البدائل امام إسرائيل… والبدائل امام فلسطين

بقلم: عماد شقور

 

البدائل المطروحة امام اسرائيل، في ما يخص تعاملها مع من تبقى من الشعب الفلسطيني فوق ارض فلسطين، كثيرة، بل وكثيرة جدا: فهي القوة المسيطرة، وهي التي تملك امكانيات عسكرية تقليدية وغير تقليدية، لا منافس لها، ليس لدى الشعب الفلسطيني فقط، بل في طول المنطقة العربية وعرضها، وخاصة في هذه المرحلة، حيث ينشغل فيها العرب بحروبهم البينية والداخلية، وهم يستعينون فيها بكسرى، وبقيصر، وبالعم سام، وبكل من هبّ، وبكل ما دبّ ايضا.
هذه الفسحة الزمنية المثالية، من زاوية النظر الاسرائيلية، فتحت الابواب واسعة امام اسرئيل، لتختار أي بديل يخطر على بال قيادتها. إلا ان الايام تكشف لنا فشل تلك القيادة في التقاط "اللحظة المؤاتية"، والمبادرة إلى حل القضية الاولى التى تواجهها منذ انطلاق الحركة الصهيونية مع نهايات العقد الاخير من القرن التاسع عشر، وعلى امتداد سنوات القرن العشرين، والعقدين الاولين من الالفية الثالثة.
استمرأت القيادة الاسرائيلية الصهيونية، مستندة إلى قوتها العسكرية الطاغية، "ادارة الازمة"، بدل المبادرة إلى التعاطي الجدّي مع السبب الاساسي لتلك الازمة، وحلِّها، ان لم يكن مرة واحدة والى الابد، فمرة واحدة والى سنوات، وربما إلى عقود، على اقل تقدير.
كثيرون هم الاسرائيليون العقلاء الذين ينبهون إلى سياسات اسرائيل العقيمة، ويقرعون نواقيس الخطر والتحذير بقوة وجلاء، منبهين إلى ان تلك السياسات تقود إلى "انتحار" الدولة العبرية، حرفيا، وبكل معنى الكلمة.
استمرار عناد قيادات اسرائيل، في اعتماد سياساتها الحالية، يقود حتما إلى اغلاق الباب على "حل الدولتين". هذه النتيجة تعني بالضرورة ان ليس امام الدولة العبرية إلا ثلاثة بدائل:
ـ استمرار الوضع الراهن، (الستاتوس كو)، وهذا بديل عمره قصير بالتاكيد، ويعلمنا التاريخ انه بديل عقيم.
ـ القبول بدولة ابارتهايد، فصل عنصري، لا مستقبل لها.
ـ قيام دولة ثنائية القومية، باغلبية يهودية قليلة، سرعان ما تتحول إلى دولة باغلبية فلسطينية عربية، تسدل الستار على دولة اسرائيل، كما هي عليه اليوم، وتطيح بالحلم الصهيوني نهائيا.
لا مبرر لاي فلسطيني عاقل، ان يحزن او يشعر بالاحباط، إذا اختارت اسرائيل اي واحد من هذه البدائل.
على الجانب الفلسطيني من المعادلة، لا وجود لاسباب حقيقية كثيرة للتفاؤل، حين نركز النظر على ما نحن فيه الآن من احوال: اداءٌ فلسطيني سياسي ركيك، في غالبه، على الصعيد التنظيمي، وعلى صعيد منظمة التحرير ولجانها ودوائرها، وعلى صعيد السلطة الوطنية وحكومتها. واداء ركيك، على الصعيد العربي الرسمي والشعبي. وكذلك على الصعيد الدولي، بدءا من التقصير في الاستفادة من قرار المحكمة الدولية في لاهاي بخصوص الجدار، مرورا بتقرير غولدستون، والتعامل غير الجدي مع حق التوجه إلى كل الهيئات الدولية، وخاصة المحاكم الدولية، لحصار ساسة اسرائيل وقيادات قواتها واجهزتها الامنية. بل وحتى التقصير في التنسيق والتعاون مع حركة الـ "بي دي اس" لمقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.
ليس هناك ولد فاشل بالولادة. هناك اب وام فاشلان، ينشئان ولدا فاشلا. وليس هناك تلميذ فاشل بالطبيعة. هناك معلم ومدرسة فاشلان يخرِّجان تلميذا فاشلا. وعلى ذات اداة القياس هذه يمكن التأكيد: ليس هناك شعب فاشل في تحقيق اهدافه الوطنية الشرعية، بل هناك قيادة واداء فاشل تتسببان في اطالة زمن معاناة الشعب، وتأخير انجاز اهدافه.
