على هامش الانتخابات المحلية

بقلم: أيوب عثمان

حين أصدر مجلس الوزراء قراره رقم 108/03/17 م.و/ر.ج في 21/6/2017، والقاضي بإجراء الانتخابات المحلية، لم أكن مع القرار، وبالتالي لم أكن مع الانتخابات، كما أنني الآن لست – البتة – معها.

أما أنني لم أكن مع الانتخابات وقت صدور قرار مجلس الوزراء المشار إليه أعلاه، فليس مرد ذلك أنني أكره الديمقراطية وأكره الانتخابات، وإنما لقناعتي أن البيئة الديمقراطية اللازمة لاحتضان الأعراس الانتخابية الحالية للارتياح والتباهي المجتمعي والوطني لم تتوفر لنا بعد، فضلاً عما لدي من إيمان يقيني راسخ بأن الانتخابات لن تتم – البتة – كما صار الإعلان عنها والتخطيط والترويج لها لا لسبب إلا أن من يملك القدرة على إجراء الانتخابات في وطن واقع تحت احتلال عسكري صهيوني استعماري مباشر في الضفة ومحتل على نحو غير مباشر في غزة، فضلاً عما يعانيه هذا الوطن من ويلات الانقسام والتشظي والتفكك، فإن هذا الذي يملك القدرة على إجراء الانتخابات في وطن هذه صفاته وسماته ومعاناته وانقساماته، فإنه يستطيع - ومن باب أولى - أن ينهي الانقسام بالاتحاد والتوحد، توطئة إلى انتخابات تأخذنا نحو الانعتاق والتحرر في سبيل وطن نعيش جميعنا كرماء فيه، لا إلى انتخابات تنطلق من صراعنا على السلطة فيه.

أما أنني لست الآن مع الانتخابات، أي أنني مع تأجيلها، فلأن البيئة الملائمة – كما أسلفت – لاحتضان الديمقراطية ورعاية أعراسها الديمقراطية وحمايتها ليست متوفرة الآن، لا سيما وإن الفصيلين الأكبر في بلادنا (فتح وحماس) ما يزالان لا يتمتع أحدهما بقبول عند الآخر، بل يحاول كل منهما – ما أمكنه - أن يتفوق على الآخر، ليس من خلال تسابق محمود وإنما من خلال كمائن وأحابيل، بغية الإنهاء والشطب والإقصاء، ناهيك عن انعدام القبول المتبادل بين الأحزاب والفصائل والقوى الأخرى التي ما تزال لم تَرْقَ إلى مستوى اللحظة الحرجة فترتفع إلى مستوى المسؤولية الوطنية التي تحفزها على خروج فوري من مربع الانتهازية والنقد السلبي، انطلاقاً نحو تشكيل حالة نهضوية استنهاضية فعالة وقادرة على صنع مستقبل نريده ونسعى بحزم وعزم إليه.

أول الحكاية: وكما أسلفنا في افتتاح مقالنا، فقد كان مجلس الوزراء قد أصدر في 21/6/2016 قراره القاضي بإجراء الانتخابات المحلية في الأراضي الفلسطينية، دون أن يلقى هذا القرار أي اهتمام، حتى أن الناس لم ينتبهوا إلى أمر إجراء الانتخابات إلا فجأة مع خبر مفاجئ قال إن السيد/ اسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، استقبل في غزة الدكتور/ حنا ناصر والوفد المرافق له. وقد حمل خبر هذا الاستقبال المفاجئ في غزة للدكتور/ حنا ناصر – القادم والوفد المرافق له من الضفة الغربية - خبراً مفاجئاً آخر مفاده أن موضوع الاستقبال هو حول إجراء انتخابات محلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، غير أن المفاجأة الأكبر في هذا الخبر المفاجئ هي أن حركة حماس التي كانت قد رفضت الانتخابات

رفضاً حاداً عبرت عنه بـ(لا كبيرة) في عام 2012، ها نحن نراها اليوم توافق عليها بـ(نعم كبيرة) في عام 2016!!!

وبعد أن أعلنت حركة حماس موافقتها المفاجئة - وربما المحسوبة فيما يبدو - على إجراء الانتخابات المحلية بـ(نعم كبيرة)، بدأت أخبار الانتخابات وعمليات الإعداد لها تهرول تباعاً حتى أن ميثاق شرف انتخابياً قد صار بين أيدينا بعد أن تم التوقيع عليه من ثلاث عشرة جهة حزبية فلسطينية في 24/7/2016.

