"مراية" هو العمل المسرحي الفلسطيني الأول الذي أخرج وأنتج وعرض في اليابان، تدور حبكته حول الفلسطيني الذي ضلّ طريقه وأدى ضياعه إلى حالة فوضى على المسرح، تلتها ارتجالات من الممثلين أبرزت تدريجياً ما هو مشترك بين الشعب الفلسطيني والياباني، من ختم الأونروا الموسوم على كل لاجئ إلى مخيمات اللاجئين اليابانيين الذين نزحوا من فوكوشيما بعد الزلزال الذي أدى إلى تسرب الإشعاعات النووية والزحف الأميركي في مدينة أوكيناوا والجالية الكورية التي تكاد تكون معدومة الحقوق في اليابان.
مخرج العمل وصاحب فكرته إيهاب زاهدة قال لوكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا": "في زحام طوكيو، ضل بطل المسرحية الفلسطيني الطريق، ولم يصل إلى العرض في الوقت الملائم. هذا أمر يكاد يستحيل حدوثه في اليابان، فيخرج الممثلون إلى الخشبة على أمل أن يصل في موعده، وعندما لا يحدث ذلك، يخرجون صارخين وتبدأ الأحداث بالتطور فنرى جميع مشكلاتهم من خلال أن المسرحية عملياً دُمِّرَت، وتبرز حياة الممثلين وما يحيط بهم من حياة اجتماعية وسياسية واقتصادية في اليابان من خلال جملة "على سبيل المثال"؛ فربما استطعنا استكمال المسرحية من خلال اقتراحات مختلفة مرتجلة وسيناريوهات متخيلة: "على سبيل المثال لو فلسطين غير محتلة، أو لو كان الكوريون لديهم حقوقهم المتكاملة في طوكيو أو لو عاد أبي إلى كوريا ولم أعش جزءاً من الأقليات في اليابان، لكانت الحياة، بشكل ما، أفضل." وهنا تبرز قدرة مواجهة الذات واستكمال الشيء والتجربة."
وأضاف المخرج زاهدة "الكلمات المفتاحية كانت الإصرار والتحدي، ماذا أستطيع أن أفعل وكان هذا حقيقي لأن تجربة الممثلين غير معتادة على التجريب أو الارتجال فهم لم يعملوا في حياتهم سوى على النصوص المسرحية الكلاسيكية المبنية على والحوار والاعتماد على المؤلف او الكاتب المسرحي وما يقدمه من خلال النصوص المقدمة."
لأول مرة فلسطينياً، ينتج عملٌ مسرحي فلسطيني ياباني مشترك برؤية وإخراج فلسطينيين، قام عليه مسرح نعم في الخليل بالشراكة مع مسرح TEE في طوكيو الذي تأسس في الخمسينيات من القرن العشرين، ويختص بالأعمال المسرحية الكلاسيكية العالمية. كان الاختلاف الأول بالنسبة لهم أن العمل مبني على ارتجالات الممثلين فسلك اتجاهاً جديداً نحو المسرح الحديث، والاعتماد على ما قدمه الممثلون من ارتجالات أدت لبناء نص مسرحي متكامل مدته ساعة وأربعين دقيقة.
وأوضح زاهدة أن العمل على المسرحية بدأ بزيارته لجزيرة أوكيناوا اليابانية حيث قدم مسرح نعم مسرحية 3 في 1 من إخراج إيهاب زاهدة أيضا. "في ربيع 2016، تم الاتصال بنا للبداية بعمل مشترك ولم يكن هناك أي موضوع مقترح بوضوح، وتمت دعوتي لأقوم بورشة عمل التجارب الأدائية التي يتم اختيار الممثلين بناء عليها، وعندما عدت إلى فلسطين بدأت بالعمل على فكرة المسرحية، فتشعبت الأفكار بين الجدران غير المرئية بين المدن اليابانية المختلفة وبين آثار تسونامي 2011 الذي أدى إلى تسرب الإشعاع النووي في فوكوشيما وأدى إلى نزوح الكثير من السكان اليابانيين الذين يعيشون حتى الآن في مخيمات اللجوء، وما زالوا يعانون ولا يجدون حلولاً أو استجابة لمشكلتهم.أما أوكيناوا، فهي معسكر أمريكي يتم فيه توسعة المطارات والزحف الأمريكي، كما تحدثت المسرحية أيضاً عن معاناة الأقليات مثل الأقلية الكورية في اليابان."
كانت هذه المشاكل الثلاث التي طرحتها مسرحية مراية على الصعيد الياباني واستدخلت المشاكل التي يعيشها الفلسطينيون. حدث الدمج عند نقطة الالتقاء الإنساني على المستوى اليومي وإيجاد المشترك، "المراية" هي ذات معنى مزدوج؛ حضور المعاناة الفلسطينية دخلت من خلال المواطن الفلسطيني الذي تواجد في طوكيو لهدف إنجاز هذا العمل المشترك، فخرج مشهد ولادة المرأة على الحاجز، في نوع من الذروة الدرامية والصراع من أجل البقاء والحياة؛ مشهد ولادة الحياة على حاجز الموت. كانت جميع المشاهد جماعية، وكان الممثلون جميعا كتلة متماسكة في زيّ مصمم بشكل مبقع بعدة ألوان توحي بتشظي المشاكل اليابانية والكورية والفلسطينية وتجمعها في لوحة إنسانية واحدة.
