الطريق إلى الرد على مجزرة حمام الشط في تونس الذي ذهب ضحيتها العشرات من الشهداء الفلسطينيون والتونسيون حيث مقر منظمة التحرير الفلسطينية بهدف اغتيال رمز فلسطين الشهيد القائد الرئيس ياسر عرفات، بعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان صيف عام 1982،كانت قاسية .. صعبة .. محفوفة بالمخاطر .. لكن العزيمة كانت هناك في الصدور التي أقسمت على اقتحام المصاعب فداءً لدماء وارواح الشهداء.. كانت كلمات الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية الشهيد القائد ابو العباس قاسية في ذاك الوقت.. إلا أن نجاح العملية أغنى عن ذلك ، فكانت عملية اشدود او سفينة اكيلي لاورو العملية العابرة للقارات ، لأن هدفها اطلاق سراح عدد كبير عدد الاسرى والمعتقلين وفي مقدمتهم انذاك الاسير المناضل الشهيد القائد سمير القنطار ، وإثبتت العملية بانه يمكن للثورة الفلسطينية الوصول إلى أهدافها رغم كل الإجراءات الامنيه المتخذة واجتياز كل العوائق ، وأبراز قضية شعبنا في المحافل الدولية.
في هذه الحقبة التاريخية الشاقة التي كانت تنظرها جماهير الشعب الفلسطيني والعربي قرر فارس فلسطين الشهيد القائد ابو العباس نزول عملية اكيلي لاورو والتي تتزامن مع ذكرى حرب تشرين ، وهي بكل تأكيد انتقاما لدماء الشهداء وإستمرارا للكفاح المسلح رغم بعد المسافات ، ورفضا للضغوطات على الشعب الفلسطيني او الرضوخ والإستسلام والتسويات والأشكال غير الجدية من أساليب العمل السياسي ، كما مثلت هذه العملية في الوقت نفسه تصميم المناضلين على أخذ زمام المبادرة لشق طريق النضال من اجل تحرير الارض والانسان والتي هي في الوقت نفسه طريق مسؤولية الجماهير العربية كلها .
لا شك فيه نحن عندما نقف امام الذكرى السنوية لعملية اكيلي لاورو ، نتوجه بالتحية الى ابطالها من شهداء واحياء فهم يستحقون اوسمة الشرف والعزة ، نتذكر الرمز الشهيد القائد الامين العام ابو العباس الذي كان له الدور الرئيسي في صوغ الرؤية النضالية للجبهه وبرامجها وتوجهاتها الفكرية والسياسية والتنظيمية والجماهيرية، والذي لم يكن قائداً ورمزاً جبهاوياً فقط ،بل كان قائداً ورمزاً فلسطينياً وعربياً وأممياً بامتياز،وكان بمثابة البوصلة التي يسير بهديها كل المناضلين والثوريين، وكذلك رفاقه القادة الامناء العامين طلعت يعقوب وابو احمد حلب ، ورفاقهم القادة سعيد اليوسف وابو العمرين وابو بكر وابو العز ومروان باكير وجهاد حمو وكل القادة العسكريين وابطال العمليات في الجبهة ،هذا الرفيق الذي كان قائداً جماهيراً بجدارة واستحقاق ، هذا القائد قاد مدرسة الجبهة واعتقل واستشهد في سجون الاحتلال الامريكي الصهيوني في العراق، دفع حياته من اجل فلسطين كان متسلحاً بنفس قناعاته وأرائه ،وشكلت عملية اكيلي لاورو البوصلة الاعلامية التي لاحقت الشهيد القائد تحت عناوين مختلفة .
