مصباح في القدس المحتلة أشرق نوره على ربوع الوطن بالرصاص اللاهب , وأحرقت ناره قلوب من إستوطنوا أرضنا بقوة الإرهاب , شهيداً مضى مصباح بعد أن قضى أسيراً في سجون الإحتلال , ومبعداً عن مهجة الفؤاد أقصانا الأسير بقرار من الإحتلال الغاشم , ليكمل مراحل النضال ومشوار المقاومة بالخاتمة الرائعة , عبر الفعل الإستشهادي في عاصمة فلسطين , وبوابة السماء قبلة المسلمين الأولى , ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم ومعراجه , إنتصر الشهيد مصباح للأقصى الجريح , والذي يحاول أن يبسط إحتلاله المباشر وسيطرته الكاملة , عبر موجات التدنيس اليومية ومحاولات التقسيم , وهي التي تأجلت ولم تلغي بعد من قاموس حاخامات وقادة الكيان الإحتلالي , بفعل هبة شعبنا بإنتفاضته الباسلة .
وللمشهد البطولي في قدس الفداء ,الذي رسمته دماء الشهيد مصباح أبو صبيح من بلدة سلوان بالقدس المحتلة , دلالات في مقدمتها أن قيود الأسر لا تكبل فعلنا المقاوم , وأن الأقصى في قلوبنا , حتى لو أبعدونا عنها بقرار ظالم , وعند عودتنا إليها لا يكون ذلك إلا برصاصنا الذي يزغرد ليعلن ميلاد شهيد جديد , تحتضنه القدس , وتردد إسمه مآذن الأقصى مع ترانيم الآذان حي على الفلاح , وأي فلاح أعلى مرتبة من الإستشهاد , على خطى طُهر القدس وأقصاها الغالي , وتبقى وصيتك أيها الشهيد المقدسي أن " الأقصى أمانة لا تتركوه وحيداً " , هي شعار الأجيال يتردد مع كل ميلاد لشبل أو زهرة من جيل التحرير القادم .
بعد عام على إندلاع إنتفاضة القدس , كانت ولا تزال الإنتفاضة مشتعلة , تشهد على ذلك ميادين المواجهات اليومية مع قوات الإحتلال ومستوطنيه , ولكن البعض يسلك مسالك التليل بالقول بأن الإنتفاضة تحتاج للتعبير عن وجودها , أن تشهد بشكل يومي أو أسبوعي سلسلة من العمليات الفدائية , وهذا بحد ذاته لا يتفق من المنطق ويشكل ظلماً وإجحافاً بهذه الثورة المستمرة مع تنوع أشكالها النضالية , رغم غياب الدعم السياسي وإضمحلال المساندة الإعلامية في ظل الهجمة الإحتلالية على المؤسسات الإعلامية الداعمة لإنتفاضة القدس وخاصة في الضفة المحتلة , مع ذلك مضت إنتفاضة القدس بحاضنتها الشعبية التي تجلت بوضوح خلال مشاركة عوائل الشهداء , وإطلاقهم الكثير من المواقف الداعمة لخيار الإنتفاضة وإفتخارهم بتضحيات أبنائهم , من الذي قضوا شهداء في تنفيذ عمليات أو مواجهات ضد الإحتلال خلال عام من إنتفاضة القدس .
إلى جانب شعبنا الفلسطيني المنتفض والذي يؤمن بضرورة إستمرارية الإنتفاضة ومواصلتها بكافة الوسائل والأساليب , ويمسك براية المقاومة ويقدم في سبيلها مفتخراً التضحيات من أرواح ودماء ومنازل وأرزاق , كان للإحتلال قناعة بأن شعبنا الفلسطيني لا يمكن أن يستكين أو يضعف أمام هذا الإحتلال العنصري , لذلك لم يتوقف عن حملات الإعتقال اليومية ومحاصرة المدن والقرى , وزيادة الحواجز وتشديد الإجراءات عليها وإغلاقها لساعات وربما أيام , في محاولة للسيطرة على إنتفاضة شعبنا , ومع إنتهاء العام الأول للإنتفاضة الحالية توقع الإعلام الإحتلالي والذي يستقي كثير من أخباره من دوائر المخابرات الصهيونية , أن الإنتفاضة ستدخل في موجة جديدة من العمليات الفدائية أقوى من ذي قبل فكانت عملية القدس النوعية , والتي أطلق عليها الفلسطينيون على شبكات التواصل وسم " عودة الرصاص".
تقديرات الإحتلال تلك ناتجه عن قراءة للمشهد الفلسطيني وواقع الإحتلال المرفوض من كافة أبناء الشعب الفلسطيني , وأن الثابت في العقل الجمعي للفلسطينيين هو أن هذا المحتل لا تنفع معه الا لغة المقاومة , وبذاك يعترف الإحتلال من جديد بالفشل في قمع هذه الإنتفاضة المباركة , فكل عوامل الإستمرارية للحراك الإنتفاضي تتواجد بقوة , والتي إندلعت من أجلها إنتفاضة القدس المباركة وخاصة في يتعلق بتدنيس المسجد الأقصى وتهويد مدينة القدس ومواصلة الإستيطان بالضفة المحتلة , وفي مقدمة كل ذلك أن القضية الفلسطينية تتعرض لإستهداف مباشر من أجل إستئصالها وتذويبها , ومواجهة ذلك الأمر لن يكون الا بإشعال الإنتفاضة وديمومتها في كافة ميادين الوطن المحتل , لإيصال الرسالة للمحتل بأننا لن ننسى فلسطين وأن مقاومتنا مستمرة حتى إخراجكم من أرضنا المحتلة , ورسالة للعالم أجمع بأن الفلسطيني يملك أعدل قضية في هذا الزمن , ويمضي من أجل إنجازها بالحرية الكامل للإنسان والتراب في فلسطين .
بقلم/ جبريل عوده