في سياق الهرولة، قُدمت إلى لجنة الانتخابات المركزية اعتراضات، فيما قُدمت إلى محاكم البداية المختصة بالشأن الانتخابي طعون. وكانت الفصائل فد أنجزت مع لجنة الانتخابات المركزية جملة من التفاهمات بالغة الأهمية وشديدة الوضوح لا سيما في أمرين اثنين: أولهما، أن القائمة التي يقبل الاعتراض على احد شخوصها أو يقبل الطعن فيه ترفض كلها باعتبارها قائمة معلقة (وإن كنت أزعم أن مثل هذا التفاهم لا منطق فيه ولا وجاهة له)، وثانيهما، أن ينعقد أمر إصدار الأحكام في الطعون لمحاكم البداية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.

كانت لجنة الانتخابات المركزية قد أعلنت عن قبولها لاعتراضات سبعة على قوائم انتخابية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما أعلنت عن رفضها مائة وأربعة وخمسين اعتراضاً أخر. أما الاعتراضات السبعة التي أعلنت لجنة الانتخابات المركزية عن قبولها في كل من الضفة وغزة، فقد أحالتها لجنة الانتخابات المركزية إلى المحاكم المختصة (الابتدائية) التابعة كل منها إلى المحافظة طبقاً للقانون. في قطاع غزة قبلت المحكمة الابتدائية المختصة خمسة طعون في خمس قوائم لحركة فتح في خمس بلديات تابعة لمحافظتي رفح وخانيونس، فيما رفضت المحكمة الابتدائية في غزة بعض الطعون المقدمة ضد مرشحي بعض هذه القوائم. وعليه، فقد تم إسقاط خمس قوائم لحركة فتح بموجب الأحكام الصادرة عن المحكمة المختصة بالشأن الانتخابي طبقاً للقانون وهي أحكام ملزمة وواجبة النفاذ وغير قابلة للطعن بعد ذلك.

الأزمة: يظن الناس أن الأزمة الحالية بخصوص الانتخابات المحلية سببها إسقاط محاكم البداية في قطاع غزة، لقوائم حركة فتح، بينما الأزمة هي في الأصل قائمة حيث الانقسام قائم ويزداد عمقاً وتجذراً . وتجدر الإشارة هنا إلى أن السبب الذي منع حركة حماس من الموافقة على الانتخابات في عام 2012 هو الانقسام، وقد أصابت في قرارها بالامتناع آنذاك فيما نرى أنها اجتهدت في عام 2016 بموافقتها على إجراء الانتخابات قائلة فيما يبدو:" لنجرب هذه المرة بـ(نعم) فأخطأت في اجتهادها دون أن تخطئ في النتيجة التي تم التوصل إليها والتي ينبغي الاهتمام البالغ بها والالتفات النابه إليها.

بالعودة إلى إسقاط القوائم في غزة، فقد جاء إسقاط القوائم بمقتضى القانون واستناداً إلى التفاهمات التي أنجزتها الفصائل مع لجنة الانتخابات المركزية. تجدر الإشارة هنا إلى أنه فور إسقاط قوائم غزة، وبعد أن لم تمض ساعة واحدة، ردت محكمة العدل العليا في رام الله على قرار محكمة البداية في غزة بإسقاط خمس قوائم لحركة فتح بقرار تمهيدي يقضي بوقف مؤقت للانتخابات المحلية إلى حين البت النهائي في الطلب الأصلي، ما يعني أن الانتخابات – إجراءً أو تأجيلاً أو وقفاً مؤقتاً أو إلغاء باتاً – إنما هي عمل من أعمال السياسة وليست من أعمال القانون مع أبلغ الأسف وأشده.

