الكويتيون والعمل الخيري..قصة الاصطفاف إلى جانب الإنسانية

بقلم: عصام يوسف

تمكن الكويتيون على مر عقود طويلة من ترسيخ صورة يمكن وصفها بـ"الرمزية" في علاقتهم مع العمل الخيري والإنساني، جرى رسم ملامحها من خلال أسبقيات سجلها أبناء الشعب الكويتي، وأضفوا من خلالها دعائم متينة في بنية قطاع العمل الخيري الإسلامي.

وتستمد صفة "الرمزية" من اعتبارات عدة ربما كان من أهمها تجذّر المفاهيم الخيرية في نفوس أبناء الكويت ما دفعهم لتبني إطلاق مشروع أولى المؤسسات الخيرية في البلاد التي سبقت إنشاء الدولة الوطنية، حيث عبر ذلك عن سلوك اجتماعي متقدم في الوعي مبعثه الحاجة لتدعيم أركان المجتمع، وتعضيد الترابط بين أبنائه من خلال الأخذ بيد الفئات الضعيفة، للتأكيد على حرصهم الكبير في تجسيد أقصى درجات التكافل الاجتماعي، لا سيما وأن الظروف الاجتماعية في تلك المرحلة كانت تتسم بصعوبة العيش وضنكه، وتوالي الأزمات الاقتصادية والسياسية في منطقة الجزيرة العربية، والعالم العربي برمته.

وينبع هذا الوعي من طبيعة الشخصية الكويتية التي تؤمن إيماناً كاملاً بأن عمل الخير هو تكليف رباني، وهو أهم السبل وأقصرها لمرضاة الله ونيل ثوابه، والخلود في جناته، كما أن البيئة الجغرافية كان لها أثر في تكوين هذه الشخصية المنفتحة على العالم، والتعامل مع الآخر من خلال علاقات فرضها النشاط التجاري الذي امتهنه أهل الكويت، ذلك البلد الساحلي الصغير الذي يرتبط كذلك بروابط الأخوة والدين والنسب والثقافة الواحدة مع أشقائه من أبناء المنطقة العربية.

ويرصد المؤرخون بدايات العمل الخيري المؤسسي في الكويت مع افتتاح أول جمعية في البلاد في مارس عام 1913م، على يد مؤسسها "فرحان الخضير"، بإمكانيات قليلة، وعمر قصير، إلا أن الانجازات كانت كبيرة ومعتبرة، تنوعت بين تأسيس مركز صحي يقدم خدماته العلاجية للفقراء، والدعم المالي للمحتاجين، وخدمات تجهيز الموتى، وإعمار المساجد، ودعم جهود الوعظ والإرشاد، وتحفيظ القرآن الكريم.

كما يشير الباحثون إلى أن مبادرات العمل التطوعي الفردي ثم الجماعي قد استبقت تكوّن المؤسسات الحكومية العصرية التي تدير هذا القطاع بالشكل المعتاد المتعارف عليه، حيث لعبت كافة فئات المجتمع دوراً بارزاً في إطلاق العمل الخيري التطوعي بشكله الفردي، والذي تجلى في تألق أدائها، حيث الأطباء يقدمون خدماتهم الخيرية للمرضى، والمدرسين لطلبتهم، والتجار في مساعدة الفقراء والمحتاجين..وغير ذلك، فضلاً عن جهود العمل التطوعي الجماعي التي بدأت مبكراً في الكويت، وعلى الرغم من عفويتها إلا أنها أنتجت مؤسسات خيرية تطوعية على رأسها المدرسة المباركية وهي مؤسسة تعليمية ثقافية ساهم أبناء الكويت في دعمها مالياً كما ساهموا بالتعليم فيها وإدارتها، وتوفير كافة احتياجاتها، وكان ذلك في عام 1911م.

ثم الجمعية الخيرية العربية عام 1913م، فالمدرسة الأحمدية في عام 1921م، ثم النادي الأدبي عام 1922م، والمكتبة الأهلية كمؤسسة ثقافية فكرية في عام 1926م.

