سيسقط الديكتاتور ومعه كل الأضاليل

بقلم: محمد أبو مهادي

ما بين التبريرات الدستورية والأضاليل الحزبية، تواصل عصابة الرئيس عباس السياسة والأمنية العبث في مصير الشعب الفلسطيني والقفز عن أسئلة قديمة جديدة تطرحها قطاعات واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني ويفرضها الواقع حول مستقبل النظام السياسي الفلسطيني، والمدى المتوقع لحكم الرئيس محمود عباس حيث تجاوز عقده الثامن قبل ثلاثة أعوام، بعد مسيرة مثقلة بالأخطاء والفشل أمضاها على رأس النظام السياسي الفلسطيني، جعل منه مسخاً مكرّس لحماية الرئيس يدافع عن صورة وشخص بدل الدفاع عن برنامج ومنهج ومشروع، التجربة كشفت عن لوبي خطير يتجاوز حركة فتح ويمتد إلى بعض قيادات الأحزاب السياسية، إضافة لقيادات الأجهزة الأمنية التي تعمل بلا كلل على ترهيب الشعب وثنيه عن هدف التغيير، وبات عشرات الإعلاميين المرتبطين وظيفياً بالسلطة يخشون على قوت يومهم ويخضعون لابتزازات وتهديدات تمنعهم من أداء رسالتهم بشكل مهني وأخلاقي.

واحدة من القيادات الحزبية حاولت تأليف تاريخ كفاحي للرئيس عباس في الأردن وسوريا ولبنان، وكأن أجيال الرجل التي عاصرته قد ماتت ودفن معها التاريخ، وآخر يتصدى غاضباً شاجباً مستنكراً نافياً مستهجناً الحديث الذي يدور عن فكرة تعيين نائب للرئيس، وثالث يدين بأقسى العبارات عملية إحراق صورة الرئيس في تظاهرة غاضبة ويعتبرها خروجاً عن الأدب والأخلاق، ورابع يصدر بياناً صحفياً يطمئن الناس على صحة الرئيس عباس، وبين الأوّل والرابع مئات التفاصيل المبكية والمثيرة للشفقة على حال النخبة السياسية الفلسطينية وممثلي ثورتنا الذين لم يعد بمقدورهم العيش الرّغيد السعيد بدون عبّاس!.

اللوبي الذي يهيمن على مفاصل النظام السياسي الفلسطيني أدرك كما أدرك الجميع أن لحظة رحيل الرئيس عبّاس اقتربت جداً، ومع اقترابها يبدأ كل شخص فيهم بالتفكير بحساباته الشخصية، وما صنعت يداه خلال مرحلة الفوضى والتغييب القسري للقانون، الحسابات وحدة الردود التي طغى عليها التوتر والإنفعالية تكشف عن مستوى الأزمة التي غرقوا في وحلها، ولم يعد بمقدورهم تجاوزها، وحوصروا جميعاً في خانة المعالجة البوليسية لأزمة نظام سياسي تضرر منه الجميع، من تهديد بقطع راوتب لموظفين حكوميين، إلى تهديدات "القبضة الحديدة" التي لوّحت بها عصابة عباس في حركة فتح كرد على تظاهرات غاضبة تعترض على سياسات السلطة ورئيسها، والأذكى من هؤلاء قام بالإتصال مع القيادي محمد دحلان لتأمين نفسه في مرحلة ما بعد التغيير.

كل التهويش والممارسات القمعية التي يستخدمها الرئيس عبّاس لن تمنع اقتراب لحظة الحقيقة، وأن هناك مخرجان لا ثالث لهما لرحيله بعد أن تجاوز فترة التفويض الإنتخابي الممنوحة له بثماني سنوات، وفقد الحاضنة الشعبية والثورية إثر سلسلة مغامرات سياسية قام بها أساءت للثورة الفلسطينية وجنّدت حشداً غاضباً أحرق صورته في ساحة الجندي المجهول بمدينة غزة، وطالبت برحيله في مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين في الضفة، وغيّرت مسار موكبه في مخيم الدهيشة في بيت لحم، وقرعت أجراس إنفجار قادم على الأبواب، لن تنفع معه سياسة "القبضة الحديدة، ولا نذالة قطع الأرزاق.

المخرج الأوّل:

هو تبنى مبادرة الرباعية العربية بكامل تفاصيلها، باعتبارها المخرج الآمن المرضى لجميع الفرقاء الفلسطينيين، وتضمن إعادة تأهيل النظام السياسي الفلسطيني واستعادة شرعيته الإنتخابية، كما تضمن استعادة العلاقات العربية الفلسطينية التي حاول عبّاس وبعض أفراد عصابته الإساءة إليها.