لكن كل تلك الركاكة في الأداء الفلسطيني الراهن على جميع الاصعدة، لا تحجب حقيقة وجود بدائل كثيرة جدا متاحة امام العمل الوطني الفلسطيني، يمكن الاشارة إلى بعض الاهم من بينها:
ـ تنشيط النضال الشعبي غير المسلح ضد كل رموز الاستعمار الاسرائيلي: الحواجز على حدود الضفة الغربية وبين مدنها وقراها ومخيماتها، وعلى حدود قطاع غزة، وعلى المستعمرات الاسرائيلية على اراضي الضفة. ويمكن لذلك ان يبدأ مثلا بوضع وزارة التعليم برنامج تظاهرات يقوم بها تلاميذ وطلاب المدارس والجامعات حيث يضمن البرنامج تظاهرات تغطي كامل ايام الدراسة، باقتطاع ساعة تعليم واحدة يتم تعويضها في اليوم نفسه، ويشارك الجميع في البرنامج وفق تنسيق ملائم بين الصفوف في تلك المدارس والجامعات.
ـ الاعلان عن اقتصار التفاوض مع اسرائيل على طرق ومواعيد تنفيذ انسحاب الجيش الاسرائيلي من اراضي الدولة الفلسطينية.
ـ فتح اكبر عدد ممكن من الملفات ضد حكومة اسرائيل في المحاكم الاسرائيلية وفي الدول الاجنبية للمطالبة بالزام اسرائيل دفع تعويضات متراكمة للفلسطينيين عن كل عملية قرصنة قامت بها السلطات الاسرائيلية خارج المناطق التي خصصتها الامم المتحدة لها بموجب قرار التقسيم عام 1947، والتعويض عن كل اذىً لحق بكل فلسطيني، وكل ما يستجد من ممارسات اسرائيلية مخالفة للقوانين والقواعد والاتفاقيات الدولية.
ـ تشكيل هيئة تدرس امكانية المطالبة بحقوق فلسطينية من دول ومؤسسات وشركات عالمية. واعطي مثلا صغيرا واحدا على ذلك: مطالبة شركة الطيران الالمانية لوفتهانزا بدفع بدل عبور طائراتها في الاجواء الفلسطينية. وحتى لو كان المردود المالي لذلك ضئيلا جدا، فان فيه الكثير من تأكيد السيادة الفلسطينية.
ثم، وربما اهم من كل ما تقدم، تركيز الجهد على البناء الداخلي للمجتمع الفلسطيني:
ـ وضع هدف الارتقاء بالمجتمع الفلسطيني إلى ابعد الحدود، باعتماد خطة خمسية مثلا على صعيد التعليم، تبدأ بمضاعفة رواتب المعلمين للصفوف الخمس الاولى اضعافا عدة، ليتساوى راتب المعلم مع الاعلى بين رواتب وزراء وموظفي السلطة، بهدف استقطاب افضل الخريجين لضمان بدء انشاء جيل فلسطيني جديد، ينافس على صعيد العالم، ويجعل من المجتمع الفلسطيني، خلال اقل من عقد ونصف العقد مثلا يحتذى، على غرار ما جرى في اليابان اولا، ثم في سنغافورا لاحقا، وفي كوريا الجنوبية مؤخرا. وتشكيل هيئة تتولى عملية تأمين تغطية تكاليف رفع رواتب المعلمين، من الاقتطاعات والضرائب ومداخيل السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن منح ومساعدات خاصة وقروض طويلة الاجل من الدول العربية والعالم.
ـ فرض الخدمة المدنية الالزامية على جميع شابات وشباب فلسطين، حيث امكن، لنشر مبادئ التعاون والتكافل ونشر مبادئ واخلاقيات جامعة.
ـ تنشيط ومساعدة الصناعات الفلسطينية، الغذائية اساسا، لتطوير انتاجها لانجاح عملية مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، وليس تلك التي تصدرها المستعمرات الاسرائيلية في الضفة الغربية.
باعتماد مثل هذه الخطوات وما شابهها، تكون الحركة الوطنية الفلسطينية قد وضعت لنفسها ولشعبها اهدافا سامية قابلة للتحقيق، ووضعت قدما ثابتة على طريق ليست طويلة، توصل الشعب الفلسطيني لتحقيق اهدافه، وليس للتحرر من الاستعمار الاسرائيلي فقط، بل لاقامة دولة عصرية يفتخر الفلسطيني بالانتماء اليها.

عماد شقور

٭ كاتب فلسطيني