وقامت هذه المؤسسات بأداء أدوار كان لها الأثر الواضح في حياة الشعب الكويتي، والتي عززت من وعيه بأهمية العمل الخيري الإنساني، والتطوعي، وضرورة الاستمرار في تطويره، لتقوم فيما بعد المؤسسات الحكومية بأداء دورها الداعم "التأطيري" لعمل المؤسسات الخيرية والتطوعية، حيث جرى مع مطلع الستينيات فتح المجال لإنشاء جمعيات النفع العام التطوعية لتساهم مع مؤسسات الدولة في تنمية المجتمع وازدهاره تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، التي بلغت في الوقت الحاضر العشرات من المؤسسات الإنسانية العاملة في كافة المجالات، من مبرات وجمعيات ولجان خيرية، تقدم العون والمساعدة لمن يحتاجها في مختلف أنحاء المعمورة.

وفيما يخص اهتمامات قطاع العمل الخيري الكويتي، والوجهة التي اتخذتها جهود المؤسسات الخيرية، ورجال الخير من أبناء الشعب الكويتي، فقد كان واضحاً الالتزام بقضايا الأمتين العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث هب أبناء الشعب الكويتي لنصرة أشقائهم الفلسطينيين في صورة تبرز أرقى وأعظم أشكال التلاحم والتعاضد بين الأشقاء منذ بدايات المحنة التي ألمت بالشعب الفلسطيني.

ويؤكد المختصون في رصد تاريخ العلاقة بين الشعبين الشقيقين بأن الكويتيين قد بادروا إلى تقديم يد العون لأشقائهم الفلسطينيين حتى في ظل ظروف العيش الصعبة التي كانوا يعيشونها قبل اكتشاف النفط، لا سيما تلبيتهم للنداء الإنساني والأخلاقي، ولنداء الأخوة والدم والدين، الذي ظهر جلياً خلال أحداث الإضراب العام وثورة الشعب الفلسطيني على الاحتلال البريطاني عام 1936، حيث نظم عدد من أهل الخير في الكويت حملة للتبرعات ليبادروا بعدها إلى تأسيس لجنة تجمع المساعدات العينية بكل أشكالها للمرابطين في فلسطين، مواصلةً عملها حتى انتهاء الثورة عام 1936م.

واستأنفت اللجنة عملها مع بداية الستينيات في مرحلة بدت فيها البلاد عقب استقلالها، مقبلة على انتعاش اقتصادي مع التوسع في تصدير النفط، واستمرت لسنوات طويلة، في تأكيد واضح على تأصل العمل الخيري في نفوس أهل الكويت، والتزامهم تجاه قضايا أمتهم في السراء وفي الضراء.

ومنذ ذلك الحين لم ينقطع دعم الأشقاء لأشقائهم الصامدين أمام صلف الاحتلال وجبروته، بل اتسع وأخذ أشكالاً مختلفة من عيني ومادي، وتقديم الدعم لكافة فئات المجتمع الفلسطيني كالطلبة، والأيتام، والجرحى، والأرامل، والمؤسسات الفلسطينية على اختلاف أعمالها واختصاصاتها، وذلك بشكل يواكب تشعب واستفحال معاناة أبناء الشعب المكلوم.

وكان الشعب الكويتي يؤكد في كل مرحلة من تاريخه إخلاصه في دعم قضاياه القومية والإسلامية والإنسانية، وانتمائه لفطرته السليمة، فقد كان تأسيس "لجنة كويتيون لأجل القدس" عام 2000 وهي لجنة مشتركة بين الجمعية الثقافية الاجتماعـية وجمعية الخريجين الكويتية الهادفة لدعم ومساندة الشعب الفلسطيني، كجيل يسلم آخر راية الإنسانية والانتماء لأخوة الدم والدين والمصير الواحد.

وقد وقفت الدولة الكويتية بكل مكوناتها وأطيافها خلال العقود الماضية مع الحق الفلسطيني وقفات تميزت بتميز الحس الوطني والقومي والديني والإنساني لدى الكويتيين، لتحمل فيما بعد مؤسساتها الخيرية راية الدعم الإنساني المؤسسي المتواصل والمنظم تجاه قضية العرب والمسلمين الأولى.