ان هذه العملية التي ورد بحق ابطالها لغط كبير ، وكانت بوصلتها فلسطين ، حيث كتب ابطالها نماذج الفداء التي لا يماري فيها احد ولا يشك فيها عاقل، والتي قيل الكثير عنها بوسائل الإعلام وحاول العالم وصمها بالإرهاب وتم عمل أفلام ومسلسلات في واقعها خطت الكتب والمذكرات التي تستعرض تفاصيلها وتحدث عنها الكثيرون ولكنها ستظل علامة فارقه في نضال شعبنا الفلسطيني وستظل هذه العملية وأبطالها الذين استشهدوا و مازال منهم البعض على قيد الحياة أبطال للشعب الفلسطيني ، وان سفينة اكيلي لاورو كانت وسيلة للوصول الى ميناء اشدود ، حيث إثبتت العملية بانه يمكن للثورة الفلسطينية الوصول إلى أهدافها رغم كل الإجراءات الامنيه المتخذة واجتياز كل العوائق ، وأبراز قضية شعبنا في المحافل الدولية.
العملية لم تكن هدفها خطف مواطنين ، ولكن ما جرى على متنها هو اكتشاف ابطال المجموعة ، مما استدعى من قبل المجموعة قرار تحويل وجهتها الى مكان اخر حفاظا على دماء الابرياء ، وامام هذه العملية استغلت اسرائيل عبر وسائل الدعاية الصهيونية العملية واتهام الشهيد القائد ابو العباس بخطف السفينة الذي كان على متنها اربعمائة مواطن من جنسيات مختلفة ، حيث ان الشهيد ابو العباس لم يكن يعلم بما حصل من تطور على متن السفينة، مما جعله يتدخل من اجل ارجاع السفينة وانقاذ حياة المواطنيين الذين كانوا على متنها ، ولكن الغطرسة الامريكية قامت باختطاف الطائرة المصرية التي كان على متنها هو وابطال المجموعة ، وبعد هبوط الطائرة في احدى قواعد الناتو في جزيره صقليه في ايطاليا ، منعت القوات الايطالية اي جهة من الاقتراب من المجموعة وعملت على اطلاق سراح الشهيد القائد ابو العباس واحتجزت افراد المجموعة ، وأصبحت هذه العملية هاجس عند الاحتلال ، واثبتت العملية القدرة العالية للمناضلين بالتضحية والاستشهاد من اجل قضيه عادله هي قضية فلسطين التي استشهد من اجلها عشرات الآلاف.
وفي ظل هذه الظروف تعرضت جبهة التحرير الفلسطينية الى حصار مالي ومعنوي ، الا ان قيادة الجبهة توجهت في الوقت ذاته بنداء مفتوح إلى كافة القوى والفئات الفلسطينية للإلتقاء الوطني الثوري ، اكدت فيه ان المعركة طويلة وقاسية ولا تحتمل تمزقاً في صفوف الحركة الوطنية ، ولذا فإن جبهة التحرير الفلسطينية الحريصة كلياً على هذا المطلب لأنها قد قامت على أساسه ، تقف اليوم لتؤكد على صمودها في مواجهة المخاطر والاستمرار في مسيرة الكفاح والنضال وتصاعده باعتباره هو المنهج الرئيسي الذي سيجعل من أرضنا ميداناً أساسياً للصراع الطويل الذي نخوضه ضد الإحتلال ومحاولاته لتصفية قضيتنا سواء بمحاولة الإستيطان وتهويد الارض والمقدسات الاسلامية والمسيحية، وترى إن المقاومة لا يجب أن تقتصر على المناضلين وحدهم ، بل أن لكل إنسان فلسطيني دروه في مقاومة العدو وعلى كل مستوى ، فلا تعامل مع العدو بل مقاطعة تامة لكل مؤسساته الإقتصادية أو المدنية أو السياسية التي يحاول خلقها ، الا ان الشعب الفلسطيني سيبقى متمسكا في ارضه التي يمتد جذورها إلى أعماقها .
إن حجم البطولات والتضحيات التى قدمتها جبهة التحرير الفلسطينية في صراعها مع العدو الصهيونى ، يؤكد قدرتها على مواصلة النضال مع كافة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والثورة الفلسطينية .
