في أحد أروقة الكنيست، غرفة مُغلقة بإحكام، لا يعرف محتوياتها سوى زعماء إسرائيل الكبار، الغرفةُ ليس فيها ذهبٌ أو ملفاتٌ سرية، أو أسلحة فتاكة، بل فيها خزانة ألبسة فقط لا غير، الغرفة، بها خزانة ملابسٍ فقط، في الخزانة أربعة أقسام، القسم الأول، الأزياء العسكرية للجنرالات، والثاني بدلات، وكرفتات، تصلح لوسائل الإعلام، وللسفراء وللاجتماعات، أما الركن الثالث، فهو مخصص للعباءات والنياشين للجوائز المحلية، والدولية، أما الزيُّ الرابع والأخير، هو زي المساجين!
كل زعيم إسرائيلي بارز، يخوض غمار التجربة السياسية، لا بد أن يرتدي هذه الأزياء جميعها، طوال فترة حياته! بدءا باللباس العسكري، وانتهاء بوسام الشرف، أو لباس السجن!
ولا يُقبل أيُّ سياسي بارز في إسرائيل إلا إذا ارتدى أولا زيَّ جنرالات الجيش، فإذا نجح فإنه يخلعُ هذا الزِّيَ، ويرتدي البدلة السموكن، ذات الكرفتة الحمراء أو الزرقاء، ويتحول إلى زعيمٍ، وخطيبٍ سياسي، ووزيرٍ للخارجية، وإذا فاز في خدمة إسرائيل، فإنه يلبس عباءة التكريم لجوائز العالم البارزة، أما إذا فشل في الاختبار فإنه يلبس ملابس السجن!! وقد يجري الأمرُ عكسيا أيضا! بأن يخلعَ البدلة الرسمية، أو عباءة التكريم، ويرتدي البدلة العسكرية.
غرفةُ خزانة الملابس المُتخيلة في الكنيست، يُجسِّدها أحسنَ تجسيد، رئيس دولة إسرائيل السابق، شمعون بيريس، فهو من القلائل، الذين تمكنوا من ارتداء الأزياء الثلاثة الأولى، ونجا من ارتداء الزي الرابع!
إن إعادة تدوير الزعماء في إسرائيل، وصقلهم، ليؤدوا الأغراض المنوطة بهم، هي أبرز صناعات الزعامات في إسرائيل، فهي الدولة الوحيدة القادرة على تغيير صورة الدكتاتور العسكري، القاتل القامع، إلى صورة الحمَل الوديع، حامل شعلة السلام، والعدل، والديمقراطية.
لن أتحدث عن شمعون بيريس، بل سأختار شخصية أخرى، لبست زيَّيْنِ من الأزياء الأربعة، وتطمح أن تلبس الزي الثالث، وما أكثرَهم في إسرائيل، كثيرٌ منهم يخلعون ملابس الجنرال العسكري، ويرتدون ملابس حمامة السلام، فها هو موشية أرنس، التسعيني، مكتشف نتنياهو، الذي لَبس زيَّ الجنرالات، فصار وزيراً للدفاع ثلاث مرات، ثم سفيراً ببدلة سموكنغ في الأمم المتحدة، يتحول في نهاية حياته إلى ناقدٍ لسياسة نتنياهو، وداعية لحل الدولتين، وإنهاء الاحتلال، طامحا لأن يلبس الزيَّ الثالث!
وهناك شخصية أخرى أرادتْ أن تلبس بسرعة البرق الزي الثالث، المخصص لدعاة السلام، فهو، يوفال ديسكن رئيس جهاز الشاباك الأسبق، 2005-2011 يُصرِّح: "تحولت إسرائيل في العقد الأخير، إلى دولة عنصرية، تُفرِّقُ بين اليهود والعرب !!"
يوفال ديسكن، أو باسمه الحركي ( الكابتن يوسف) عارض الانسحاب من غزة، وهو من أخلص مستشاري، رئيس الموساد السابق، مائير داغان، وكان من محرضيه على اغتيال الفلسطينيين، وهو أيضا من أنصار مواصلة بناء الجدار!
فهل سيتمكن بقية زبائن غرفة الملابس في الكنيست من ارتداء الأزياء الثلاثة، أو ربما يفشلون، فيرتدون الزي الرابع، زي موشيه قصاب، وإيهود اولمرت، زيَّ السجن؟!!
المتنافسون الجُدد، الواقفون أمام خزانة الملابس في الكنيست المُتَخَيَّلة هم، غدعون ساعر، موشيه يعالون، وإيهود باراك، وغابي إشكنازي، ومائير داغان، ويوفال ديسكن، وهناك ثمانيني آخر ينتظر، وهو رئيس الموساد الأسبق، إبراهام هاليفي، يقول في أحدث تصريحاته:
"يجب أن نتفاوض مع مروان البرغوثي، وخالد مشعل، وإسماعيل هنية، "إسرائيل لم تنتصر بعد حرب يوم الغفران أي انتصار لا في لبنان، ولا في غزة، وهي خائنة لمواطنيها" هآرتس 30/9/2016.
هذه الخزانة الافتراضية، صمَّمَتْها مجموعةٌ من دهاقنة السياسة، تُشير إلى أن معظم رجال الأحزاب في إسرائيل، هم فريقٌ رياضيٌ يُغيّرون مواقعهم، وفق تصميم مدرب الفريق!
توفيق أبو شومر
2016-10-05