مرة أخرى، تصرف السياسي الفلسطيني محمد دحلان بمهارة فائقة في ساحة السياسة الفلسطينية، يسجل هدفاً نظيفاً في مرمى قيادة حركة فتح التي ستلتئم في إجتماع مفصلي مع نهاية سبتمبر الحالي، سجّل موقفاً تاريخياً يحسب له، يكشف من جديد عن حنكة ومسؤولية القائد السياسي أمام منعطفات هامّة قد تعصف بحركة وطنية ذات تاريخ وجذور، يغلق الطريق على مغامرات رئيسها الذي أحرق سفناً مع العرب، وقبلها مع معظم مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية، ليعيش حالة قطيعة مع الأغلبية العظمي من أبناء الشعب الفلسطيني، وضاقوا ذرعاً بهذه المغامرات واستبشروا خيراً في جهود الرباعية العربية وخارطة الطريق يحاول من خلالها العرب مساعدة الفلسطينيين في إعادة ترميم النظام السياسي الفلسطيني الذي أصابه العطب منذ زمن، وصل إلى حافة الإنهيار في ظل حكم الرئيس محمود عباس.
وحدة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، ليس شأناً فتحاوياً، من يعتقد ذلك مخطئ أو يتجاهل الحقائق، فسقوطها في الإنتخابات التشريعية عام 2006 وقبلها في الإنتخابات البلدية أغرق الشعب الفلسطيني في وحل أزمات لا متناهية، سياسياً أزمة المشروع الوطني وهدف التحرر من الإحتلال الإسرائيلي، وفشل المفاوضات وتجربة اتفاق أوسلو الذي تحوّل من إتفاق سياسي إقتصادي أمني إلى إتفاق أمنى بحت كوظيفة وحيدة تمارسها السلطة كخدمة رخيصة للإحتلال وبلطجة على الشعب الفلسطيني تحت حكم الإحتلال ، واجتماعياً حيث حالة تفكك خطيرة لم يشهد لها المجتمع الفلسطيني مثيلاً منذ النكبة حتّى الآن، بل كان في ظل النكبة أكثر تماسكاً ومتسلحاً بالأمل، واقتصادياً حيث تعيش العوائل الفلسطينية غزوات متكررة شرسة على قوت أبنائها حرمتها من سبل العيش الكريم، تزامناً مع انهيار كبير في الإقتصاد الوطني الفلسطيني الذي هيمنت على مفاصله عصابة من ذوي النفوذ والقدرة العالية على تجنيد السلطة والأمن والرئيس خدماً لنهمهم أو شركاء في غنيمتهم مستفيدين من حالة الفوضى وغياب القانون وزحمة الضغوطات التي يعيشها أبناء الشعب الفلسطيني.
ما يجري في حركة فتح يعني الجميع، الفلسطينيون والعرب، يتداخل فيه الوطني والقومي، مساحته تبدأ من مريض في قطاع غزة يبحث عن فرصة للحياة تحجبها عنه وزارة الصحة إلى دول مجاورة وصديقة تبحث عن استقرار على حدودها ويهمها أمنها القومي، بقدر حرصها على وجود نظام سياسي فلسطيني قادر ومؤهل لحكم الشعب الفلسطيني وإدارة قضاياه ، لا يلقي بعجزه وقلة حيلته في وجه العرب والعالم، ويعود ليكرر نفس التجربة والأخطاء ويحتمي بشعارات إستقلالية القرار الوطني!
دعوة القيادي محمد دحلان لإجتماع حركة فتح جادّة ومسؤولة، يجب أن تقابلها خطوات من طرف الرئيس محمود عباس، رغم قناعتي أن الأخير هان عليه كل شيء، يريد لحركة فتح أن تصبح أطلالاً يبكي عليها الجميع، باعتبارها حاملة مشروع وطني وما زالت تحمل هذه الصفة، لها دوراً مركزياً في العمل الجبهوي منذ تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية حتى الآن، يريد مسخها مع تاريخيها لصالح مشروع السلام الإقتصادي الذي بدأت أمارة قطر وتركيا بالتحضير والتنظير له ووجدت فيه إسرائيل ضالّتها التي بحثت عنها بعد سقوط مشروع روابط القرى في سبعينات القرن المنصرم.
أبناء حركة فتح وبعض الأحزاب السياسية وقطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني أدركوا هذا التحول الكبير، لهذا كانوا سعداء بتأجيل الإنتخابات البلدية، وأحيت فيهم الأمل مبادرة الرباعية العربية، بعد تولّد في وعيهم شعور جماعي بالخطر الداهم الذي يتطلب تدخلاً عربياً لمعالجة أزمة نظام سياسي فقد أهليته بما لا يدع مجالاً للشك، رئيسه يتخبط ويناور ويهرب كل مرة من كل المعالجات الآمنة التي يقترحها العرب والفلسطينيون وبعض الشخصيات والأحزاب السياسية الفلسطينية إلى قطر.
أمام اجتماع حركة فتح القريب في رام الله، فرصة جيدة قد لا تتكرر، لإصلاح ما يمكن إصلاحه، ومعالجة واعية لأزمة انحراف الحركة عن تاريخها وبرنامجها وعلاقاتها الوطنية والعربية، أين وصلت الحركة ولماذا وماذا تريد؟ وهل باتت حقيقية حركة تحرر وطني فلسطيني حاضنتها الجماهير وتعبّر عن مصالح وموقف الشعب، أم مطيّة لشخص يقاتل بالحركة ومناضليها وتاريخها لمراكمة ثروة عائلية وتحقيق نزوات شخصية وحماية عصابة من رجال المال نفّذوا سطواً على قوت أبناء الشعب الفلسطيني، وعلى أحلامه في الحرية والإستقلال.
بقلم/ محمد أبو مهادي