حركة فتح بين تأييدها لقرار العدل العليا

وهجومها على محاكم غزة و لجنة الانتخابات المركزية في غزة:

مما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق، هو أن حركة فتح أعلنت - فور صدور قرار العدل العليا الآمر بوقف الانتخابات مؤقتاً إلى حين البت القطعي في الدعوى الأصلية – عن موقفها المؤيد لقرار المحكمة والمنتقد - بل والمهاجم - للجنة الانتخابات المركزية من ناحية بسبب قبولها لبعض الاعتراضات ولمحاكم غزة من ناحية أخرى لقبولها بعض الطعون وإسقاطها بعض القوائم، حيث عبر إبراهيم أبو النجا، عضو المجلس الثوري وأمين سر الهيئة القيادية العليا لحركة فتح، عن تأييد الحركة لقرار محكمة العدل العليا، مطالباً لجنة الانتخابات المركزية الإلتزام به، ومتهماً إياها بإصدارها قرارات لا تستند لأي قاعدة قانونية بشطبها قوائم بشكل كامل، فيما قال عبد الرحمن حمد، مفوض المنظمات الجماهيرية والشعبية لحركة فتح في المحافظات الجنوبية:" إن حركة فتح هي صاحبة المشروع الوطني وكانت موجودة على الساحة قبل أن يكون أحد من الفصائل الفلسطينية منافساً لها" وهو كلام – على الرغم من صحته – إلا أنه لا علاقة له بقرار محكمة العدل العليا الذي يحاول الدفاع عنه، غير أن قوله:"إننا لم نذهب لمحاكم غزة لأنها من وجهة نظر السلطة القضائية ليست محاكم شرعية...." ليس إلا قولاً يبدو أنه نقله عمن سبقوه دون أن يفكر فيه أو يتدبره، لا سيما وإن لجنة الانتخابات المركزية التي يقول حمد – نقلاً عمن سبقوه بطبيعة الحال – أنها أخطأت في تفسير مواد القانون" هي التي تملك الرد التفنيدي الذي يُسكت كل قول ويبطل كل ادعاء، ودليل ذلك نجده في ميثاق الشرف الانتخابي الموقع من 13 فصيلاً في 24/7/2016 كما نجده في البيان التوضيحي الصادر عن لجنة الانتخابات المركزية بخصوص إسقاط بعض القوائم، والمنشور في شمس نيوز/ رام الله ، والذي جاء فيه نصاً:" إن قرار اللجنة برفض ترشح قوائم لسبب عدم توفر الشروط القانونية في أحد المرشحين أو أكثر، جاء استناداً لقانون انتخاب مجلس الهيئات المحلية رقم (10) لعام (2005) وتعديلاته والذي ينص في المادة (20) منه بأنه "على لجنة الانتخابات رفض قبول طلب تسجيل قائمة انتخابية إذا لم يكن الطلب مستوفياً للشروط المنصوص عليها، أو تبين عدم صحة البيانات التي تضمنها الطلب أو عدم صحة الوثائق المرفقة، أو لم تقدم القائمة شهادة لكل مرشح يرد اسمه فيها منها تفيد بدفعه جميع الرسوم والضرائب المستحقة عليه لصالح المجلس". وفوق ذلك، فقد أكدت اللجنة في بيانها أنها أعلنت منذ الإعلان عن قرار إجراء الانتخابات بأنه في حال عدم استيفاء القائمة أو أي من مرشحيها للشروط القانونية، سيؤدي ذلك إلى رفض تسجيل القائمة بأكملها حيث إن اللجنة تتعامل مع القائمة المغلقة كوحدة واحدة. وقد استشهدت اللجنة في بيانها "بما حدث في الانتخابات المحلية في الضفة الغربية عام 2012 عندما ثبتت إحدى المحاكم قرار إسقاط ترشح إحدى القوائم بعد تثبيت الاعتراض بحقع مرشح هذه القائمة". وزيادة على ما سبق، فقد ردت اللجنة في بيانها على بعض التصريحات التي ترى بأن للجنة أن ترفض المرشح وليس القائمة فقالت:" اللجنة ليست مسؤولة عن شطب مرشح في قائمة وترفيع الذي يليه، فهذا إن تم سيكون تدخلاً من قبل اللجنة لإرضاء نفسها."

 

لماذا محكمة العدل العليا في رام الله؟!

