لم ولن ينسوا

بقلم: مصطفى البرغوثي

شدت انتباهي أجوبة الأطفال اثناء مشاركتنا يوم الجمعة الماضي في ماراثون مخصص للأطفال في مدينة رام الله تحت عنوان، "اين الطفولة ؟" ، والذي نظم بهدف شد انتباه العالم الى معاناة الأطفال الفلسطينين والى الطفولة الضائعة منذ عقود من سنوات الاحتلال والنكبة والاضطهاد العنصري.

الأجوبة جائت كالسيل ردا على سؤال واحد ، من أين أنتم ومن أين جئتم؟ . ولعل السائل كان يريد أن يعرف في اي حي او قرية يعيش هؤلاء اللأطفال الذين جائوا مع عائلاتهم للمشاركة في انتزاع لحظات سعادة ونشاط ، رغم الحصار المفروض على حرية حركتهم بالحواجز والتنكيل.

الأجوبة كانت دون تردد ( من اللد، من يافا، من عمواس، ومن بيت نبالا)

لم ينسوا ، ولن ينسوا. ونتنياهو يعلرف ذلك . ولهذا كان جل خطابه في الأمم المتحدة مكرس للهجوم على اصرار الفلسطنين على تذكر نكبتهم وتمسكهم بحقهم في العودة ، من خلال الادعاء ان الاستيطان ليس المشكلة وان الفلسطنين يرفضون الاعتراف باسرائيل ، ويعبرون على ان تل ابيب " مستوطنة" .

نفس الكلمات استعملها موشية يعلون في مقال له ظهر في نفس اليوم، رغم معرفة كليهما بأن منظمة التحرير التي يعترفون بها كممثل للفلسطينين اعترفت في اتفاق اوسلو باسرائيل ، في حين لم تعترف اسرائيل بدولة فلسطين . وذلك احد مأسي ذلك الاتفاق . وهو ما أشار له الرئيس الفلسطيني في خطابه امام الأمم المتحدة .

لا يستطيع نتنياهو ان يقدم سببا للاستمرار بالاستيطان في الضفة الغربية سوى الأدعاء بأن هذه ايضا ارض " اسرائيل" ، وانه يريد تكرار ما فعله بيافا وحيفا وعكا بمدن الضفة الغربية وقراها.

ولذك يتحدث يعالون عن عبثية محاولة الوصول لحل سياسي لإنهاء ما يسميه ( الصراع الفلسطيني – الأسرائيلي) ، ويطرح كبديل " بادارة الصراع" . ويريد بكلماته " التركيز على بناء المجتمع الفلسطيني من اسفل الى اعلى من خلال الاقتصاد والبنية التحتية وانقاذ القانون والحكومة".

أي ان خطة نتنياهو ويعالون هي استكمال تهويد الضفة الغربية وضمها التدريجي لأسرائيل ، وحشر الفلسطنينين في معازل وبانتوستانات ، ثم كي وعيهم ليقبلوا ليس فقط بنسيان ما جرى عام 1948 وبالتالي التخلي عن حق العودة ، بل والقبول بسيطرة النظام الصهيوني الأسرائيلي على حياتهم وافكارهم وثقافتهم.

وهو يقر بأنه في ظل النعيم الأمني الذي تحظى به اسرائيل بسبب اوضاع المنطقة ، فأن المعضلة الوحيدة هي القضية الفلسطينية التي يريدون اما تصفيتها او احتواءها.

نقطة الضعف الجوهرية في هذا المخطط الصهيوني انه أولا لا يفرأ التاريخ ولا يريد ثانيا ان يفهم مغزى ومعنى التمسك الأسطوري للشعب الفلسطيني بقضيته الوطنية، وإن وجد بعض المتراخين في الدفاع عنها.

وأصحاب هذا المخطط لن يستطيعوا ابدا ان يفهموا لماذا يبدو ابناء وبنات الجاليات الفلسطينية في الشتات اليوم أكثر تمسكا بقضيتهم واندفاعا والكفاح من اجلها من جيل أبائهم وهم طبعا لن يستطيعوا ان يفهموا ابدا لماذا يجيب طفل فلسطيني في رام الله عمره ست أو سبع سنوات على سؤال من أين أنت ، بالقول أنه من اللد التي لم يراها ولكنه لن ينساها ابدا.

لم ولن ينسوا ، هذه هي المعضلة التي لا يمكن لقوة عسكرية أو أحتلال مهيمن او سطوة مستعمر ان تتجاوزها.

بقلم/ د. مصطفى البرغوثي