المخرج الثاني:

التغيير الثوري الذي بات أقرب إلى الواقع وملامحه تظهر على شكل موجات غضب في أكثر من مكان داخل الأراضي المحتلة، هو مشهد مكلف جداً، يبدوا أن الرئيس عباس قد اختار السير فيه معتمداً على العلاقات الحميمة مع الجانب الإسرائيلي، وترجمها في عزاء مجرم الحرب شيمعون بيريز، ضارباً بعرض الحائط موقف الشعب وفصائله من هذه المسألة، ليقوم بتأمين قاعدة هروب آمنة له دون أفراد عصابته لحظة التغيير.

الرئيس عبّاس كالعادة- لم ينجح في إقناع الشعب الفلسطيني بالخروج المليوني لحمايته ودعم مغامراته المسيئة للشعب وقضيته، بعد أن سقط من وعي الجماهير التي أجهظت مشروع روابط القرى الفلسطينية بقيادة مصطفى دودين في سبعينات القرن الماضي، الأمر أصبح واضحاً بعد "خطاب القنبلة" الذي وعد به الناس العام الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وجرّب أن يحشد الشعب وفشل، وبعد مشاركته في جنازة المجرم شيمعون بيريز قبل أسابيع وفشل أيضاً، وسيمنى بإخفاق كبير في طريقة القمع والترهيب التي يمارسها الآن، لكنه سيكون الفشل الأخير.

محاولات بعض الكتّاب التخويف من تدخل عربي في الشأن الفلسطيني، يأتي في سياق الحملة الإعلامية للدفاع عن الديكتاتور، وتضليل لم يعد ينفذ إلى عقول أبناء الشعب الفلسطيني، فالنظام السياسي الفلسطيني فاقد للأهلية غير مقنع ولم يعد أداة حقيقية لاستكمال معركة الخلاص من الإحتلال، يستوجب التدخل، ويستدعي مساندة العرب الذي لم ينقطع يوماً من الأيام عن الشعب الفلسطيني، فالقضية الفلسطينية وان كانت شأناً فلسطينياً، لكنّها شأناً عربياً منذ نشأتها حتّى الآن، لا يمكن لها أن تستمر وتنتصر بمعزل عن العرب وعن كل أشكال التضامن الدولي مع الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني، بماذا يفسّر قصور كل الحركة السياسية الفلسطينية عن إنهاء الإنقسام، وهل حقيقة الحركة السياسية الفلسطينية بعيدة عن التدخل العربي أو الإقليمي، ألم يكن الإنقسام أجندة إقليمية مهّدت له اسرائيل، ووافقت عليه أمريكا وموّلته قطر، وهل التدخل العربي المضاد لإعادة ترتيب الناظم السياسي الفلسطيني وفرض المصالحة الوطنية أمر مضرّ بالقضية الوطنية؟

ما يجري فلسطينياً وعربياً مخاض لولادة الجديد في النظام السياسي الفلسطيني، شاء عبّاس أم أبى، ولادة طال إنتظارها، رغم كل محاولات تعطيلها، ستحدث بإرادة الشعب الغاضب التّواق للتغيير، وبإرادة العرب الذين يخوضون معركة الدفاع عن دولهم وأمنهم القومي ويواصلون التصدي لخطر المساس بالدولة وتحويلها إلى إمارات تباع فيها النساء ويقتل الأطفال وتشرّد فيها العوائل ويمارس فيها أبشع صور الإرهاب.

المهمة الماثلة أمام الوطنيين الفلسطينيين، البحث في كيفية تأمين الشعب من كارثة قادمة إذا ما استمر عباس وعصابته في المقامرة بمستقبل الشعب ونظامه السياسي، واقناعه بتجنيب الناس ويلات معركة ستحصل، لن يمنعها العسس وقمع البوليس، ولا قطع الأرزاق واغتيال المناضلين، فالنظام السياسي لن يحتمل المزيد من المغامرات، هو آيل للسقوط بفعل الفشل والزمن والعفن، نظام سياسي زبائني نخره السوس ولم يعد مرتكزاً لمواصلة النضال الوطني ضد الإحتلال الإسرائيلي، مارس سياسات الإذلال والإفقار بحق أبناء الشعب الفلسطيني وزاد أعباءاً اضافية فوق التي فرضها الإحتلال.

ليس عيباً التفكير في رئيس إنتقالي توافقي، لحين إنفاذ المصالحة الشاملة والإحتكام للشعب في عملية ديمقراطية لا تختزل في الإنتخابات البلدية، ولا في إجتماعات ومؤتمرات صورية للمجلس الوطني أو اللجنة التنفيذية تمنح شرعية كاذبة لديكتاتور حوّل المؤسسة إلى مقبرة والعاملين فيها إلى أشباح، بل العيب كل العيب مواصلة إغفال الحقيقة وموجبات التغيير، والصمت عن كل الجرائم التي يمارسها بحق أشخاص وصنّاع رأي وحلفاء وأحزاب.

بقلم/ محمد أبو مهادي