي سبيل ذلك لا بد من وضع أسس لذهنية جديدة تقوم على أساس إشاعة العقل النقدي لكل ما هو حولنا وفي المقدمة الذهنية العشائرية وليست العشيرة كنواة بناء مجتمعي بالضرورة والعقل الديني وليس الدين بالضرورة وهناك فرق شاسع بين العشيرة والعشائرية والدين والتدين وإذا لم نطلق لعقولنا القدرة على نقد ما يقدم لنا من مؤسسات سياسية أو عشائرية أو دينية تعطي لنفسها الحق الإلهي المطلق أو الوطني أو الجمعي بمنع اعتراضها او مناقشتها فهي ستبقى قادرة على فرض ذاتها وذهنيتها وأدواتها على حياتنا بلا توقف مما يجعلنا نكرر ماضويتنا بنا سلوكا ونتائج على الأرض ويعزلنا في قمقم الماضي بعيدا عن حضارة البشر وتجلياتها
إن حالة التناقض اليومي التي نعيشها بين ما ندرك وما نرى وما نقرا وبين ما هو متأصل في عقولنا من قيم وعادات وتقاليد لا فكاك منها فنحن أمام عصر تكنولوجي متطور جدا ومنفتح على بعضه فقد أزاحت ثورة التكنولوجيا كليا السدود والحدود بين الدول والحضارات والأفكار فلم تعد أمريكا ابعد من مخدة النوم بوجود الانترنت وبالتالي فان الشاب الشرقي والعربي والفلسطيني جزء من ذلك بالتالي وهو يعيش الحياة بكل تلاوينها بعيدا عن أعين الرقابة المتواصلة للمؤسسة الأبوية في البيت والشارع والمدرسة والحي والقرية في حين يجد نفسه مضطرا لمجاراتهم وبالتالي يصبح رغما عن نفسه شخصين متناقضين بداخله في آن معا فهو عمليا يعرف حقيقة حضارة الآخرين ويتفاعل معها ولكنه في العلن يشتمها ويزدريها وبالتالي فنحن إذن أمام شخص غير مقتنع بسلوكه العلني وهو من داخله نفسه ناقم على كل ما اجبره على فعل ذلك وقد لا يتورع إن واتته الفرصة على إيذاء هذا المجتمع او احد أفراده لسبب او لآخر وهو ناقم على من اجبروه على ممارسة الكذب العلني وعلى عدم قدرته على التصالح العلني مع نفسه فتراه إذن يرفض الآخر الموجود ويصبح أكثر عنفا واستعدادا وميلا لأعمال العنف بناء على ذلك فهو يتلقى تعليمه وفكره وثقافته وقيمه اليومية بشكل متواصل وبتأثير حاد من الأفلام والانترنت وما سواها وهي لا تتوقف عن التأثر بما يتلقاه بينما هو ملزم بدون تفسير ولا إقناع ولا وسائل إيضاح لإعلان إيمانه بمعتقدات محيطه حتى دون السعي لإقناعه بها سوى بقوة الجماعة وقدرتها على القبول به او لفظه ورفضه مما يجعله مضطرا للرضوخ ليتمكن من مواصلة حياته بهدوء معهم مع إدراكه بعدم القبول بهذا ومعرفته اليقينية بأنه كاذب من الطراز الأول فأي فرد هذا الذي يمكنه أن يبني مجتمعا وفي قرارة نفسه يعيش شخصية مزورة كاذبة لا علاقة لها بالصورة المرئية علنا أمام ناسه ومجتمعه وهذه الشخصية تتكرر في كل واحد خصوصا من الشباب الأسهل وصولا لوسائل الاتصال والتواصل الحديثة مع العالم وناسه.