فقد ساهمت غالبية المؤسسات الخيرية الكويتية في دعم الشعب الفلسطيني انطلاقاً من مبدأ الجسد الواحد، كما كان لمؤسسات خيرية عريقة انجازاتها الكبيرة على صعيد الدعم المقدم للفلسطينيين كجمعية الإصلاح الاجتماعي، والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، والهلال الأحمر الكويتي، وبيت الزكاة الكويتي، وجمعية الشيخ عبدالله النوري الخيرية، ومؤسسة العون المباشر، وجمعية النجاة الخيرية..وغيرها من المؤسسات.

وحشدت المؤسسات والجمعيات كافة إمكاناتها لدعم صمود الشقيق الفلسطيني، إلى جانب تقديم الدعم لساحات أخرى كسوريا التي خصصت لها المؤسسات جهداً استثنائياً نظراً للحاجة الإنسانية الطارئة منذ ما يقرب الخمس سنوات، فضلاً عن مناطق الاحتياج الإنساني في مناطق أخرى كباكستان والسودان والصومال واليمن وغيرها العديد من المناطق.

ومن الأمثلة على دعم هذه المؤسسات لصمود الشعب الفلسطيني، فقد وصل حجم المشاريع التي قامت "الرحمة العالمية" (إحدى المؤسسات الخيرية المنبثقة عن جمعية الإصلاح الاجتماعي) بإنشائها في الأراضي الفلسطيني حتى العام الماضي 16024، تشمل كفالة الأيتام والأسر، ومشاريع الإغاثة الغذائية والطبية، والمشاريع التنموية والإنشائية من بناء المدارس والمعاهد العلمية وبناء المساجد ومراكز تحفيظ القرآن، ودور الأيتام وبناء وترميم بيوت الفقراء ومساعدات المرضى وتشغيل المستشفيات، فضلاً عن المشاريع الوقفية والتأهيل المهني والدورات الشرعية للأيتام، والمشاريع الموسمية كإفطار صائم وسلة رمضان والحقيبة المدرسية والأضاحي وغيرها، وذلك بحسب رئيس مكتب فلسطين في المؤسسة الدكتور وليد العنجري.

مضيفاً بأن الرحمة العالمية تكفل شهرياً في فلسطين 10863 يتيماً، و2699 أسرة، و270 معاقاً، و45 طالباً، فيما نفذت المؤسسة مئات المشاريع الإغاثية والمساعدات المتنوعة والمشاريع الموسمية استفاد منها 597295 أسرة، منها إغاثات غذائية ومساعدات متنوعة وكسوة الشتاء، أما المشاريع الموسمية كإفطار الصائم فقد استفاد منها 1831515 صائماً، كما استفاد من الأضاحي 2604435 فرداً.

أما الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية التي تضطلع بدورها الخيري الريادي منذ أن تم تأسيسها بقرار أميري منذ العام 1986، تتجاوز في تكوينها وأدائها الإطار المحلي لتأخذ الصبغة العالمية، متطلعة في ذات الوقت إلى أن تسهم في تمكين المجتمعات المستهدفة من خلال مشاريع وبرامج تنموية وشراكات إستراتيجية وكفاءات بشرية متخصصة.

وفي سبيل الإشراف على مشاريعها المنتشرة في 136 بلداً، افتتحت 12 مكتباً ميدانياً في دول مختلفة، إضافة لإدراج إدارتها عدداً من لجان العمل، التي تقوم على إدارة المشاريع والبرامج في الدول والمناطق التي تعمل بها، ومنها لجان: (فلسطين – مسلمو آسيا – لجنة ساعد أخاك المسلم)، وللهيئة مراكز متخصصة، إضافة للصناديق الوقفية، مثل: (الصندوق التعليمي - الصندوق الصحي- الصندوق الاجتماعي - الصندوق الثقافي - الصندوق الإنتاجي – الصندوق الإغاثي – الصندوق العام(.

