نكتب عن واقع نعيشه وطرق شائكة ، وخاصة ان الشعب الفلسطيني يدرك انه يمر بمرحلة دقيقة ، ولكن يحظى بتضامن احرار العالم ، لكن البعض يسعى من اجل السلوك بطريق الخطأ ، دون أن يدرك ذلك، من هنا وقفت متأملا امام جنازة الارهابي المجرم بيريس ، ورأيت المشاركة العربية والفلسطينية التي شكلت لدي انزعاج كبير ، وقلت في نفسي آلم يدرك هؤلاء المآسي والمحن التي يمر بها الشعب الفلسطيني ، لماذا هذه المكافأة لمجرم حرب كبيريس، الذي يرتبط اسمه بذاكرة الفلسطينيين، بالمجازر العديدة التي ارتكبها بحقهم في عام 48 باعتباره كان مسؤولا عن تسليح عصابات الهاجاناة، ومسؤوليته عن مجزرة قانا، ومهندس اتفاق اوسلو السيء والمدمر للشعب الفلسطيني، فهل نسي هؤلاء ان هذا المجرم هو الوجه الاخر لليمين العنصري الفاشي في الكيان الصهيوني.
اردت اليوم وان امسك قلم الحياة ، ان اسأل هل المجرم بيريس الذي يملك مشروع توسعي استيطاني، منذ بداية عملة كمسؤول عن عصابات الهاجاناة وصولا الى اتفاق اوسلو، وان تاريخه حافل بالمجازر ضد الشعب الفلسطيني، ولا نتذكر له شيء ايجابي ، تستحق هذه المشاركة ، في ظل الاعدامات الميدانية التي تطال شابات وشباب فلسطين ، تلك الورود تنزع عنها أوراقها وألوانها ورحيقها، هل لم يشعرون بوجع الانسان الفلسطيني .
شابات وشباب الانتفاضة اليوم لا يقلدون ثورات غيرهم ، بل يعيدون مسار مسيرة النضال الوطني ،لأن الشعب الفلسطيني ما دام الاحتلال جاثما على الارض والانسان والمقدسات ،في ظل انقسام كارثي ، لهذا كان لا بد من انتفاضة الشابات والشباب من ان تنطلق بمواجهة الاحتلال والاستيطان ، ولتصحيح لوضع خاطئ وإعادة للأمور إلى نصابها، بهدف محدد وواضح وهو إنهاء الانقسام تمهيدا لإنهاء الاحتلال.
من هنا يجب ان نسعى من خلال أفكارنا وخطواتنا على تعزيز طاقات الشعب الفلسطيني حتى نخرج من المأساة ،لأنها زرعت في الذاكرة لحظات ومواقف لن تنسى، من هنا علينا احتضان ظاهرة انتفاضة القدس التي تعطينا اليوم القدرة على مواجهة العدو الذي يتربص بالجميع ، فهي بارقة أمل ظهرت بعد فشل مسار ما يسمى المفاوضات ، وبعد رفع غصن الزيتون رغم العواصف وركود المياه التي تحرك ساكنا من العالم اتجاه ما يعانيه الشعب الفلسطيني ، اجيال ولدت منذ اوسلو ، احلام كثيرة تحطمت على عواصف ووعود بارقة ، وقناعات عديدة تغيرت ، واليوم نحن على اعتاب مرحلة جديدة، فهل حان وقت ذبول الغصن ام لايزال في الوقت الضائع من فرص السلام .
من هذا الموقع كان الاجدى فلسطينيا عدم المشاركة في جنازة سفاح ومجرم ، تقديرا لدماء الشهداء والاسرى ومعاناة الشعب الفلسطيني ، فهذا الشعب يستحق نقلة نوعية متميزة في التاريخ الفلسطيني والنضال الوطني والقومي، خاصة بعد كل الهزائم والانتكاسات التي شهدتها الأمة العربية وقواها المتعددة، ،التي كشفت الكثير من نقص المناعة لدى الانظمة العربية.
ان مرحلة النضال الوطني حظيت بسمات وصفات ومقومات عديدة، من حيث الوعي والمعرفة، وقدم الشعب الفلسطيني قوافل من الشهداء وخاصة قادة عظماء ، واتسمت بالوعي والمعرفة والدراية والتجربة الثورية العميقة والقدرة على التنبؤ بالإحداث قبل وقوعها ،مستلهمين كل ذلك من خلال فكر علمي أصيل، فكان من الاجدى الحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني ، خاصة في لحظة نحن بحاجة فيها الى دور فاعل وقوي في حركة الواقع والإحداث والتاريخ.
أسئلة كثيرة وكبيرة يمكن طرحها والحديث حولها ، وأنا اعرف مدى حساسية البعض حين يصير الحديث حولها مباح ، واعرف كم هي مؤلمة للبعض حين يفكرون بما آلت إليه الحالة الفلسطينية وخاصة في غزة والضفة والشتات والمنافي ، وانا اعلم ان من حملوا أو ساهموا في حمل راية منظمة التحرير الفلسطينية والدفاع عنها على الأكتاف والأعناق يوم عزت الأكتاف والأعناق وباتوا ألان في العراء، إلا ما تجتره الذاكرة من ذكريات عاشوها أو تعايشوا معها في زمن صعب، الأمنيات شئ والواقع شئ أخر ، الا اننا على يقين بأن انتفاضة الشابات والشباب الفلسطيني ومعهم وخلفهم كل الشعب الفلسطيني يمتلكون حدا معينا من القدرات والطاقات, ولديها ارتباط وثيق بالقضية الوطنية، فهم من يسعون ان تبقى القضية الفلسطينية حاضرة في وجدان الضمير العربي والعالمي .
إن الحديثَ ذو شجون، تختلطُ فيه مشاعر الرهبةِ والقلقِ والحزنِ بمشاعرِ الاعتزاز والتفاؤل والإصرارِ على مواصلةِ مسيرةِ النضال في مرحلةٍ هي الأكثر تَعقيداً وخَطَراً في تاريخ العرب والقضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني، ولكن هناك منارةً بوجود قوى المقاومة تُضيء لهم ظلامية المرحلة في مواجهة تحدياتها الراهنة.
ختاما : لا بد من القول ، ونحن نستشعرُ مرارةَ الانقسامِ الذي أدى إلى انتقال مسيرةِ النضال الفلسطيني من حالة الأزمة التي واكبت هذه المسيرة في اكثر من محطةٍ فيها، إلى حالة المأزق غير مسبوقةٍ من الإحباط واليأس ، بسبب تخلف وتبعية وضعف وخضوع الوضع العربي ، وبسبب الصلف الصهيوني الأمريكي ، فعلينا ان نتطَلَّع الى الوحدة الوطنية الفلسطينية وحماية المشروع الوطني وتطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها ، ورسم استراتيجية وطنيه تكون من أولى مهماتها وقف عملية التفاوض العبثي ورفض الشروط الصهيونية الأمريكية، والعمل على تخفيف معاناة شعبنا بكل مظاهرها الاقتصادية والاجتماعية، لكي نناضل معاً كتفاً إلى كتف ضد العدو المحتل ومن أجل تحرير الوطن والإنسان الفلسطيني .
بقلم/ عباس الجمعة