يوميا يتلقى شبابنا سيلا هائلا من أفلام الفيديو والعاب الانترنت والصور والأفكار التي تمجد وتسوق للفكر الغربي وحضارته ونمط حياته وهي بالتالي مؤثرة ومقنعة للشاب الذي لا يجد بديلا عنها ليملأ فراغه مما يخلق ويكرس الشرخ القائم بداخله بين شخص مؤمن بما يرى ويسمع ويقرا عبر الانترنت والفيديو والتلفاز طوال اليوم وحتى في الشارع المليء بالمواد الدعائية والأنماط الغربية للسلوك والحياة وبين عدم قدرته الفردية على التصريح بذلك وقبوله العلني بنمط وذهنية وحياة حظيرته العشائرية مما يجعل منه شخصين متناقضين الأول غربي حتى النخاع وهو يكاد يقترب حتى من فكر عدوه فتراه يسمع الأغاني الغربية وحتى العبرية ويتحدث قدر ما استطاع وبدون مبرر أحيانا اللغات الغربية بما في ذلك العبرية عند الفلسطينيين بدون أدنى خجل ويصل الأمر بالبعض إلى البحث عن السبل التي تمكنه من الحصول على جنسية عدوه ويقلده في كل شيء بما في ذلك تفضيل منتج العدو على المنتج الوطني وقد بات ذلك يقترب من العلنية دون وجل او خجل لسبب بسيط أن العشيرة لا تؤمن بالثورة أصلا لما للثورة من تأثير على وجودها فهي تقبل بابنها هذا وترفض الثوري الذي يرفض واقعه السياسي خشية الانتقال المنطقي والتلقائي إلى رفض واقعه الاجتماعي والاقتصادي والثورة عليه تمهيدا لتحقيق نصره الوطني والسياسي الذي يريد.
نحن بحاجة إلى عقل جمعي يصل حد القناعة بان الفردية المطلقة القائمة على الأنانية لا يمكن لها أن تعيش إلا عبر الأنا الجمعية فلم يعد بإمكان الفلاح مثلا أن يزرع ويحصد ويخبز ويأكل في آن معا فهو بات ملزم على أن يسلم جزءا من عمله ومن احتياجاته لأيدي الآخرين على قاعدة أن الكل الفردي حين يتوحد يصبح مشتلا ضروريا لإنبات الأنا الكلية دون تناقض, فحين نؤسس معا كذوات حالة جمعية تلغي الذوات الفردية المنفلتة نكون قد وضعنا اللبنة في مكانها الصحيح في صرح المواطنة والمجتمع المدني القابل بها, ذلك أن قبول الذوات المنفردة الانضواء الإرادي الحر بالجماعة عبر رؤى مصاغة بشكل مشترك ستسهل إعادة إنتاج الأنا الجديدة ولكن على قاعدة الكلية كأساس ومرجعية بحيث تصبح الأنا الكلية ممثل للذوات الجمعية على هيئة ذات جمعية بصورة أفرادها القادرين والمؤمنين بأن لأناهم الفردية ادوار مهمة وضرورية ينبغي لها أن تخدم الحالة الجمعية المعبرة عن صفاتهم الفردية المتلاقية والقابلة للتمايزات لما فيها من مصلحة عليا لمجموع الذوات المتلاقية جمعا في الفعل العام والمتمايز كأنا فردية في الفعل اليومي والخاص بحيث يتطابق العام مع الخاص عمليا وذهنيا وتغيب حالة الانفصام كليا ولا يصبح الفرد سن صغير وتافه في آلة لا يملكها اسمها ذات العشيرة الوهمي, وهي في الحقيقة ذات نخبتها وأفكارهم ومصالحهم فلا مواطنة ولا مجتمع مدني إذن دون ذات جمعية تخلق جمعا موحدا حيا وفاعلا تتطابق فيه المصالح بين مجموع الذوات المتوحدة بإرادتها بالذات الجمعية والانا المنطلقة كجزء فاعل من كل غير مفروض وغير غريب لا عن فكر الأنا الفردية ولا عن مصالحها ولا عن سلوكها عند ذلك نكون قد أسسنا لمجتمع مدني صانع لفكره وسلوكه وحضارته باني لدولة المواطنة الحقة الرافض لاستلاب ذوات الأفراد او الجماعات أيا كانت اختلافاتها ما دمنا قد اتفقنا بإرادتنا على قواعدنا المشتركة على قدم المساواة أفرادا وجماعات.