من هنا نقف امام الدور الكبير الذي لعبه الشهيد القائد ابو العباس حيث استطاع ان يجمع بحنكته القيادية النضالية كل مناضلي واحرار العالم حول العمل النضالي والاستشهاد في سبيل القضية الفلسطينية من سوريا ولبنان والعراق والجزائر والمغرب وليبيا وتونس والكويت والاردن وباكستان وامريكا اللاتينية، أولئك الأبطال الميامين الذين سطروا أروع الملاحم البطولية التي هزت الكيان الصهيوني اقتصادياً وسياسياً واجتماعيا إيماناً من هؤلاء المناضلين الأبطال بصحة وصواب وعدالة النهج الثوري والأهداف والمبادئ التي تناضل من اجلها جبهة التحرير الفلسطينية وعدالة القضية الفلسطينية.
وامام كل ذلك اتت العملية في ذكرى انتصار السادس من أكتوبر عام 1973 التي كانت أقوى تعبير عن الحقيقة التي تقول، "ما ضاع حق وراءه مطالب" حيث شكلت حرب تشرين بابطالها من الجيشين العربيين المصري والسوري علامة بالوفاء والتضحية والتكاتف العربي في أزهى صورة معمدة بالدم والعرق والتضحيات واستخدام كل الأسلحة وفي مقدمتها سلاح النفط، فاكدت عملية اكيلي لاورو في العام 1985 استكمال المعركة من خلال وصول المقاتل الفلسطيني الى ارضه لا يمكن ان يكن ببعد المسافة، وأن التفاوض والحصول على الإنجازات السياسية لا يمكن أن يجدي إلا إذا ساندته ذات الروح والعزيمة للمقاومة المسلحة .
وفي ظل هذا الوقائع لن ننسى انتصار المقاومة في لبنان الذي هو انتصار للمقاومة في فلسطين ، وانتصار للمواجهة والتصدي للمشروع الاميركي الصهيوني في المنطقة، هذا الانتصار الذي يصبّ ضمن تيار التوجهات الاستراتيجية التي ناضلت كافة القوى الحية، من اجل ترسيخها. فالحقوق ننتزع ولا تعطى مجانا والسلام العادل لا يصنعه إلا الاقوياء.
ان ما تقوم به الرباعية العربية هو مؤشر لا يحتمل التأويل بأن النظام العربي عازم على التخلص من القضية الفلسطينية وتجاوزها، بثمن وبلا ثمن، لصالح التحالف الرسمي والعلني مع الاحتلال، في خدمة أجندات مشتركة في المنطقة، حيث يأتي اندفاع النظام العربي نحو التحالف العلني مع كيان الاحتلال، على حساب القضية الفلسطينية، في ضوء الخسائر المتلاحقة نتيجة تقدم وانتصار محور المقاومة في المنطقة.
نعم علينا ان نأخذ من التجربة النضالية للمقاومة آفاقا جديدة على المستقبل، ولكن لن تكون تلك نهاية الأمور، وأقول إنه في المرحلة القادمة ستكون أصعب لاننا امام مواجهة سيناريو آخر وحلقة جديدة من المخطط الصهيوني الأميركي، وعلى الرغم من كل المؤامرات التي تحيكها الإدارة الأميركية في ما اصطلح على تسميته ب"الشرق الاوسط الجديد" القائم على الحروب الطائفية وتفتيت المنطقة، إلا أن الوعي القومي العربي أصبح الحصانة الأولى للتصدّي لهذه المشاريع الاستعمارية الجديدة التي تقودها الادارة الامريكية.
