سألني العديد من الأصدقاء : لم نسمع لك رأيا , ولم نقرأ لك مقالا في موقع الكتروني , أو تغريدة على (الفيسبوك) , حول مشاركة الرئيس محمود عباس ( أبو مازن ) في جنازة شمعون بيريس في القدس . كان ردي الأولي في يوم الجنازة , أنني لن أخوض في هذا الموضوع سلبا او ايجابا , ولن أعطي رأيا أو تحليلا ... وكنت أود ألا أدخل في هذا الجدال , منعا للتأويل والقيل والقال , وتدحرج الجواب والسؤال , ولكن مع كثرة اللغط في الموضوع من ما هب ودب , من الفصائل التي تتصيد خطوات الرئيس , ومن المحللين السياسيين والمُحرِّمين الدينيين, ومن هذا الهجوم الكاسح على مشاركة الرئيس من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالتخوين والتكفير, والرفض الواسع لما قام به أبو مازن , بينما لم نجد سوى القلة من الذين كتبوا "على استحياء" دفاعا عن هذه الخطوة.
وقد انصبت معظم الانتقادات على خطوة الأخ أبو مازن , على كيفية مشاركته في جنازة ( المجرم والسفاح ) بيريس , أحد مؤسسي دولة اسرائيل , وباني المفاعل النووي الاسرائيلي , والمسؤول عن المجازر في فلسطين ولبنان , وغير ذلك من الموبقات , التي يعلمها الرئيس عباس أكثر من كل المنتقدين , لكنها السياسة التي تتبدل من يوم ليوم , فأبو مازن نفسه يوصف في اسرائيل بالإرهابي , والذي ساوى بين النازية والصهيونية !!
وسؤالي لجميع من شنوا هذا الهجوم : ألم يكونوا يعلمون كل ذلك عندما وقع أبو مازن نيابة عن الرئيس الراحل أبو عمار اتفاق أوسلو للسلام في البيت الأبيض مع بيريس نيابة عن رئيس الحكومة الاسرائيلية آنذاك اسحق رابين , ويومها صفق وهلل الكثير من هؤلاء المنتقدين لصورة أبو مازن وبيريس وهما يوقعان الاتفاق , ومن خلفها يقف أبو عمار ورابين.
أبو مازن اجتهد , وهو الذي لم يغير رأيه , وبقي على مبادئه المؤمن بها , فيما يرى أن ما قام به لمصلحة قضيته وشعبه, والسلام الذي يؤمن به منذ توقيعه الاتفاق مع بيريس .
وفي مبادئ الاسلام , أنه إذا اجتهد الحاكم وأصاب فله أجران , وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد ... وفي الديانة المسيحية قال سيدنا المسيح النبي عيسى بن مريم : " من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر " , وأعتقد أن الرجل لم يخطئ , فقد لقي وجوده استحسان زعماء العالم الذين حضروا الجنازة , وفي مقدمتهم الرئيس الاميركي باراك أوباما , الذي أثنى في كلمته على حضور أبو مازن , والرئيس الفرنسي هولاند الذي اجتمع مع الرئيس أبو مازن , وأكد له مضي فرنسا في عقد مؤتمر السلام في باريس رغم معارضة اسرائيل , كما كانت له لقاءات مع مسؤولين اسرائيليين بينم رئيس الدولة الاسرائيلية رؤفين ريفلين , ورئيسة حزب ( الحركة ) المعارض وزيرة الخارجية سابقا تسيبي ليفني , واللذين أثنيا على حضور أبو مازن , وأكدا له مواصلة الجهود من أجل السلام , وبدأت الأصوات تعلو في اسرائيل , أنه يوجد شريك للسلام , بعكس ما يدعيه رئيس الحكومة اليمينية المتطرف بنيامين نتنياهو , وما يزعمه وزير دفاعه ليبرمان من أن أبو مازن يمارس الارهاب السياسي , ويصرف الأموال للأسرى , ويحتضن أسر شهداء الانتفاضة , وهو أخطر على اسرائيل من الراحل أبو عمار .. إذن فلننتظر النتائج !!
بقلم/ د. عبد القادر فارس