إن ذلك يتطلب خلق نظام حكم رشيد قائم على العدالة نقيضا للظلم والمشاركة نقيضا للتحكم وإلغاء الآخر وتداول السلطة بإرادة الذات الجمعية بمكوناتها الفردية نقيضا لاحتكار السلطة والانتفاع العام العادل بالثروة نقيضا لسرقتها والشفافية والنزاهة نقيضا للفساد والجمع الإبداعي بين مبداي التنمية بالإنسان والتنمية من اجل الإنسان كمطلق نقيضا للتنمية بالإنسان لصالح محتكري الثروة وسارقي جهد المجموع, ومن هنا فان العدالة والمشاركة وتداول السلطة والانتفاع العادل بالثروة والتنمية بالإنسان للإنسان هي الأسس الكفيلة بإقامة مجتمع عادل أيا كان بما في ذلك المجتمع العشائري نفسه او الطائفي او الاثني او المختلط إذا كان الأمر كذلك دون أن يفقد الأفراد او الجماعات صفاتهم وميزاتهم الخاصة بمعنى أن لا يذوب الجزء بالمجموع بل أن يزدهر ويعيش كمكون للتلوين العام الجمعي وناهض به وله.
ذكر تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بمناسبة اليوم العالمي للشباب ان24% من الشباب الفلسطيني في الأعمار ما بين 15- 29 سنة لديهم الرغبة بالهجرة الدائمة من فلسطين وان هذه النسبة تصل في قطاع غزة إلى 37% و15% في الضفة الغربية بينما لا يفكر 63% منهم بالهجرة الدائمة 73% في الضفة الغربية و56% في قطاع غزة بمعنى أن الذين لا يفكرون في الهجرة مطلقا هم 13% موزعين على 7% في قطاع غزة فقط و 9% في الضفة الغربية وهي نتائج كارثية فمن يعيش من الشباب بحالة سعي دائم للهجرة يصبح الوطن بلا معنى له ويفقد قدرته على الانتماء إليه ويتحول ذلك إلى ضعف قدرته على الفعل في سبيل المكان وناسه ويعيش حالة اغتراب دائمة عن الناس والمكان فهو مهاجر حتى وهو موجود فالهجرة في الفكر هي اخطر أنواع الهجرة لأنها تصيب صاحبها بالشلل التام عن المشاركة الايجابية بواقعه وتحوله إلى عالة على المكان وناسه بل وقد يتحول عجزه عن تحقيق الهجرة عمليا إلى ناقم ومعادي للمكان وناسه وقضاياه.
تجدر الإشارة إلى أن جيل الشباب من 15 – 29 يشكلون 30% من السكان وهذا رقم كبير إذا اعتبرنا أن الأمر بدأ بهذه الحالة منذ سنوات كثيرة قد تعني أن 30% أخرى انتقلوا إلى الجيل التالي من 30 – 44 سنة وبذا يصبح بعد ثلاثين سنة مثلا كل المجتمع إما مهاجر او ينتظر الهجرة او يائس وناقم على انه لم يتمكن من تحقيقها فأي مجتمع إذن سنكون أمامه في هذه الحالة.
يجب أن نعترف بأن احد اخطر الأسباب التي أدت إلى ذلك هو السبب السياسي وحالة الإحباط والهزائم المتلاحقة التي منينا بها على مر العقود وانسداد الأفق والقمع الاحتلالي المتواصل لجيل الشباب وهو ما قاد بهم إلى ما سمي بثورة السكاكين وغياب القيادة الفاعلة والمشروع الوطني الفاعل واستمرار سيطرة النظام الأبوي الرافض والقامع لكل ما هو متطور وجديد والبطالة والفساد والصراعات العشائرية والفصائلية مما جعل الاحتفاظ بالوطن قنبلة موقوته في عقول شبابنا غير قادرين على التخلص منها ولا الانفجار بها رضوخا لرغبة وقناعات الجماعة المعلنة فهم أي شبابنا توقفوا عن الثورة بقرار ولا زال خطاب الثورة اللغوي حيا في الخطاب الاجتماعي والسياسي اليومي ولا زال هناك أجسام وقوى تتحدث عن تحرير فلسطين وتحرض عليه دون أن تفعل شيئا مما جعل شبابنا يجدون أنفسهم عراة في الحقل أمام نار الأعداء بلا قائد وبلا ساتر اللهم إلا قيادة الأغاني والشعارات والتبجيل.