ان عملية اكيلي لاورو والعمليات البطولية لجبهة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية لم تكن لولا احتلال فلسطين من قبل كيان استيطاني عنصري صهيوني هجر الشعب الفلسطيني وما زال يستهدف الشجر والحجر والبشر وتهويد القدس ومصادرة الاراضي وبناء دولة المستوطنات داخل الضفة الفلسطينية ، وقد اثبتت الاحداث ان الصراع مع الاحتلال لم يتغير رغم مرور عشرون عاما على المفاوضات العقيمة التي لم تجلب سوى مزيدا من الكوارث من قبل الاحتلال , وخاصة ان طبيعة الصراع في فلسطين انما هو صراع وجود وليس صراع حدود مع الاحتلال الصهيوني .
لذلك لا بد من الضرورة العمل السريع من اجل توحيد الصف الفلسطيني وذلك بانهاء الانقسام السياسي والجغرافي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، ورسم استراتيجية وطنية تستند لكل اشكال النضال بما فيها إضافة إلى الاستمرار بالذهاب إلى المؤسسات الدولية لمحاسبة الاحتلال على جرائمه، لافتا إلى أن هذه التوجهات قد تشكل طريقا نحو عزل إسرائيل دوليا.
واليوم نرى أن وحدة الشعب والأرض والمؤسسات تصون حق الشعب الفلسطيني في النضال بكافة اشكاله من أجل دحر الاحتلال والاستيطان وتحرير الأسرى واقامة الدولة المستقلة بعاصمتها القدس وضمان حق العودة وتقرير المصير، في مرحلة تتسم بطابعها التحرري الوطني تحت رايات منظمة التحرير التي تضم الجميع الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في كافة أماكن تواجده.
ومن هنا تحتل مكانة شهر اكتوبر سمة خاصة في تاريخ شعبنا العربي والفلسطيني و تاريخ جبهة التحرير الفلسطينية ، فكانت انتصارات مجيدة سطرها الجيش العربي السوري والمصري بأسمى آيات البطولة والفداء في أكتوبر عام 1973 ، بغض النظر عن اخفاق وصول عملية اشدود الى سواحل فلسطين عام 1985 ، ولكن ابطالها قالوا للعالم و لقادة العدو الصهيوني نحن سنبذل الغالي والرخيص من اجل الرد على مجازركم ، ونحن على استعداد للتضحية في سبيل حرية فلسطين واسراها ، ونحن من يحدد الزمان و المكان المناسبين متى أردنا ،واليوم الشعب الفلسطيني بكل فصائله وقواه ومناضليه يرى ان الابعاد السياسية الراهنة التي تقوم بها القيادة الفلسطينية تتطلب ارادة فولاذية ورؤية ثاقبة والتفاف جماهيري .
ختاما :لا بد من القول ان الشعب الفلسطيني الذي يواصل نضاله رافضا سياسة التطبيع والعودة الى مسار المفاوضات ، ومؤكدا ان انتفاضة شابات وشباب " انتفاضة القدس " بداية مرحلة جديدة من النضال الوطني الفلسطيني من أهم سماتها ، الطابع الجماهيري الشامل للإنتفاضة بمواجهة الاحتلال ، حيث تحول شعار الدولة من إمكانية تاريخية إلي إمكانية واقعية ، حيث تؤكد أن تجسيد هذا الشعار على أرض الواقع يتطلب نضالاً شاقاً وطويلاًوهذا يتطلب ضرورة توفير الحماية السياسية للإنتفاضة والعمل علي استمرارها وتجذيرها وتصاعدها حتى تحقيق هدفها بالحرية والإستقلال والعودة، وباعتبارها تشكل مسيرة نضال وإيمان لا زال الشعب الفلسطيني تواق لها من اجل رسم تاريخ مشرق على طريق قادة ومناضلين تعملقوا نجوما في سماء فلسطين ، لم يعشقوا سوى فلسطين الوطن والانتماء، ترفعوا عن ثقافة التعصب والحقد، وزرعوا أشجار الوطنية لتنبت في صحاري قاحلة قوافل الشهداء.
بقلم/ عباس الجمعة