في أواخر شهر أغسطس 2016 قُدمت إلى محكمة العدل العليا في رام الله طعون في قرار مجلس الوزراء - الذي أشرنا إليه في بداية مقالنا هذا – والآمر بإجراء انتخابات محلية فُهم منها أنها ستجرى في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد قُدمت هذه الطعون بدعم من نقابة المحامين، إثر بيان أصدرته في 24/8/2016 مطالبة بوقف الانتخابات المحلية استناداً إلى حيثيات ثلاث: أولاها، أن الانتخابات المحلية المراد اجراؤها لا تشمل القدس بصفتها عاصمة لدولة فلسطين، وثانيها أن المحاكم التي يتم اللجوء إليها لتقديم الطعون الانتخابية ليست متوافقة مع الأصول، وثالثها أن الوضع الإداري بمجمله في قطاع غزة بمحاكمه وقضائه وشرطته وأمنه غير معترف به من السلطة لعدم شرعيته.

وتعليقاً على هذه الحيثيات الثلاث التي استند عليها الطعن في قرار مجلس الوزراء الآمر بإجراء الانتخابات المحلية، فإن من حق كل منا أن يتساءل منتظراً إجابة شافية على، يسرها، لن تأتي: أولاها، متى كانت القدس مشمولة بالانتخابات؟! وثانيها، وإن كانت محاكم غزة التي يتم اللجوء إليها للفصل في الطعون الانتخابية ليست متوافقة مع الأصول، فما هو الدور الذي كان مناطاً بلجنة الانتخابات المركزية؟! ولماذا أنجزت معها كل التفاهمات التي شهد الجميع أنها – إن طبقت – تفضي إلى عملية انتخابية شفافة ومنتجة؟! وماذا كان دور الفصائل، وأولها حركة فتح؟! وما الأساس الذي وقعت الفصائل – وفي صدارتها حركة فتح – بمقتضاه على ميثاق الشرف الانتخابي؟! وهل كانت محاكم غزة وفق الأصول وقت التوقيع على ميثاق الشرف الانتخابي ثم تحولت إلى مخالفة للأصول بعد أن شطبت بعض القوائم بموجب القانون من جهة وبموجب التفاهمات مع لجنة الانتخابات المركزية من جهة أخرى؟! أما ثالثها، فإن صح أن الوضع الإداري بمجمله في قطاع غزة – بمحاكمه وقضائه وأمنه وشرطته – غير معترف به لانعدام شرعيته، فما الذي جعل مجلس الوزراء يصدر قراره القاضي بإجراء انتخابات محلية تشمل قطاع غزة؟! وما الذي جعل رئيس لجنة الانتخابات المركزية الدكتور/ حنا ناصر يأتي على رأس وفد إلى غزة حيث يستقبله اسماعيل هنية بصفته نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس التي تحكم قطاع غزة؟! أما السؤال الذي يبتعد عن إجابته كل مكابر فهو: بعد أن سعدتم بقرار إجراء انتخابات محلية تشمل قطاع غزة، وبعد أن هللتم لاستقبال هنية للدكتور/ حنا ناصر والوفد المرافق له، وبعد أن سمعتم وقرأتم أن التفاهم قد بلغ مبلغه بإعلان حركة حماس أنها وافقت على إجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، معطيةً (نعم كبيرة ومرتفعة) حيث تم التوقيع على ميثاق الشرف الانتخابي في 24/7/2016، وبعد أن وصلت الهرولة إلى الإعداد الساخن للانتخابات، دون أي انتقاد أو اعتراض، فكيف يصبح خطأً وغير معترف به وغير شرعي وغير قانوني كل ما كان صائباً ومعترفاً به وشرعياً وقانونيا،ً هكذا فجأة، لمجرد إسقاط قوائم تشهد لجنة الانتخابات المركزية أنه تم – بموجب القانون – إسقاطها؟! وهل كان ما عُدَّ خطأ وغير معترف به وغير شرعي وغير قانوني سيعد صواباً ومعترفاً به وشرعياً وقانونياً لو لم يتم إسقاط تلك القوائم؟!