مفصل التحول يكون عند الممثلين عندما قابلوا أنفسهم بفكرة المراية، ففي المشهد الأول تبدأ الأمور من خلال صور "السيلفي"، وعندما يتواجهون مع بعضهم ومشاكلهم يفعلون ذلك في المرآة. كان المشهد مصمم بصرياً على فكرة مراوح اليد اليابانية، فالياباني غارق في تراثه، وحياته تدور بين جدران يعيشها، ومن خلال إظهار الفصل العنصري على أرض فلسطين الذي تطرقنا له من خلال فن الفيديو البصري الذي نرى فيه رسومات ناجي العلي والجدار الفاصل، واللوحات الحركية الراقصة التي تقول إن الإنسان يجب ألا يستسلم لواقعه ولا للصور النمطية واليأس الذي يعيشه، كما أدخلت قصيدة عن إنسان لمحمود درويش خلال مشهد المتحف الذي يتحدث فيه كل فرد من المجموعة عن حكيم أو شاعر أو أديب ياباني لتأتي إلى مسامعنا قصيدة عن إنسان لمحمود درويش يلقيها الممثل الفلسطيني محمد الطيطي خلال المشهد ليكمل بنيته النصية والدرامية"
وعرّف زاهدة مقولة المسرحية بأنها ليس هناك مستحيل؛ قائلاً: "هي مقولتي المسرحية في جميع أعمالي: ليس هناك مستحيل. والأهم من ذلك الحديث عن الأقليات وتسليط الضوء على الحياة الإنسانية وكسر الصورة النمطية في مخيلة المشاهد أينما كان.
وأضاف: كان العمل منحازا فقط للإنسان. أنا لا أعمل في المسرح كوني فلسطيني، أنا أعمل في المسرح لأنني إنسان ومن أجل الإنسان المهمش، الإنسان الذي في الشارع، فتعريفي لنفسي كفنان عربي فلسطيني مع الإنسان في كل مكان بشكل دائم في المحافل الدولية لأننا نمثل أنفسنا كفلسطينيين وعرب في الوقت ذاته، ولأننا لا نستسلم للمستحيل، فخرج العمل بنجاح وتماهى تماما مع ذلك كون الممثلين لم يستسلموا لفكرة عدم وصول وضياع الممثل الرئيسي في العمل وقدموا فكرة التيه والضياع والانتظار الذي يلازم الفلسطيني منذ النكبة حتى يومنا هذا ليصبح هو الغلاف الآخر للمحتوى فكريا وفنيا، أي أن الطاقم الياباني انخرط مع هذه الأفكار منذ بداية التجارب وانتهاءً بالعمل الكامل.
وواصل: "هذه ليست تجربتي الأولى في اليابان، هي زيارتي الخامسة لهناك، فقد تمت قراءة مسرحية ثلاث في واحد لمدة عامين باللغة اليابانية، من قبل ممثلين يابانيين والآن تم الاتفاق على قراءة عمل "نفس المشكلة" عام 2017 الذي عرض محليا وعرض في باريس وعدة مدن فرنسية، ستتم قراءته في 2017 وربما يتم إنتاجه هناك فيما بعد، كما سيكون هناك عملٌ آخر في العام المقبل، سنتحدث عن تفاصيله لاحقاً".
وقال زاهدة: "كنت محظوظاً بالتعرف على بعض مفاصل الحياة في طوكيو، تعايشت فيها يومياً مع طاقم العمل الذي تعرفت منه على أشياء أكثر أعطتني مهارات ستساعدني بشكل أكبر على الخروج بنتائج بسهولة اكبر وتجاوز الصعوبات السابقة لأي عمل قادم ياباني أو فلسطيني أو أي عمل مستقبلي في مكان آخر، وتقريب الثقافتين البعيدتين وبناء جسور ثقافية بيننا وبين العالم، وليس فقط لتسليط الضوء على الحياة الفلسطينية تحت الاحتلال بل تسليط الضوء على الفلسطيني ومساهمته الحضارية للمواطن في اليابان وهذا بالاتجاه الآخر، فأنا فنان عربي فلسطيني لكن كوني ابن قضية عادلة بالدرجة الأساس وقضية محورية وعالمية وإنسانية هي دائماً حاضرة ومحمولة على أكتافنا وموجودة في كينونتنا ومن المستحيل أن تقدم شيئا وأن تنحرف عنها."
استغرق العمل شهرين متواصلين لأكثر من عشر ساعات في اليوم إضافة إلى التنقلات من مكان لآخر تواصلت فيها على الأقل مع 12 شخص غير الممثلين من الدراماتورج كوكيه ياسوناري ومدير المسرح ومصممة الملابس ومصمم الحركة ومصمم الإضاءة. كوني فلسطيني، أقول إنه لم يكن مستحيلاُ أن أخرج عملاً مسرحياً متكاملاً، هو أول عمل مسرحي فلسطيني في اليابان وربما يكون عربياً، البعد الفلسفي للعمل هو كيف تحطم قيودك كفرد من أجل النهوض بمن معك كمجموعة.