وقد لعبت جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت دوراً بارزاً في رسم معالم هوية العمل الخيري في البلاد، وترسيخ مفاهيمه من خلال التأكيد على مبادئ العمل الاجتماعي بمختلف تفاصيلها، والتي تضمنتها أهداف الجمعية من نشر للوعي الإسلامي الصحيح المنضبط بأطر الشريعة بين أفراد المجتمع، من أجل تحصينهم من الهجمة الشرسة التي يتعرض لها العالم الإسلامي، فضلاً عن المشاركة الفعالة في حل المشكلات الطارئة على المجتمع الكويتي، إضافة لدور الجمعية في إبداء النصح والمشورة للجهات المختصة في كافة المجالات كالتربية والتعليم والإعلام، فيما يعود بالخير على الصالح العام.

ويبرز هنا الدور الكبير للجان المختلفة التي أنشأتها الجمعية لتحقيق تلك الغايات فعلى سبيل المثال يتضح دور لجنة (بشائر الخير)، في مواجهتها لمشكلة العصر "إدمان المخدرات" وما ينتج عنها من تدمير لشباب الأمة، وكذلك العديد من اللجان الأساسية التي تنفذ المهام الشرعية والأنشطة المجتمعية، حيث سطع خلال العقود الماضية نجم لجان الزكاة، ولجان العمل الاجتماعي، واللجان المهتمة بالجانب النسائي والفتيات والبنات، واللجان التي تحتضن الشباب والفتيان، مخلفة وراءها رصيداً هائلاً من الانجازات الهامة ما يزال يراكم جيلاً بعد جيل.

فيما تخوض جمعية الشيخ عبدالله النوري الخيرية ميادين العمل الإغاثي، إلى جانب جهودها في مجال العمل الدعوي والتعليم، من خلال تلمسها لحاجة المجتمعات التي تعمل فيها، واستجابتها للظروف الطارئة من خلال مشاريعها التنموية كحفر الآبار في الهند وقرغيزيا، وغيرها من الدول، إضافة لمشاريعها الإغاثية العاجلة، كمشاريع إغاثة المناطق اليمنية والسورية المنكوبة وغيرها، فضلاً عن مشاريعها الرئيسية الدائمة ككفالة الأيتام والأسر المتعففة وطلبة العلم.

وفي تجربة منظمة الهلال الأحمر الكويتي التي أنشئت في عام 1966 ما يلخص التزام الدولة الحديثة بقيم ومعايير العمل الإنساني، والتي صاغت فكر وإيديولوجيا المجتمع الكويتي في التعامل مع القضايا الإنسانية، ومعاناة الشعوب والجماعات الناتجة عن الحروب والكوارث الطبيعية والأخرى التي هي من فعل الإنسان، من خلال "ضمان الرعاية الإجتماعية والصحية للفئات المحتاجة" وفق ما نصت عليه أهداف المنظمة، وذلك عبر "المساهمة في عمليات الإنقاذ من الكوارث، وتوفير الإسعافات الأولية".

كما تشمل هذه الأهداف "تقديم المساعدة والحماية للجرحى والأسرى والمنكوبين في زمن الحرب"، وقد ترجمت ذلك بشكل عملي خلال العقود الماضية بعد أن أبلت بلاءً حسناً في تقديم الدعم الإنساني للاجئين من أبناء الشعب الفلسطيني في مختلف مناطق تواجده، إضافة لدعمها اللاجئين والنازحين من أبناء الشعب السوري خلال السنوات الخمس الماضية بواسطة مشاريع إغاثية متنوعة سعت من خلالها للوصول إلى القطاع الأوسع من المتضررين نتيجة الأحداث في سوريا.

ولبيت الزكاة الكويتي قصة نجاح أخرى تمثلت بتوظيفها لفرائض التكليف الشرعي في دعم الحالات الأشد حاجة وفقراً، ليس في داخل الكويت فحسب، بل في مناطق العوز المنتشرة في عالمنا العربي والإسلامي، وقد وظفت في ذلك كافة الامكانات والوسائل الحديثة لتحصيل زكاة أبناء الشعب الكويتي إما من خلال مراكزها المنتشرة في البلاد، أو التقنيات التكنولوجية كموقعها الالكتروني، وخدمة الـ K-Net، وكذلك خدمة التحصيل السريع من خلال مندوبي المؤسسة، لتتظافر هذه الجهود من أجل تقديم العون للمعوزين من أبناء الأمة الإسلامية، وقد أثبت بيت الزكاة دوره الإيجابي والفاعل منذ تأسيسه في رفع المعاناة عن هؤلاء المعوزين، ليكون بذلك حلقة الوصل بين المحسن والمحتاج في تأدية فريضة الزكاة لمستحقيها من الفقراء والأيتام، وغيرهم من الفئات المعوزة.