إن قرار لجنة الانتخابات المركزية بشطب خمس قوائم أربع منها في غزة قد استند على قانون انتخابي يحاول البعض التشكيك بسلامته لغموض في بعض نصوص مواده ، على الرغم من أن قانون الانتخابات الذي بدأ البعض يشككون فيه ويصفونه بالغموض والالتباس بعد إسقاط القوائم في غزة هو ذاته قانون الانتخابات الذي تمت في العام 2012 الانتخابات المحلية بمقتضاه، وهو ذاته القانون الانتخابي الذي أسقط 28 قائمة في عام 2012 فيما أسقط 5 قوائم فقط في عام

2013، دون أن يشير إلى انعدام القانونية في إسقاط تلك القوائم أحد، إلا حالة واحدة وحيدة قامت محكمة ابتدائية بردها. وتعليقاً على هذا، فإن من حقي - كمواطن وأكاديمي ومثقف - أن أزعم أن موضوع إسقاط القوائم لم يثره أحد في انتخابات 2012 و 2013 على الرغم من حدوثه نظراً لأن من أسقطت قوائمهم وقتها لم يكونوا من حركة فتح التي كانت هي المسؤولة - دون غيرها باعتبارها صاحبة العقد والحل في السلطة وفي المنظمة أيضاً - عن سن القوانين والتشريعات والأنظمة التي لف بعض نصوصها شيء من الالتباس والغموض الذي باتت تعاني اليوم منه وتدفع عن صياغاتها الملتبسة والغامضة ضريبة لازمة.

إن ما أثير وما يثار من تشكيك – وسيظل يثار – في القانون الانتخابي أو في لجنة الانتخابات المركزية أوفي محاكم البداية في غزة، لهو أمر يستعصي - حتى على ذوي الأفهام والنهى - فهمه واستيعابه ثم الاستفادة منه، ذلك أنه يدلل- على ما يبدو – على أن حزبا أو فصيلاً بعينه لا يريد ولا يستطيع أن يستوعب الخسارة أمام منافسه في انتخابات لا محيص ولا مصرف عن أن تكون نتائجها ومخرجاتها لصالحه، وهو ما ليس مفهوماً أبداً وليس مقبولاً - البتة - في سياقات ديمقراطية كالتي نحن الآن فيها. وزيادة على ذلك، فإن قبول لجنة الانتخابات المركزية ومحاكم البداية لعدد كبير من الاعتراضات والطعون بحق عدد كبير من أشخاص القوائم إنما يعني – مع أبلغ الأسف وأشده – فشلاً كبيراً وخطيراً حتى في أول مراحل تشكيل القوائم، بدءاً من الفشل المبدئي بانعدام القدرة حتى على اختيار أعضاء أكفياء ليخوضوا غمار منازلة ديمقراطية، هو في الحقيقة أمر يدعو إلى الأسى لما ينطوي عليه من أبعاد خطيرة.

إن هذا الذي أوردناه يحتم علينا أن نتساءل: هل بات قدراً علينا أن نظل أسرى حزب أو فصيل فلسطيني واحد دون غيره؟! وأليس من الحكمة – بعد كل ما رأيناه من عذابات وأعاجيب وما نزال – أن نصوب أخطاءنا فنعيد صياغة أمورنا وترتيب أولوياتنا، استجابة لرغبتنا، وعملاً بمقتضى إرادتنا؟!

وبعد، فلدي تساؤل وطني وأخلاقي وديني مشروع لا يجزأ ولا يتجزأ، لا بد من طرحه بشفافية ولا بد من الإجابة عنه بشفافية أكبر: ماذا لو كانت الأمور عكس ما أتت عليه فتم إسقاط قوائم غير تلك التي تم إسقاطها؟! ولكي يعين بعضنا بعضاً في تيسير الوصول إلى جواب شاف ومقنع، فإنه ينبغي لنا أن نذكر ونتذكر ونذكر أن إسقاط القوائم على النحو الذي جرى مؤخراً والذي يجري الحديث هذه الأيام عنه، إنما هو ذاته كان قد حدث في الانتخابات المحلية عام 2012 حيث أسقطت العديد من القوائم في ظروف ولأسباب مشابهة لما حصل في الأيام القليلة الماضية، غير أن الشيء الوحيد المختلف – بل والمائز – بوضوح طاغ هو أن حركة حماس لم تشارك حينها (عام 2012) فلم يحدث كل هذا الضجيج الذي نسمع ونرى، ولم تثر مثل هذه الزوابع والأعاصير، حيث لم يصرُخ لتأجيل الانتخابات أو لوقفها أو لإلغائها أحد!!!

