محسن الأقرع... مناضل تحرمه أوراقٌ ثبوتية من حق العودة

ثلاثون عاماً تكفي في كل المقاييس كضريبةٍ وكتضحيةٍ من أجل المبادئ والوطن، إن كان المطلب الوحيد هو العودة لأرض فلسطين واستنشاق عبير ترابها، ثلاثون عاماً هي عمرٌ حدث فيه الكثير وكان أحدهم غائباً عن كل شيءٍ إلا عن الحنين، وهو عمرٌ غائب بسبب إجراءٍ بسيطٍ توقف تنفيذه منذ دهر.

الحاج محسن إبراهيم باسم أقرع(61عاماً)، يحمل بطاقةً زمنيةً نادرة، فلسطيني الأصل، وسوريٌ منذ 30 عاماً تقريباً، ولد في بلدة قبلان إلى الجنوب من نابلس، وعام 1985، عامٌ مختلفٌ بالنسبة للحاج محسن، عامٌ وضع حداً لسجله النضالي وتضحياته التي قدمها لوطنه وساعده في ذلك تواجده في صفوف الجبهة الشعبية.

الحاج محسن كان متواضعاً، قال بأن ما قدمه لوطنه هو ما يقدمه الشباب الفلسطيني كل يوم، حين يحمل روحه على كفه، ولكنه حين وصل إلى ذلك العام تحديداً(1985م) توقف برهةً وبلع ريقه، ففي ذلك العام تعرض إلى إصابةٍ أفقدته بصره.

محاولة اغتيالٍ إن صح القول وتفجير السيارة التي كان يستقلها برفقة عددٍ من زملائه، في الوقت الذي كانت مهماتهم النضالية مشتعلة في لبنان، ذلك العام حمل في طياته مجزرةً لا يمكن أن تنساها العيون ولا الذاكرة، صبرا وشاتيلا هي عنوانٌ آخر لميلادٍ مختلف، على الأقل هكذا كانت بالنسبة للمناضل محسن ، ففي ذلك العام تم تفجير السيارة التي كان يستقلها، وكتبت له حياةٌ نادرة ، يتمنى بينه وبين نفسه لو أنها لم تحدث رغم إيمانه العميق برب العالمين.

فور الإصابة قامت الجبهة الشعبية بإرسال المناضل محسن إلى هنغاريا لتلقي العلاج، ويتذكر أنه وفي ذلك الوقت تحديداً احتجزت الجبهة جواز سفره، ولم يكن تلقي العلاج في تلك البلاد بالنسبة للحاج محسن سهلاً فقد كان يجب على حد قوله أن ينال العلاج في إسبانيا كما فعل لاحقاً.

يقول : كنت أتناول 45 حبة دواءٍ في اليوم، ومن المعروف أن الإصابة التي تعرضت لها يجب أن يتم إرسالها إلى إسبانيا لكن الظروف وقتها لم تكن سانحة، وعندما سمحت قال الأطباء الإسبانيون لي أن علاجي الأخير ساهم في فقدان بصري نهائياً، فقد كان هناك فرصة لتجنب الأسوأ ولكني راضٍ بقضاء ربي .

يضيف : عيوني ذهبت وكل أمرٍ من الله له حكمته، لكني بحاجة إلى من يساعدني على استعادة جواز سفري المحتجز لدى الجبهة، مع العلم أنني كنت تحدثت مع الأمين العام للجبهة الشعبية في ذلك الوقت أبوعلي مصطفى وقد وعدني بحل هذه المشكلة، لتشاء أقدار رب العباد ان يودع هذه الحياة بعد هذا الوعد بأيام".

الحاج محسن الأقرع بحاجة إلى جواز سفره الأردني المحتجز لكي يستطيع العودة إلى بلاده ورؤية أمه بعد انقطاعٍ دام سنوات طويلة، وبالنسبة لوطنه فلسطين دخوله دون الحصول على رقمٍ وطني يثبت هويته أمرٌ مستحيل، وأوراقٍ ثبوتية من الصعب الحصول عليها دون تدخلٍ رسمي.

شقيقه صالح الأقرع(64عاماً) يؤكد أن سنوات طويلة مضت منذ رأى شقيقه للمرة الأخيرة ، ويخشى أن ينقضي العمر دون أن يراه، كما يؤكد على أن التضحية التي قدمها شقيقه تستوجب وقفةً من أجل تحقيق حلمه اليتيم وهو العودة إلى وطنه فلسطين.

حي سحناية في سوريا هو المحطة التي يقيم المناضل محسن فيها حالياً، في قلب الحرب القائمة، وترافقه في ذلك زوجته منذ حوالي السنة، وقد رزقه الله طفله "محمد" منذ أيامٍ قليلة، وهو يود أن يشتم طفله رائحة تراب وطنه فلسطين.

زوجته الثانية، سورية الأصل زينب زهير الطير تقول بأن فقدانه لبصره لم يمنعها من الارتباط به أو التفكير في رفض ذلك، فهي تؤمن أن من واجه جرحاً وظلماً كهذا لا يمكن أن يذيقه لأحد، كما وتؤكد أن فلسطين وطن زوجها ووطنها أيضاً، ويجب أن يعود إليها لأن 30 سنة هي أكثر من كافية.

خلال الحديث مع الحاج محسن الأقرع أكد لي أنه يتحمل جبالاً من الهموم، فقضيته تبدو ضئيلة أمام قضية ابنته المحتجزة على حدود مقدونيا إثر الهجرات السورية والتي لا تستطيع الوصول إلى زوجها في الطرف الآخر، وعلى الصعيد الشخصي، يتمنى أن تتحقق أماله ويعود إلى وطنه قبل أن يسلب منه العمر بقيةً من أمل..... تقرير نقلا عن موقع "القدس" دوت كوم

المصدر: نابلس - حياة دوابشة -