من يتابع الاحداث يؤكد ان فلسطين تكتب مجدها بمواصلة انتفاضاتها وهباتها الشعبية المتواصلة ، وما بين انتفاضة الاقصى وانتفاضة القدس اليوم علاقة نضال متواصلة ، لأن هذا الشعب العظيم يدرك رسالته جيدا رغم تأزم الوضع الداخلي الفلسطيني بسبب رهان البعض على مسار مفاوضات عقيمة ، ورهان البعض الاخر على استمرار الانقسام ، وفي ظل اوضاع عربية للاسف ابعدت القضية الفلسطينية عن اجنداتها ، وبعضها يريد التدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي بدلا من السعي لدعم حقوق الشعب الفلسطيني ونضاله وصموده ، الا ان انتفاضة شابات وشباب فلسطين ومعهما الحركة الاسيرة المناضلة يخطو خطواتها مزهوة بأكليل الغار لتسجل للشعب الفلسطيني في كتاب التاريخ ملاحم جديدة لنصره المؤزر الحتمي الاكيد.
من هذا العام بتحدياته الشرسة ومؤامراته الخطرة، في ظل محاولات العدو فرض شروط الاستسلام على الشعب الفلسطيني وعلى الامة العربية، تلك الشروط الصهيونية الامبريالية الاميركية التي يريدونها وصمة عار وذل لاجيالنا المقبلة تحت اعقاب الغزاة الجدد ، ونير وسيطرة خططهم واطماعهم التوسعية الامبريالية الصهيونية الهمجية على المنطقة وشعوبها ، الا ان ارادة المقاومة والصمود والتضحيات ستفشل مخططاتهم .
ان الشعب الفلسطيني الذي اختار طريق النضال وخيار الدفاع عن نفسه ومقاومة الاحتلال، اكد في هذه الرسالة على اهمية تنوع مسيرة ونضاله باساليبها واشكالها الكفاحية والدبلوماسية والسياسية ، بخطوط متوازية ومنها استعادة الطابع الشعبي والجماهيري للانتفاضة بعد انكفاء الجماهير عن النزول للشارع والاشتراك بالمقاومة الشعبية والتضامن مع اضراب الاسرى، فالانتفاضة اليوم ترسم خارطة فلسطين وتحظى بتقدير واحترام ومساندة غالبية المجتمع باعتبارها ثورة شعب ضد الاحتلال، وهذا يتطلب من القوى السياسية والاجتماعية والنخب السياسية والفكرية قبل غيرها اعطاء الاهمية لصمود وتطلعات الشعب الفلسطيني نحو العودة والحرية والاستقلال والبناء الديمقراطي الحقيقي وردم التفاوت القائم بينهما، فالشعب يتسامى على جراحه ويقدم التضحيات ويجزل العطاء ويتفوق على ذاته في ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد، وفي المقابل يجد قيادته السياسية والاجتماعية عاجزة عن توحيد قواها وعن التصدي لمظاهر الفساد السياسي والمالي والاداري الذي يلحق افظع الضرر بصموده وغارقة في احيان كثيرة في حسابات فئوية على حساب المصالح الوطنية.
ان هذه العوامل الذاتية والظروف الموضوعية تعقد الوضع الفلسطيني في هذه المرحلة التاريخية التي تعبر فيها انتفاضة الشعب الفلسطيني عامها الثاني وبعد مرور ستة عشر عاما على انتفاضة الاقصى ، ولان العلاقة جدلية بين الذاتي والموضوعي وبين الصمود والمقاومة وترتيب البيت الفلسطيني واسترداد المبادرة السياسية وتعزير صمود الشعب ومتابعة انتفاضته بشروط افضل وبما يضمن متابعة مسيرته الكفاحية لتأمين شروط التسوية السياسية الكفيلة بانهاء الاحتلال وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وكل هذا بات رهنا بمدى القدرة على اعادة النظر بأداء وادوات وقدرات الجميع لبناء استراتيجية عمل موحدة في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة.