إن صدور قرار محكمة العدل العليا القاضي بوقف الانتخابات مؤقتاً بعد نحو أقل من ساعة على صدور قرار محكمة البداية في قطاع غزة بإسقاط قوائم لحركة فتح، إنما يعني – وعلى نحو مباشر دونما لف أو مداورة – أن القضاء لا يستند إلى القانون بل إلى السياسة، لا سيما وإن حيثيات حكم محكمة العدل العليا في رام الله (حول القدس – محاكم البداية في غزة – الوضع الإداري في غزة) هي في الحقيقة حيثيات لا قانونية فيها ولكنها قرارات سياسية غير مقبولة.

أما قرار محكمة العدل العليا في رام الله، وإن وصف بأنه قرار مؤقت إلى حين البت القطعي النهائي في الطلب الأصلي، فإنني أعتبره قراراً نهائياً وباتاً وقطعياً، ذلك أن حكم المحكمة جاء في شكله – مؤقتاً وتمهيدياً حيث وصف بأنه مؤقت إلى أن يُبت في الدعوى المرفوعة نهائياً وقطعياً، لكنه نهائي وبات وقطعي بحكم منطوقه القائل نصاً:" إن القرار الإداري يجب أن يتعامل مع الوطن كوحدة واحدة، ومع تعثر إجرائها في القدس والمشاكل الإجرائية في غزة اتخذ القرار بتأجيلها" (أي تأجيل الانتخابات المحلية). هذا الحكم الصادر عن محكمة العدل العليا معناه وقف جميع الإجراءات المتصلة بالانتخابات فوراً، وذلك إعمالاً لحكم المحكمة القاضي نصاُ بـ"وقف قرار مجلس الوزراء بإجراء الانتخابات المحلية مؤقتاً لحين البت في الدعوى المرفوعة أمامها. ما يفهم من قرار العدل العليا هو أن وقف الانتخابات الذي وصفه حكم المحكمة بأنه "مؤقت" لحين البت النهائي في القضية إنما هو وقف بمعنى الإلغاء للانتخابات، لا لشيء إلا لأن منطوق القرار جاء فيه أن سبب الوقف أو التأجيل هو وجوب التعامل مع الوطن كوحدة واحدة (وهو أمر غير متحقق)، وتعثر إجراء الانتخابات في القدس (وهذا صحيح يحكم الواقع)، والمشاكل الإجرائية في (وهو أمر ليس سهلاً معالجته في المدى المنظور، ما يحتم التأجيل إلى أجل غير مسمى أو الوقف الذي يعني الإلغاء المؤقت طال أجله أو قصر).

فإذا كان قرار مجلس الوزراء الآمر بإجراء الانتخابات المحلية قد صدر في 21/6/2016، وإذا كان هذا القرار لا يشمل مدينة القدس، وإذا كانت محاكم غزة وقضاؤها وأمنها وشرطتها كل على حاله، وإذا كانت غزة كلها ما تزال على حالها من انعدام الأصول والقانون والاعتراف والشرعية وقت إصدار القرار، فلماذا تأخر الطعن في قرار مجلس الوزراء؟! ولماذا تأخرت نقابة المحامين الداعمة للطعن في تقديم الطعن إلى محكمة العدل العليا طيلة تلك الفترة الواقعة بين تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء الطعين في 21/6/2016 وتاريخ تقديم الطعن في أواخر شهر أغسطس 2016 وبعد أن أصدرت نقابة المحامين بيانها في 24/8/2016 وبعد أن كان قد مضى على انطلاق مسيرة الإعداد للانتخابات قرابة شهر؟!! وما الذي جعل الطاعن - فرداً كان أو مجموعة أو جماعة – المدعوم من نقابة المحامين ينام قرابة شهرين على الطعن في قرار أصدره مجلس الوزراء منذ نحو شهرين؟! وأما كان ينبغي للطاعن ونقابة المحامين الداعمة للطعن أن يقدموا الطعن دون إبطاء، لا سيما وإن وضع غزة بنظامها الإداري وقضائها ومحاكمها وأمنها وشرطتها لم يتغير شيء فيه طيلة سنوات الانقسام وعلى مدار أكثر من شهرين فاصلين بين تاريخ إصدار مجلس الوزراء لقراره الطعين وتاريخ الطعن؟!