كما كان لمؤسسات أخرى في تقديم صورة إعانة المحتاج والمستجير كواجب شرعي إسلامي تمليه تعاليم الدين السمحة، من خلال منافذ وقنوات عديدة حددها التشريع الإسلامي بشكل واضح، كما حدد منافعها وأجرها للمحسن والمحسن إليه، وما لذلك من انعكاسات كبيرة في تقوية أواصر المجتمع، وفي ترسيح قيم التكافل الإجتماعي فيه.

ومن ضمن المؤسسات والجمعيات الخيرية التي عملت في هذا الإطار، جمعية إحياء التراث الإسلامي، حيث تقوم ضمن جملة أهدافها، بنشر الإسلام الصحيح كما رسمه الرسول (صلى الله عليه وسلم) وفق فهم الصحابة رضوان الله عليهم، والعمل على تنقية الدين من الشوائب، إلى جانب دورها في "إغاثة الأسر الفقيرة في الكويت وخارجها، وتقديم ما يلزم من الغذاء والشراب واللباس والدواء"، إضافة لما تبذله من جهود في إنشاء المشاريع التنموية كحفر الآبار وبناء المدارس والمستشفيات، وبناء المساجد في الدول الفقيرة.

وتشترك كافة المؤسسات الخيرية الكويتية في الهدف الأسمى وهو شنها الحرب على الفقر والجهل، والإسهام في خلق عالم يعيش فيه الإنسان بكرامة، حيث تعمل هذه المؤسسات ومن بينها جمعية النجاة الخيرية على الوصول لكل محتاج في أي بقعة من الأرض، دون تمييز لعرق أو جنس أو دين، فقد وصلت مشاريع النجاة الإغاثية والإنمائية إلى الفلبين وسريلانكا واندونيسيا وباكستان وبنغلادش وتشاد واليمن ومصر وجيبوتي والسودان والأردن وفلسطين وسوريا وتركيا وألبانيا وكوسوفو والبوسنة.

وعلى الرغم من التطورات السياسية المتلاحقة، وتفجر بؤر للصراع داخل جسد الأمة الواحدة، إضافة لازدياد حجم الكوارث البيئية، وما لذلك من انعكاسات إنسانية جوهرية ألقت بظلالها على كاهل العمل الخيري بشكل عام، إلا أن بوصلة العمل الخيري الكويتي بقيت محافظة على ثوابتها في تقديم الدعم لكل من يحتاج إليه من بني البشر بغض النظر عن الدين أو الوطن أو الجنس أو اللون، حيث أن مؤسسات العمل الخيري الكويتي لم تأل جهدا في تقديم العون للأشقاء السوريين، فقد بادرت منذ بدايات الأزمة قبل ما يقرب الخمس سنوات إلى تقديم الاحتياجات الأساسية من طعام وشراب وخدمات صحية وتعليمية للاجئين من أبناء الشعب السوري.

كما أنها حاضرة في مناطق مختلفة من عالمنا العربي كاليمن ومصر ولبنان والصومال، إضافة لدول إسلامية كبورما وباكستان وأفغانستان وبنغلاديش واندونيسيا، فضلاً عن دول أفريقية نشطت فيها العديد من الجمعيات، على رأسها جمعية العون المباشر التي عملت خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات على مكافحة الجوع والأمية، إلى جانب العمل على إنشاء مشاريع تنموية، وكذلك جهودها الكبيرة في مجال العمل الدعوي الإسلامي.