الفراغ اليوم يشل حياة شبابنا العربي والفلسطيني وهم يجدون أنفسهم نهبا لثقافة وفكر الغير المنتشر كالنار في الهشيم في كل تفاصيل حياتنا وعلى سبيل المثال
- عدد القنوات الفضائية في العالم حوالي 12000 قناة
- عدد القنوات الموجهة للجمهور العربي حوالي 1400 قناة
- القنوات باللغة العربية التي تقدم مواد إباحية 112 قناة
- عدد وإمكانيات الفضائيات التي تبث بلا توقف مواد فيلمية غربية مترجمة للعربية تقدم الثقافة الغربية وصور الحياة والنمط الغربي للعيش بشكل متواصل وغياب ذلك كليا عن تقديم مواد عربية مترجمة وموجهة للغرب وكأننا نقر أن لا شيء لدينا لنقدمه للغير بما يعني الإقرار من قبلنا أن ثقافة الغير قادرة على الوصول إلى أبناءنا أكثر من ثقافتنا وفي دراسة بعنوان اتجاهات طلبة الجامعات الفلسطينية نحو مشاهدة المسلسلات الهندية المدبلجة على قناة Zee Alwan الفضائية، عرض نتائجها الباحث ادهم حسونة، أكد أن الدراسة كشفت أن نسبة الذين يشاهدون المسلسلات بصورة منتظمة أو غير منتظمة 86.7 %. .
- وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت الغربية بما فيها الإسرائيلية الموجهة للشباب الفلسطيني تحديدا والتي تبث مواقع إباحية لا حدود لها
- المواد الفيلمية الموجودة على مواقع الانترنت بكل تلاوينها تكاد المشاركة العربية الموجهة فيها لا تذكر على الإطلاق مقابل ما تحوي من مواد مصنوعة خصيصا لصالح ترويج وتسويق الفكر الغربي والرأسمالي تحديدا بشكل ممنهج.
- كثرة المواد الدعائية التي تبث بوسائل الإعلام والاتصال المختلفة بما في ذلك أدوات الاتصال البصري والسمعي المنتشرة في كل مكان.
- الدور الذي باتت تقوم به أجهزة الهاتف النقال من وصل الشاب بشكل متواصل مع العالم بلا توقف
- ظهور أمراض العالم الافتراضي ومن بينها الإدمان على الانترنت والاغتراب والانزواء والرغبة بالهجرة والهروب من الواقع نحو الصورة الأجمل التي تقدمها وسائل الاتصال والتواصل الحديثة والمباشرة والمتواصلة بلا توقف.
قالت لي والدتي رحمها الله أن والدي رحمه الله قد قرأ الأذان في أذني بصوت مسموع لحظة ولادتي وحين سألته لماذا فعل ذلك أجابني ببساطة حتى تسمع كلام الحق وتميزه عن غيره من الكلام وبعد سنين طويلة سألت احد رجال الدين عن ما فعله والدي فأجابني حتى لا تسمع إلا كلام الله سبحانه ولست أشك أن والدي أراد بكلمة الحق اسم الله سبحانه كما أراد رجل الدين ذاك لكن الفارق كبير بين التعبيرين فإرادة التمييز بين الحق وغيره هي إرادة طيبة ومنطقية ولا تلغي عقلك بل على العكس من ذلك هي تعطيك القدرة على الفرز بين القمح والزوان مما تأكل ثقافة أو خبزا بينما أراد رجل الدين أن يلغي عقلك الذي أراده الله لك ليعمل وينتج لا لتجمده داخل جلدة راسك بلا نفع ومن هنا تبدأ سلطة الثقافة التي ترافقك منذ كونك متلقيا مطلقا إلى أن يصبح بإمكانك أن تكون مشاركا, لتقع بين دورين للثقافة دور يدعو إلى الانفتاح والإبداع والتجديد بهدف الوصول إلى الحق عبر الفعل وتطويره ودور يلغي عقلك لصالح ما يقول مكتفيا