وحيث جاء قرار محكمة العدل العليا القاضي بوقف الانتخابات مؤقتاً أو تأجيلها لحين البت الفاصل في الدعوى المرفوعة لديها متناقصاً مع قرار مجلس الوزراء الآمر بإجرائها ، وحيث قررت المحكمة في جلسة 21/9/2016 تأجيل النظر في القضية إلى جلسة غد الثلاثاء 4/10/2016 لاستكمال النظر في دعوى وقف الانتخابات نهائياً أو مؤقتاً، فإن قرار المحكمة سيكون أمراً من ثلاثة: إما قرار بوقف الانتخابات أو تأجيلها، ما يعني إلغاء قرار مجلس الوزراء الذي إما يطيع وينصاع فتوقف الانتخابات أو نؤجل، وإما أن تقرر المحكمة استثناء قطاع غزة من الانتخابات لينحصر إجراؤها على الضفة الغربية دون غزة، وهذا هو المرجح صدوره، وإما أن يعترض مجلس الوزراء، مؤكداً على تمسكه بإنفاذ قراره وإجراء الانتخابات في موعد يتم تجديده فيلجأ بغية حسم الخلاف إلى المحكمة الدستورية التي كشفنا سابقاً عوارها وعوار المرسوم الرئاسي القاضي بتشكيلها.

فالحالة – كما نراها – الآن هي حالة انتظار بين ممارسة حق دستوري كفله الدستور الفلسطيني بإجراء الانتخابات وقرار تأجيلها أو وقفها بدعوى ظروف استثنائية أو طارئة أو قاهرة، حيث القول الفصل في القضية منعقد لقرار قطعي ستصدره محكمة العدل العليا يوم غد الثلاثاء 4/10/2016، والذي أميل إلى قراءة مضمونه على النحو الآتي، أملاً أن أكون مخطئاً: "قررت المحكمة استثناء غزة من الانتخابات المحلية واستئنافها في الضفة الغربية." وقد أسست قراءتي هذه، راجياً أن أكون مخطئاً، على خبر نقله آفي سخاروف، مراسل موقع "واللا العبري" وانفرد بنشره ناسباً إياه إلى مصادر رفيعة المستوى في حركة فتح مفاده أن الرئيس عباس يريد استثناء غزة من الانتخابات المحلية حيث اتخذ قراراً خلال عطلة عيد الأضحى بإجراء الانتخابات في موعدها 8/10/2016 في الضفة الغربية فقط دون غزة، موضحاً لإذاعة الجيش أن عباس يهدف من خلال استثناء غزة من الانتخابات إلى تكثيف الضغط على حماس...."

تداعيات وقف الانتخابات مؤقتاً أو إلغائها أو استثناء غزة منها:

سواء كان قرار المحكمة وقف الانتخابات أو تأجيلها أو إلغاءها أو استثناء قطاع غزة منها، فإن لذلك كله تداعيات ونتائج خطيرة قوامها وأدواتها تراشق إعلامي وتلاوم وتحميل مسؤولية وتخوين مؤداه استمرار الأزمة، بل وتصعيدها نتيجة عودة كل طرف إلى حالة الاستقطاب الحاد الذي يفرق ولا يوحد.

أما آخر الكلام، فسواء انتهى الأمر إلى وقف الانتخابات المحلية مؤقتاً أو تأجيلها أو حتى إلغائها أو استثناء غزة منها، فإن الواجب الوطني والأخلاقي والديني والحضاري يقتضينا أن نسد الذرائع فنعالج النصوص التي يتذرع البعض بغموضها والتباسها، وأن يتم ذلك عبر حوارات فصائلية وجماهيرية واعية ومسؤولة، في وجود خبراء في القانون من الغيارى والأكفياء، وعلى نحو مباشر ومفتوح، بعيداً عن أسلوب الغرف المغلقة، مع الشروع بتهيئة بيئة ديمقراطية تفضي إلى التوحد، لا سيما بعد أن أدركنا وأيقنا – إلا المجانين منا – أن الانتخابات وحدها لن تكون لدائنا هي الدواء ولهمنا هي المفرج ولأزمتنا هي الحل والمخرج، ذلك أن توحدنا هو الذي يشق طريق خلاصنا مما نحن فيه من ضوائق وأحابيل وهو الذي يعبد دربنا نحو مستقبل نصبو إليه بعد أن غبنا عنه طويلاً وغيبناه.

 

بقلم الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر بغزة