حين لا ينفع الاعتذار..!

بقلم: نبيل عمرو

المسؤولون ممن يتخذون القرارات، أو يشاركون مباشرة في اتخاذها، ينبغي عليهم تحمل نتائج قراراتهم، فإمّا أن يتنحوا إذا كانت كارثية، وإما أن يغيروا المسار إذا كانوا يستطيعون ذلك.
أما الاعتراف بالخطأ وسوء التقدير والاستمرار في الاتجاه السياسي ذاته، فهذا إن قُبل من كاتب أو مجتهد أو محلل في معهد، فمن غير المعقول والمقبول أن يتفهم لو صدر عن صانع قرار.
وفي عالمنا العربي، حيث أكثر مكان في الدنيا تتخذ فيه قرارات ارتجالية وانفعالية، وتؤدي إلى نتائج كارثية، نلاحظ أن هذه الظاهرة ما زالت مهيمنة على صناعة القرار، وذلك على حساب البديهيات التي تتبعها الدول السوية في إجراء حساباتها، واتخاذ قراراتها في الشؤون الصغيرة والكبيرة.
في عالمنا العربي، تزدهر حكاية النقد الذاتي، ولكن في الوقت غير المناسب، وبعد أن تدفع أثمان باهظة، واللافت للنظر، في هذا التقليد العربي الأصيل، أننا نصفق وقوفا للقرار المرتجل في حينه، ونذرف دموعا سخية جراء الخسائر التي غالبا ما تكون بشرية، إلا أننا في الوقت ذاته، نصفق وقوفا حين يعترف صاحب القرار بخطئه وسوء تقديره، ونهتف عاليا: عاشت الصراحة.. عاشت شجاعة الاعتراف بالخطأ!
وليس إلا في عالمنا العربي من يقبض ثمن الخطأ، وثمن خسائره، وثمن الاعتراف به والاعتذار عنه، ولعل هذا هو مفتاح السر الذي أفضى إلى الربيع العربي، وأفضى منطقيا وفعليًا إلى ما نحن فيه الآن من مآسٍ صفقنا لبدايتها، وها نحن نكتوي بنار تداعياتها، وغموض خلاصاتها، وكم جثة ستلتهم نيرانها في مداها المفتوح على الزمن.
في تونس، احتاج زين العابدين بن علي إلى الاعتراف بأنه فهم شعبه، بعد ثلاثين سنة من حكمه وسيطرته على البلاد والعباد بالجملة والتفصيل، وما اعترف به زين العابدين اعترف بمثله، ولو بصورة مختلفة بعض الشيء، الرئيس بشار الأسد، حين قال في بداية الحرب في سوريا، لقد اتخذ الحزب قرارات إصلاحية، وقررت تأجيل تنفيذها لأن الوقت لم يكن مناسبا، وها نحن نرى نتائج عدم محاولة الإصلاح في الوقت المناسب، التي ستكون في أفضل الأحوال وقف نمو سوريا لعقود طويلة من الزمن، وستكون محظوظة لو عادت بعد هذه العقود إلى ما كانت عليه قبل يوم واحد من الانفجار الشامل.
وذات حرب، وبعد أن دمرت الضاحية الجنوبية في بيروت، ودمرت كثير من الأحياء والقرى في لبنان، قال السيد حسن نصر الله، وبالصوت والصورة، إنه لو كان يعرف أن الخسائر ستبلغ هذا الحد، لما أصدر أمرا بخطف الجنود الإسرائيليين. وكان التهليل والتصفيق لقرار الحرب بحجم التهليل والتصفيق للاعتذار المتأخر عنها.
لا أحد ينكر حق اللبنانيين في العمل بكل الوسائل لتحرير أرضهم، ولكن ذلك لا يفسر، ولا يبرر، بأي حال عدم دراسة الاحتمالات والنتائج.
وبالنسبة للفلسطينيين الذين فرض عليهم الظلم والحصار، وافتراء التفوق الإسرائيلي العسكري، فيتميزون عن سائر بني جلدتهم العرب بأن الخطأ حين يقترفونه، فإنه يساوي في النتائج عشرة أمثال خطأ الآخرين. وما دام الاحتلال البشع يسيطر بقوته الغاشمة على أرضهم وحياتهم، فهذا أدعى للحساب الدقيق من أجل خدمة الأهداف، وليس التخلي عنها. ولا أتحدث هنا عن الحروب مع إسرائيل التي قيل في بعضها مثلما قيل في بعض الحروب مع إسرائيل في لبنان.
إن ما نحن بحاجة إلى قوله هو أن البوح الصريح الذي أفاض به خالد مشعل في الدوحة أخيرا، يجعلني أوجه له رسالة مختصرة من موقع الحرص والصداقة: لقد قلتَ إن حماس استسهلت الاستفراد بحكم غزة، فتبين أن الأمر صعب، وقلت كذلك إن نتائج الانتخابات التشريعية، التي أظهرت فوز حماس، قُرئت من جانبنا على أنها نهاية لعهد فتح، وكان هذا تقديرًا خاطئًا. وسبق أن قيل لك ولحماس قبل عشر سنوات ما قلته قبل أيام، وكما بني على سوء التقدير الكثير الكثير من الوقائع، ولا أحب أن أقول: الكوارث، فما الذي يمكن أن يبنى على بوحك الصريح؟ هذا سؤال لا يجاب عنه بالقول: متأسفون على ما حدث، وسنستمر فيما نحن فيه، فإذا أثبت واقع الحال أن هذا هو الجواب، فما كان ضروريا البوح بالأساس، فإن لم يبنَ على الاعتراف والاعتذار سياسة وإجراءات فورية باتجاه مختلف، فلا جدوى، ولا فائدة.
نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني