خطابات ساخنة بلا مغزى

بقلم: غازي السعدي

شهدت الحلبة السياسية في الأسابيع الأخيرة سخونة سياسية ، في خطاب الرئيس "باراك أوباما"، وخطاب الرئيس "محمود عباس"، كذلك خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، سواء كان في الأمم المتحدة، أو ما جاء في جنازة الرئيس الإسرائيلي السابق "شمعون بيرس"، حيث كتب محلل إسرائيلي أن جنازة "بيرس" كانت تظاهرة دولية، حضرها رئيس الولايات المتحدة "باراك أوباما"، ورؤساء ووزراء خارجية دول أوروبية مختلفة، وكانت - حسب هذا المحلل - تعبيرا عن أهمية "بيرس" بنظرهم وعن صداقتهم مع إسرائيل، ويرى هذا المحلل أن هذه الصداقة قد تتلاشى إذا تجاهلت إسرائيل رسالة السلام التي يحملها ممثلو الدول المشاركة في الجنازة، لشخصية "بيرس" الذي يطلق عليه "رجل السلام"، والحاصل على جائزة نوبل تكريماً لدوره في "صنع السلام"، أما إذا لم تصل هذه الرسالة للحكومة الإسرائيلية، فإن صداقة هذه الدول لإسرائيل ستتراجع.

إن أكثر ما يزعج إسرائيل في الخطابات تلك، قول "أوباما" أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه لا يمكن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية إلى ما لا نهاية، وهو تأكيد أميركي للمرة ..... مع وقف التنفيذ، وكانت صدمة المسؤولين الإسرائيليين قول "أوباما" بأنها أراضٍ فلسطينية محتلة، على عكس الادعاءات الإسرائيلية بأنها جزء من أرض إسرائيل التوراتية، وهذا التأكيد الإيجابي لا يتفق مع استمرار الدعم المادي والعسكري والسياسي الأميركي لإسرائيل والذي يكرس احتلالها للأراضي الفلسطينية، فاعتبار "أوباما" - وهذا موقف أميركي ليس بالجديد- بأن الضفة الغربية أرض فلسطينية محتلة، أحدث ردود فعل غاضبة في إسرائيل، وفي خطابه في جنازة "بيرس"، ذكر أن القدس عاصمة إسرائيل، غير أن البيت الأبيض، سارع لتصحيح الخطأ، بوضعه خطاً أسود على كلمة القدس، وأبقى كلمة إسرائيل، فالبيت الأبيض يرفض الاعتراف بأن القدس عاصمة إسرائيل.

"أوباما" قال لـ "نتنياهو"، أثناء لقائهما في نيويورك: "إننا قلقون من استمرار الاستيطان الذي سيمس بإمكانية تجسيد حل الدولتين"، لكن حسب جريدة "هآرتس 22-9-2016"، فإن موضوع الاستيطان احتل دقيقتين فقط من محادثتهما، والغريب أن يكرر "أوباما" اتهامات إسرائيل للفلسطينيين بالتحريض ، فالاحتلال والممارسات الإسرائيلية، والاستيطان ونهب الأراضي، هو التحريض بعينه، وإذا كان احتجاج الفلسطينيين على الاحتلال وممارساته، يوصف بالتحريض، فإنه وصف ظالم، فإذا كان الفلسطينيون لا يستطيعون تنظيم مظاهرة احتجاج سلمية ضد الاحتلال والاستيطان، حيث يُقمعون بالقوة العسكرية، فبأي وسيلة عليهم التعبير عن احتجاجاتهم ضد ممارسات الاحتلال؟

"أوباما" في خطابه في الأمم المتحدة أكد أنه لن يتخلى عن جهوده من أجل إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعبر عن شعوره بأن الأمور ستتحسن لو تركت إسرائيل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونبذ الفلسطينيون من جانبهم التحريض على العنف واعترفوا بشرعية إسرائيل، ومع كل ذلك، فإن ردود الفعل الإسرائيلية ترى بأن المناخ السياسي المضطرب بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يجعل من المستبعد تحقيق تقدم على طريق التسوية، فيما طالب مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة "داني دانون"، بعدم توقع الكثير من "أبو مازن"، والحقيقة عدم توقع الكثير من حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة.

لقد رحب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الدكتور "صائب عريقات" بخطاب "أوباما" في الأم المتحدة، لتأكيده على وجوب إنهاء إسرائيل لاحتلالها للأراضي الفلسطينية، مشدداً على أن هزيمة الإرهاب، وتحقيق الأمن والسلام، لا يمكن أن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وجاء قوة خطاب الرئيس "أبو مازن" في الأمم المتحدة بإعادته القضية الفلسطينية إلى مربعها الأول، وطرح كيفية إقامة إسرائيل، ووصف ما تقوم به ضد الفلسطينيين بالتطهير العرقي، وعودته إلى جذور الصراع للقضية، من وعد بلفور، إلى قرار التقسيم رقم (181)، وأن إسرائيل لم تترك للفلسطينيين خياراً، ولن تبقى السلطة الفلسطينية الوحيدة ملتزمة بتنفيذ الاتفاقيات، دون تنفيذها من قبل إسرائيل، مندداً بمحاولة إسرائيل التطبيع مع الدول العربية، دون إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، ودعا الأمم المتحدة لاعتماد عام 2017 عاماً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا وشعبنا الفلسطيني.