وهنا أكد إيهاب زاهدة على أن الفنان والمثقف الفلسطيني يضاعف الجهد للوصول للعالم بأعمال فنية ترقى إلى مستوى الإنسان الفلسطيني وثقافته وموروثه الحضاري ليتم تصدير الجمال والإبداع في زمن تزايدت فيه صور القتل والعنف في الكثير من الأقطار العربية حولنا لا سيما الأزمة السورية والتي تؤثر على تواجد القضية الفلسطينية بشكل مركزي وواضح، لذلك نستنتج أن العبء على المثقف والفنان الفلسطيني أصبح أكبر لأن الجهد يجب أن يضاعف بضخ الفنون الفلسطينية في كل مكان في العالم كي تبقى قضيتنا الفلسطينية الإنسانية متواجدة ومركزية، كون الفلسطيني لا يزال مهجراً من بلد إلى آخر وأية اشكالية يتواجد فيها الفلسطيني هو من يتأثر أولا ليستمر بالترحال واللجوء باحثا عن مكان آمن ليستقر من جديد.
وأضاف زاهدة إن الصعوبة الأكبر كانت في إيجاد مفاهيم ثقافية مشتركة وتقريب المفاهيم الحضارية والتراثية والثقافية اليابانية والفلسطينية للخروج بهذا العمل المشترك، فقضية التعبير عن المشاعر مثلاً مختلفة في اليابان عما هي عليه لدينا، فالشعب الياباني أقل قبولاً للتعبير عن المشاعر بشكل صريح.
وعن محمد الطيطي، الممثل الفلسطيني الوحيد، والوحيد الناطق بالعربية عمل إلى جانب ثمانية ممثلين يابانيين رد زاهدة: "أغلب المشاهد التي قدمها محمد الطيطي تتحدث عن مشكلة الفلسطيني، مثل مشهد الحقيبة التي يتمسك بها داما فيقول بلغة عربية: "أنا عشت يتيماُ وعندما توفيت أمي جاء جدي ليأخذني من مدرسة الوكالة في المخيم، ويبدأ بشرح مشكلة الفلسطينيين من هجرة إلى هجرة منذ عام النكبة 1948 إلى تهجير الفلسطينيين من مخيم اليرموك في سوريا ومخيمات أخرى على التراب السوري فنحن موسوم على جسدنا اللجوء وشعار الأونروا والمخيم." العمل كان ساخراً، حتى مشاهد المراوح كانت ساخرة لأن الياباني يختبئ خلف هذا الشكل الجميل، فبعد مشهد الولادة واللوحة الحركية مع الكوفية الفلسطينية على أنغام أغنية نجمة الصبح بصوت الفنانة سناء موسى.
وفي اتصال هاتفي قال محمد الطيطي لوكالة "وفا": "كانت هذه التجربة الأولى في عمل متكامل مع ممثلين غير عرب وغير فلسطينيين، كانت تجربة رائعة ومتعبة، كنت أنا الوحيد الناطق بالعربية في المسرحية، ولكننا تغلبنا على حاجز اللغة. كفنان فلسطيني تحدثت عن المخيم والأوضاع الصعبة في فلسطين والخارج من خلال مشاهد مرتجلة، عن الحواجز واللاجئين وهجرة الفلسطيني المتكررة. مراية هي تبيان التشابه بين الفلسطينيين واليابانيين، هي مرآة بين شعبين ومرآة المعاناة الإنسانية أينما كان، فالإنسانية هي واحدة والهم واحد، كل تجربة جديدة هي إضافة للفنان الفلسطيني، أضافت لي مسرحية مراية أنني عملت مع ممثلين ليس لديهم أية خبرة في الارتجال ولم يعملوا إلا على مسرحيات كلاسكية في بلد آخر من ثقافة أخرى وبفكر آخر لكن الإصرار والتحدي للعمل والاندماج في الألم والطاقة العالية على خشبة المسرح هو الذي أعطى الطاقة الإيجابية للمسرحية.
عرضت مسرحية مراية 12 عرضاً كان أولها يوم 9 أيلول 2016 تلت كل عرض جلسة نقاش ونقد مع نقاد ومختصين بالمسرح الياباني، وستعرض في فلسطين والعالم العربي بين عامي 2017 و2018، ليرى العالم المراية بين الشعب الفلسطيني والشعب الياباني كما ستشارك في مهرجان آسيا الدولي بنسختيه مهرجان شرق آسيا ومهرجان آسيا الصغرى.
إيهاب زاهدة مخرج فلسطيني من مدينة الخليل حصل على جائزة أفضل عمل مسرحي عربي لعام 2014 عن مسرحية خيل تايهة وعلى جائزة المسرح المجرد في إيطاليا عن مسرحية ثلاث في واحد عام 2013.