بالادعاء أن قوله هو الحق وانه وحده من يملك الحق بادعاء النطق باسم الحق وتفسير ذاك النطق, فالثقافة ليست حذلقات لغة ولا كلاميات ولسانيات بل هي منتج بكل ما تعني الكلمة المادية من معنى بل هي أساس المنتج الذي تمهد له الفكرة لكي نشتري البذور مثلا وهذا السلوك منذ بدء التفكير بالشراء حى سلوكه كان علينا أن نكون فكرة واضحة عن أي بذور نريد وما هي مواصفاتها ومن أين سنشتري ومن الذي سيشتري إلى تخزين البذور وطريقة ذلك وأين ومتى وكيف ومن إلى أن نصل إلى زراعة البذور لنجد أنفسنا نكون ثقافة وذهنية أيضا جديدة ومتطورة عما قبل وتجيب من جديد عن نفس التساؤلات. من الذي سيزرع اليد أم الآلة؟, وهل هي الآلة التي استخدمناها فيما سبق أم أن هناك آلة جديدة وإذا كان هناك آلة جديدة فمن تعلم على استخدامها وما هي الاحتياجات التي علينا توفيرها لها لتقوم بمهمتها وما مدى نجاحها وما الفائدة المرجوة منها وهكذا إلى أن نعود للبذرة من جديد ونكرر الفعل في العام القادم بطريقة أفضل أو أسوا وذلك مرهون بكيفية إشغال فكرنا مع فعلنا وعلاقتهما معا.
منتج الثقافة الحقيقي إذن هو منتج السلعة الضرورية لحياتنا دون أن يدعي ذلك أو حتى دون أن تعنيه صناعة الثقافة في الأصل بقدر صناعة السلعة بينما يقوم المثقف بقراءة الفعل الثقافي المادي على الأرض وتحويله إلى صورة أو كلمة أو رسم أو حركة أو خطة أو رؤيا أو اختراع جديد ليقدمها للمنتج نفسه وسيلة لتطوير أداءه على الأرض بهدف تطوير سلعته ليعاود إنتاج الثقافة من جديد ليقرأها المثقف من جديد ويعاود صياغتها مرة جديدة بحلة جديدة متجنبا ما كان ينقصها قبل دخوله مختبر المنتج الحقيقي للفعل الثقافي, وهكذا فدور ومكانة المثقف ليس حكرا على ذلك المتحذلق باللغة بل هي أوسع بكثير لتشمل كل الفاعلين بإنتاج وسائل وأدوات العيش أيا كانت إلى أن وصلنا اليوم إلى اقتصاد المعرفة الأكثر رواجا بعد الثورة الرقمية وعصر الانترنت وتحويل الأرض إلى شاشة هاتف محمول يشاركك غرفة نومك مما يجعل المنتج الثقافي يلغي إلى حد بعيد المنتج المادي بل ويسبقه ويتقدم عليه إلى أن أصبح اقتصاد المعرفة الأكثر ربحية ورواجا في عصرنا هذا ليتبين لنا حجم ومدى سلطة الثقافة على العقل البشري وفعله في آن معا.
لا احد إذن يمكنه الانفراد الآن بفعل الحياة وبالتالي لا احد يملك الحق بالسيطرة عليها وعلى مكوناتها وفي مقدمتهم صناعها أي البشر وهو ما يعني أن لا بديل إذن عن الحياة المدنية والمجتمع المدني ودولة المواطنة ولا بديل عن تكريس وتفعيل القيم المدنية والثقافة المدنية القائمة على تشريع كل الأبواب والشبابيك وفصل الغث عن السمين مما قد تحمله ريح الدنيا لبيتك ممتزجا بما يتفاعل أصلا في داخل هذا البيت فتطوير إلى ما لا يلغيها بل يحسنها ويجعلها أكثر فاعلية وقدرة على التطور والمواصلة بينما إبقاءها على حاله سيلغيها مع مرور الزمن ويحولها كالزائدة الدودية في جسم الإنسان لا أهمية تذكر لوجودها ويمكن التنازل عنها بأقل ضرر ممكن عند الحاجة دون أسف.

 

بقلم
عدنان الصباح