خصصت أميركا بعد اتفاقية كامب ديفيد مع مصر مساعدات عسكرية واقتصادية لكل من إسرائيل ومصر. خُصص للكيان حوالي ثلاث مليارات دولار كمساعدات عسكرية واقتصادية، ولمصر حوالي مليار ومائتا مليون دولار على الرغم من أن سكان مصر أضعاف سكان الكيان. وتم بعد ذلك وبالتحديد عام 1998 التوصل إلى تفاهم بين إسرائيل وأميركا تقدم بموجبه أميركا مبلغاً مقداره 21.3 مليار دولار على مدى عقد من الزمن كمساعدات عسكرية واقتصادية، وتم عقد تفاهم جديد عام 2007 تبلغ قيمته 30 مليار دولار وتنتهي مدته عام 2018. ومنذ عدة أشهر والمفاوضات جارية بين الإدارتين حول تفاهم جديد خرج إلى النور قبل فترة وجيزة وقيمته 38 مليار دولار كمساعدات عسكرية فقط، وتنتهي مدته عام 2028. بمقتضى هذا التفاهم يحصل الكيان على ثلاث مليارات وثمانمائة مليون دولار سنويا، بزيادة سبعمائة مليون دولار عن سنوات التفاهم السابق.
هذا وقد جرت العادة على قيام الكونغرس الأميركي بتخصيص أموال إضافية للدفاعات الصهيونية. فمثلا تم تخصيص حوالي 500 مليون دولار عام 2015 إضافية من الكونغريس للمشاركة في تمويل صاروخ حيتس المضاد للصواريخ وللقبة الحديدية التي من المفروض أن تصد صواريخ المقاومة العربية في فلسطين ولبنان.
شروط التمويل
حسب ما نشر في وسائل الإعلام، هناك شروط لهذا التمويل الأميركي اشترك الطرفان في وضعها ومنها: يتم توفير الأموال للكيان في أول ثلاثين يوماً من السنة المالية، ولا يدفع مبلغ المساعدة على أقساط، وللكيان أن يعقد صفقات أسلحة ويدفع بالتقسيط بدل الدفع الفوري، وهذا يشكل تسهيلاً مالياً مهماً لم تحظ به أي دولة من قبل. واشترطت الإدارة الأميركية على أن يتم شراء الأسلحة من مورّدين وشركات أميركية، ولا يخصص الكيان ربع المبلغ لشراء أسلحة من شركات التصنيع العسكري الصهيوني. واشترطت أيضا ألا يلجأ الكيان إلى الكونغرس للحصول على مبالغ مالية إضافية. أما الكيان فكان مهتماً بأن يتم حصر المساعدات المالية بالأمور العسكرية دون الاقتصادية، ولهذا جاء التفاهم الحالي مقتصراً على الدعم العسكري فقط. الكيان مهتم بتخصيص الأموال للأمور العسكرية لكي يملك حرية المناورة في شراء ما يراه مناسباً من الأسلحة الأميركية الحديثة، ولكي يبقى متفوقاً عسكرياً على العرب. أما الأمور الاقتصادية فيتمكن الكيان من جمع الأموال إن لزمت من أطراف دولية عديدة، ومن أثرياء يهود عبر العالم.
أسباب الزيادة في المساعدات
رفع قيمة المساعدات المالية الأميركية للكيان يشكل منهجاً سياسياً أميركياً، والكيان الصهيوني يستعمل الكونغرس عادة لدفع الإدارة الأميركية نحو مزيد من المساعدات. أميركا شريك قوي في إرهاب العرب، وهي تستعمل اسرائيل كوكيل إرهابي يبسط أذرعه على الوطن العربي والأمة العربية.