وقد عمدت المؤسسات الخيرية الكويتية من خلال منهجية واضحة، تثبت بعد النظر الكبير لديها، إلى تنفيذ المشاريع ذات الأثر المستدام على مستحقيها، لتتخذ طابعاً تنموياً تستفيد منه كافة شرائح المجتمع كالمشاريع التعليمية والتدريبية المختلفة بهدف تنمية الطاقات البشرية واستغلالها بالشكل الأمثل، ومشاريع مكافحة الأمية من أجل تحقيق غاية تقدم هذه المجتمعات وازدهارها، إلى جانب إنشاء المشاريع التنموية الإنتاجية في المجتمعات الفقيرة بغرض تمكينها من استثمار مواردها البشرية والمالية وثرواتها وتوفير فرص العمل ليتمكن أفراد المجتمع من العيش الكريم معتمدين على أنفسهم.

وقدمت مؤسسات وشخصيات على مدى سنوات العطاء الكويتي الطويلة ما يشبه "الملحمة" الأسطورية في مجال العمل الخيري تمثلت في أدائها لواجبها بإخلاص فائق، وشفافية ومصداقية عالية، وتفانٍ لم يسبق له مثيل، حيث تعد تجربة الدكتور عبد الرحمن السميط، الذي آثر ترك رغد العيش في بلاده، ليعيش قسوة الحياة في مجاهل أفريقيا بغية إغاثة من يئنون تحت الجوع والجهل والمرض، معرضاً نفسه لمخاطر لا يمكن التكهن بها، كأنموذج على تضحيات قدمها رجال الخير من أهل الكويت.

وقد أثمرت جهود السميط ومن حذا حذوه من ممتهني العمل الخيري والإنساني إلى إنجازات هائلة طالت قطاعات متنوعة، واستفاد منها مختلف الفئات الاجتماعية، من مكافحة للأمراض والأوبئة، وبناء للمستشفيات، والمدارس، والمساجد، وربما الأهم من كل ذلك تصدي السميط ومن معه من رجال الخير -ومن ورائهم المؤسسات الخيرية- للمجاعات الموسمية المتكررة في أفريقيا، حيث أنقذت جهودهم مئات الآلاف من خطر الهلاك نتيجة الجوع.

فيما لا تزال انجازات "مؤسسة العون المباشر" التي أسسها الفقيد العظيم السميط تنهل من روحه المعطاءة، وفكره الإنساني العميق، حيث يؤكد رئيس المؤسسة الحالي عبدالله بن عبدالرحمن السميط بأن أداء المؤسسة المتميز على مدى سنوات منحها المصداقية لدى المؤسسات الدولية، ما فتح أمامها الأبواب لصنع شراكات والتعاون مع هذه المؤسسات كوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، واليونسكو، والبنك الإسلامي للتنمية، وصندوق التضامن الإسلامي، وغيرها من المؤسسات، فضلاً عن التعاون الكبير والشراكة مع حكومات الدول التي تعمل فيها المؤسسة.

وستظل الانجازات العظيمة إلى جانب المؤسسات التعليمية والصحية والدينية..وغيرها من المؤسسات التي تخدم القطاعات الحيوية فيما يقرب من 29 بلداً أفريقياً وصلتها يد الخير الكويتية، ماثلة أمام الأجيال التي فتحت لها هذه المؤسسات آفاقاً للحياة وللتفكير في مستقبل أفضل، حيث لم تستهدف المشاريع التي أنجزت إغاثة المنكوبين من الجوعى فقط، بل وخطت خطوات باتجاه تنمية مجتمعاتهم.

ولم يكن استحقاق تسمية الكويت من جانب الأمم المتحدة كـ "مركز إنساني عالمي"، في يناير 2014، ومنح أمير الدولة صباح الأحمد الصباح لقب "زعيم للإنسانية"سوى أقل القليل لتقدير الدور الإنساني الكبير الذي تلعبه هذه الدولة صغيرة المساحة، ليكون بذلك احتفاءً وتكريماً لسمو وطيب أخلاق شعبها، وعظمة مؤسساتها التي لم تخذل يوماً يد تمتد طالبةً الغوث والمساعدة.

بقلم: الدكتور عصام يوسف – رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم غزة