ان انتفاضة ومقاومة الشعب الفلسطيني تكبر، تشتد وتتألق، رغم كل الحسابات والتوقعات للمخططات المشبوهة المعادية، كبيرة بحجم الوجود، واضحة بقوة الحقيقة، دافعة في المسار التاريخي والتطور الطبيعي والحتمي، الرسالة الحضارية والتقدمية لمسيرة الثورات ضد جميع اشكال الظلم والقهر والاستبداد، تتجمع حول شاباتها وشبابها، كل احرار العالم ، هذه، نقطة الانعطاف في هذا المجرى الحضاري والتقدمي في هذه المنطقة، بكل ما تعنيه هذه المنطقة لاعدائنا، في موقعها الاستراتيجي ومخزونها النفطي واحتياطها الاقتصادي، ولذا كان علينا ان نفهم السبب الدفين لهذا التكالب الشرس الذي يحاول ان تبقى هذه المنطقة فريسة سهلة لمشاريعه، حيث يمارسوا خبراتهم الجهنمية لنهب خيراتها وثوراتها من دون رقيب او حسيب، بل بمساعدة القوى الرجعية العربية، الذين اعمتهم العمالة فراحوا يفرشون الارض، باتفاقات ومعاهدات مسمومة يسير عليها اعداء الامة العربية، يغرزون فيها خناجرهم المسمومة ويفرضون عليهم سيطرتهم الكاملة، تحت شعارات السلام المزيف المبرمج والمخطط له، والذي يشكل خطرا داهما ليس على فلسطين وحدها، وليس على الشعب الفلسطيني فقط، وليس ضد المقاومة العربية بمفردها، ولكن ضد الشعوب العربية ومستقبلها ومصيرها.
وفي ظل الظروف التي نعيشها نلمس الدور الذي تلعبه بعض الانظمة العربية من خلال التطبيع مع العدو الصهيونى لتدخل فى مرحلة ما بعد التطبيع بالمشاركة في جنازة مرتكب مجازر قانا والشاهد على جرائم ومجازر العدو الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني الارهابي بيريز ، وهنا السؤال هل نحن امام مرحلة التصهين التى بدأت تتشكل معالمها صراحة فى المشاركة العربية في جنازة سفاح ، مما يؤكد على شرخ عميق جدا فى الهوية العربية ،وبات واضحا أن مصطلح التصهين سيتسقر فى الادبيات السياسية الحديثة بعد التطبيع حيث تترجم عمليا عبارة جديدة مفادها ،الكرسي مقابل السلام أو بقول أكثر دقة الكرسي مقابل التصهين.
وامام ذكرى الانتفاضة نقف امام غياب رمز النضال العربي المناضل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر التي قال لقد وجدت المقاومة الفلسطينية لتبقى ولتنتصر، هذا المناضل الكبير الذي سقط شهيداً قومياً عربياً ووطنياً مصرياً ومقاوماً فلسطينياً على أرض الصراع والمواجهة ضد الاستعمار قديمه وحديثه وضد اغتصاب فلسطين واستعمارها واستيطانها وضد التجزئة والتمزق، إنه العزة والكرامة، فافكاره ورسالته ما زالت حية في ضمير كل عربي من المحيط إلى الخليج سواء كان حاكماً أو مواطناً، لأن مبادىء جمال عبد الناصر هي المبادىء التي على أسسها تنهض أمتنا العربية وتأخذ مكانها تحت الشمس ، من اجل عزة الأمة العربية ووحدتها وكرامتها ومن اجل طرد قوى الاستعمار والاحتلال من المنطقة وفلسطين، ولا مكان بعد اليوم للمستعمرين والمحتلين والغزاة، فهذه الأرض عربية ولن يرفرف فوقها إلا علم الأمة العربية الخفاق وعلم فلسطين فوق مآذن القدس .
وهنا لا بد من الدعوة الجادة لانهاء الانقسام الكارثي وتعزيز الوحدة الوطنية ، والتمسك بخيار الانتفاضة والمقاومة ، حتى يرتفع الصوت الفلسطيني امام العالم اجمع، انه لا سلام ولا امن ولا حل ولا استقرار في هذه المنطقة بالقفز على جوهر المشكلة والاساس فيها، بالقفز على حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية الثابتة، بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير واقامة دولته الوطنية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس فوق ترابه الوطني، تحت قيادته الوحيدة منظمة التحرير الفلسطينية، والتي اعترف بها كافة المستويات الصديقة والحليفة والعربية والدولية، وحت تكون المواقف الفلسطينية اكثر وضوحا بأن دم الشهداء، واستمرار الانتفاضة والمقاومة مستمرة كثورة شامخة ثابتة حتى تحرير الأرض والأنسان .
ختاما : لا بد من القول ان الشعب الفلسطيني سيبقى شامخا في معركة تحرره الوطني من الاحتلال الاسرائيلي ومن الاستعمار الاستيطاني، ولا يمكن ان يتراجع مهما اشتد الخطب وعظمت التضحيات، لان قدره ان يصمد ويضحي ، فلا قيمة للحياة بلا وطن وبلا حرية وبلا كرامة وطنية، وهذا يستدعي استنهاض الهمم والنفوس تحت راية مبادئ وقيم وكفاح المناضل جمال عبد الناصر، ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.
بقلم / عباس الجمعة
كاتب سياسي