خطاب "نتنياهو" في الأمم المتحدة تكرار لخطاباته السابقة، أما الجديد فهو قيامه بمهاجمة الأمم المتحدة التي وصفها بأنها تحولت إلى مهزلة، لكنه تجاهل مساهمته في هذه المهزلة، بعدم انصياع إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة، أو القانون الدولي، والجديد أيضا دعوته الرئيس الفلسطيني لإلقاء خطاب أمام الكنيست، فـ "نتنياهو" كرر شروطه أنه لن يوافق على أي تسوية، لا تعترف بإسرائيل كدولة يهودية، وهذا شرط تعجيزي سبق أن رفضه الفلسطينيون، وادعائه بأن لب الصراع ليس الاستيطان، بل الرفض الفلسطيني المتواصل لحق الشعب الإسرائيلي، في وطن له في "أرض إسرائيل"، أي في فلسطين، وهذه مغالطات لم تعد تنطلي حتى على الدول الغربية.

وزير الخارجية الأميركية "جون كيري"- حسب جريدة " معاريف 25-9-2016 "- قـــال لـ "نتنياهو"،أثناء لقائهما، أن الإدارة الأميركية تعمل لتقديم مبادرة لحل القضية الفلسطينية خلال شهرين، موجهاً انتقادات لاذعة لإسرائيل، تجاه موقفها من الفلسطينيين، والرئيس "أوباما" قال لـ "نتنياهو"، أثناء لقائهما:" أريد أن أرى إسرائيل تفعل شيئاً إيجابياً على الأرض، مع الفلسطينيين، قبل نهاية ولاية حكمي"، مع معارضته للجمود السياسي ومواصلة الاستيطان، أما "نتنياهو" ففي مقابلة له مع "القناة الثانية العبرية 25-9-2016"، أَمِلَ ألا يفرض الرئيس الأميركي "اوباما" على إسرائيل حلاً سياسياً أحادي الجانب، وفي نفس الوقت فإن إسرائيل تتخوف من دولة ثنائية القومية. ووزير الزراعة من حزب البيت اليهودي قال: أن تصريح رئيس الوزراء "نتنياهو" حول حل الدولتين، لا يلزمنا، والسؤال: ماذا تريد إسرائيل؟

إن الوزير "نفتالي بينت"، ووزيرة العدل "آيليت شاكيد"، وكلاهما من حزب البيت اليهودي، اللذين يعارضان أي حل مع الفلسطينيين، وجها انتقادات حادة لـ "نتنياهو" لمصافحته للرئيس "أبو مازن" أثناء تشييع جنازة "بيرس"، فوصفت الوزيرة "أبو مازن" بالخبيث والبغيض، واتهمته انه يقود تحريضا دوليا ضد إسرائيل، وقالت:" لا نفهم لماذا قام "نتنياهو" بمصافحته، وما كنت لأصافحه وأهز يده"، وعبرت عن شعورها بالاشمئزاز من تصرفات "نتنياهو"، أما الصحفية للشؤون العربية في جريدة "يديعوت احرونوت 25-9-2016" "سمدار بيري"، فقد ناشدت "أبو مازن" عدم إضاعة الفرصة لإلقاء خطابه أمام الكنيست، قائلة: "خذها بكلتي يديك، المنصة ستكون لك يا "أبو مازن"، وأنت ستكون النجم، وستكون عيون العالم مرهونة لك".

خلاصة القول، فإن جميع الإدارات الأميركية المتعاقبة تعتبر الأراضي الفلسطينية محتلة، ولم تعترف بأن القدس عاصمة لإسرائيل، وتعارض إقامة المستوطنات، بل أنها مع إقامة الدولة الفلسطينية، هذا من الناحية النظرية، لكن هذه الإدارات لا تعمل على تجسيد هذه الرؤيا، بل أنها تعرقل القرارات الخاصة بالفلسطينيين في مجلس الأمن الدولي، باستخدامها للـ "فيتو"، وفي إسرائيل فإن المواقف كانت متفاوتة، منها من يؤيد إقامة الدولة الفلسطينية مع تبادل للأراضي، مقابل بقاء الكتل الاستيطانية، ومنها من يعتبر الضفة الغربية ضمن برامجه السياسية المكتوبة، بأن الضفة الغربية جزء من الأراضي الإسرائيلية، ويعارضون إقامة دولة فلسطينية وفي أحسن الأحوال إقامة حكم ذاتي إداري للفلسطينيين، كما ورد في اتفاقية كامب ديفيد، تكون إسرائيل مرجعيتها والاستمرار في الاستيطان، لتوطين عشر ملايين مهاجر يهودي فيها، أما بالنسبة للقدس، فإن هناك من يعتبرها عاصمة إسرائيل الأزلية، وهناك من يقبل بإعادة الأحياء العربية المقدسية إلى الفلسطينيين، أما بخصوص عودة اللاجئين الفلسطينيين، فهناك شبه إجماع إسرائيلي يعارض عودتهم، وبعض الأحزاب تقبل بإعادتهم إلى الدولة الفلسطينية في حال إقامتها، فهذه هي صورة الوضع، والتشاؤم حول إمكانية التوصل إلى الحل السياسي السلمي يبقى سيد الموقف حتى إشعارٍ آخر.

انتهى ....

بقلم/ غازي السعدي