من ناحية أخرى، يواجه الكيان الآن أعداء مختلفين عن الأنظمة العربية التي تلقت هزائم متكررة على يد الكيان الصهيوني. هناك الآن مقاومة فلسطينية في غزة، ومقاومة لبنانية في الجنوب اللبناني، وهما تتقنان التكتيكات العسكرية الضرورية للتنظيمات المسلحة. لقد أذاق حزب الله عام 2006 اسرائيل طعم الهزيمة، والكيان فشل في ثلاث حروب متتالية على غزة. هناك جندي عربي جديد لا يدير ظهره للرصاص، وهو صامد وصاحب عقيدة صلبة، ولا تراوده وساوس الهزائم ويصر على النصر. في رأي الإدارة الأميركية أن الكيان يحتاج إلى مزيد من الإعداد والاستعداد لمواجهة حركات المقاومة التي تكتسب المزيد من القوة. هذه المقاومة تتلقى دعماً عسكرياً ومالياً من إيران، ومن المتوقع أن ترتفع قيمة المساعدات الإيرانية هذه بعد رفع العقوبات عنها، وتزايد نشاط إيران على الصعيد التجاري العالمي. ويجادل الخبراء العسكريون الصهاينة أن الاتفاق النووي مع إيران يكلف كيانهم الشيء الكثير بخاصة أن إيران قد تعيد تشغيل أجهزة الطرد المركزي بعد عشر سنوات من توقيع الاتفاق، وهي تستمر أيضا بتطوير قدراتها الصاروخية والتي تهدد وجود الكيان. ولهذا يرى هؤلاء الخبراء أن الكيان يحتاج المزيد من التمويل لتطوير أدوات جديدة لمواجهة الخطر الإيراني.
اسرائيل تحسب حساباً لكميات الأسلحة التي تشتريها الدول العربية بخاصة الخليجية. وهي مطمئنة إلى أن البلدان العربية قد تشارك الآن مع إسرائيل في حرب قد تنشب ضد المقاومة العربية، لكن الزمن غير مضمون بخاصة أن هذه الدول غير مستقرة ويمكن أن تتعرض بسهولة لهزات تؤدي إلى تغيير نظام الحكم. ومن الممكن أن تفرز الهزات أنظمة سياسية معادية للكيان وتستعمل الأسلحة الأميركية ضده. فمن قبيل الاحتياط، تطلب اسرائيل المزيد من الأموال حتى لا تحصل مفاجآت خلال الحرب هو ليس مستعداً لها.
كما أن اسرائيل تطورالآن استعدادات جديدة ضمن ما يسمى بالدفاع المدني. وهي تحسب حساباً الآن للمدنيين في شمال فلسطين. جيشها يتدرب على حرب المدن، وعلى طرد عناصر حزب الله من المدن الشمالية، وعلى نقل المدنيين بسرعة إلى أماكن آمنة، الخ. هذه جهود تتطلب نفقات هائلة، ولا بد من رفع منسوب المساعدات الأميركية.
الدور العربي في التمويل
الأموال المخصصة لاسرائيل هي من جيوب دافعي الضرائب الأميركيين، لكن من المحتمل أنها ليست كذلك وإنما من جيوب العرب بطريقة أو بأخرى. أميركا تستطيع جباية أكثر من 38 مليار دولار كضرائب من شركات التصنيع العسكري التي تبيع أسلحة للعرب. خلال عشر سنوات، ووفق مستويات شراء الأسلحة الأميركية من قبل العرب، تجني حكومة الولايات المتحدة مليارات الدولارات كضرائب على مبيعات وأرباح الشركات التي تورد الأسلحة، وبهذا تكون الولايات المتحدة قد عوضت ما تدفعه لإسرائيل كما أن أميركا تجبي ضرائب بسبب الإستثمارات العربية في أميركا، وتستفيد من الأموال العربية الموجودة في المصارف والمؤسسات المالية الأميركية. وكما يمول العرب حروب أميركا ضد العرب وأفغانستان وإيران ، هم يمولون الكيان الصهيوني ليبقى مهيمناً عسكرياً على الوطن العربي ومواطنيه.
د. عبد الستار قاسم