في كل معارك الشعوب المصيرية، الوحدة الوطنية هي دائماً عربون النصر، والعكس صحيح أيضاً، ومن يتابع الوقائع على الأرض لا يمكنه إلا أن يقر بذلك، ولكن ما نراه من تصاعد وتيرة الخطابات الرنانة التي باتت تهدد القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، من قبل اصحاب نهج الإنقسام ، الذين يطالبون بحوار وطني شامل بعد كل الاتفاقات التي عقدت بما فيها وثيقة الأسرى ، ومنهم من ينتظر تدخل الدول العربية من اجل انجاز المصالحه، مما يؤكد على سيناريوهات تبريرية أ، بدلا من الدخول الفوري بتطبيق اليات اتفاقات المصالحة الموقعة حرصا على المشروع الوطني الفلسطيني .
ان الشعب الفلسطيني سيمأ من المناوره التي تبدو بارزة في كل مرة يتم الحديث عن الوصول الى مخرج لأنهاء الانقسام ، الا ان البعض ما زال يراهن على أدوات ووسائل تعزز هيمنته على سلطته القائمة دون ان يتطلع الى المصلحة الوطنية العليا الشعب الفلسطيني.
من هذا الموقع نرى ضرورة اعادة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية على ارضية شراكة وطنية حقيقية تستند لأسراتيجية وطنية والى قرارات الاجماع الوطني ونقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة لمطالبتها بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة والتمسك بخيار الانتفاضة والمقاومة وانتهاء في إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني التي يجب ان تكون نزيهه وشفافة ، وبذلك يمكن توفير الكثير من الوقت والجهد الوطني .
ان الحالة الفلسطينية ليست استثناءً فكل ثورات الشعوب مرت بمثل هذه الأوضاع، ولكنها كلها استطاعت حل هذا الاستعصاء على قاعدة الهدف العام، وعليه فلا يحق ولا يجوز ان يستمر الانقسام، و أن يرهن البعض مصير قضية مصيريه لرغباته ومصالحه الذاتية والخاصة واقامة امارة على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، ولا يجوز لاي سلطة قمع حرية الرأي والتعبير نتيجة ادانة موقف ، ولا يجوز للأغلبية التي لا تزال تصمت حتى هذه اللحظة أن تتغافل عن ثقلها وتهمل دورها الجماهيري، آن الآوان لكافة الفصائل والقوى الفلسطينية ، ان ترفع صوتها من اجل تعزيز الوحدة الوطنية ،وأن تتحدث بالحقيقة للشعب الفلسطيني .
أن القضية الفلسطينية ليست قضية حدود بل قضية شعب محتل يتم تهويد أرضه على مرآى ومسمع العالم والشعب الفلسطيني يقدم التضحيات الجسام، وها هي انتفاضة القدس تؤكد للجميغ كفى راهن على النضال السلمي فقط والمفاوضات كوسيلة وحيدة لحل ألصراع فهذه الامور سقطت امام ارادة وصمود الشعب الفلسطيني ، لانه لا يمكن مواجهة العدو بالمفاوضات والمقاومة السليمة ، دون الاستناد الى كافة أشكال النضال من أجل أستعادة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني المتمثلة بأقامة دولته الوطنية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها ألقدس وضمان حق العودة الى دياره التي شرد منها عام 1948 .
في ظل هذه الظروف لنقول للجميع ان يدرك الخطر القادم وخاصة تدخل الرباعية العربية بالشأن الداخلي الفلسطيني ، وخاصة في ظل تطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع كيان الاحتلال بشكل علني ، على حساب القضية الفلسطينية، هذه الدول المدعومة من قبل قوى الاستعمار ضمن المحور المعادي للمقاومة ، حيث ان الاحتلال يعول على هذه الدول وتحركاتها باعتبارها فرصته الذهبية لتصفية القضية الفلسطينية بأيد عربية.
ولذلك ارى ان حركة فتح صاحبة الطلقة الاولى، لهذا نتطلع الى وحدة بيتها وتمسكها الداخلي من موقع حرصنا على هذه الحركة الرائدة في النضال التي قدمت قادتها وكوادرها ومناضليها في خندق الدفاع عن الشعب الفلسطيني ، ونحن نتطلع ان يكون مؤترها القادم مؤتمر لمراجعة حقيقة وشاملة ، لأن حركة فتح ادركت مبكرا لأهمية إحياء الدور الخاص للشعب الفلسطيني في إنجاز قضيته الوطنية، وبلورة كيانه الوطني، باعتبارها حركة وطنيةً واسعةً يمكن أن تضم الإسلامي والقومي واليساري من دون بيروقراطية مركزية طاغية، ما أعطاها حيوية وتعدديّة، حيث استطاعت المحافظة على القضية الفلسطينية بالرغم من الأمواج والعواصف العاتية، والتطورات التي حدثت في المنطقة والعالم، و على التكيّف مع المستجدات، ونحن نأمل ان تملك القدرة والإرادة في مؤتمرها القادم من اجل بلورة خيارات سياسية واضحة وبدائل أخرى عن المفاوضات ، وان نراها كما عرفناها ، وكما يفترض أن تكون ، فاعلة ومؤثرة ، ناشطة وقوية وأن تساهم مع باقي الفصائل الفلسطينية بفاعلية أكثر لإستعادة وحدة الشعب الفلسطيني ، وفي الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها على ارضة شراكة وطنية حقيقية ، وفي صون المشروع الوطني الفلسطيني على طريق تحقيق أهداف شعبنا المشروعة في العودة والحرية والاستقلال .
وامام كل ذلك نقول ان الثورة الفلسطينية انطلقت ومعها كل الآمال في الانعتاق من نير الاحتلال البغيض، وقدم الشعب الفلسطيني ولا يزال تضحيات جسام من قادة ومناضلين ومن ابناء الشعب الفلسطيني ومن الامة العربية واحرار العالم ، لأن هذا الشعب المناضل كان يرى بأن طريق النضال والكفاح هي الطريق الأقصر لاختصار زمن الآلام والقهر والمعاناة، وصاغ مع قادته الشعارات المعبره عن إرادة الثبات والتصميم على النصر والتحرير ، ورفع الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات شعار "ياجبل ما يهزك ريح" وقال الشهيد القائد ابو العباس الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية وكل ما اتعرض له الآن لا يساوي دم طفل فلسطيني شهيد، نحن نتوقع كل شيء ونعد حساباتنا لكل طارئ وهذا لن يعيق نضالاتنا او يؤثر في قرارنا السياسي، وقال الشهيد ابو علي مصطفى عدنا للوطن لنقاوم لا نساوم ، لهذا يجب ان نتمسك بخيار المقاومة والانتفاضة والخروج من دائرة الرهان على مسار المفاوضات او مؤتمر دولي في باريس ، لأننا على يقين تام بأن أوراق كثيره وكبيرة لا زالت في يد الشعب الفلسطيني وهي كفيلة بأن تحقق كل أسباب الانتصار.
ختاما: لا بد من استثمار الأوراق بشكلها الصحيح ووضع الأمور في نصابها الصحيح، من خلال العمل الجاد لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الانقسام المدمر، والتخلي عن الالتزامات المنبثقة عن اتفاقات أوسلو وفي مقدمتها التنسيق الأمني ، ونقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة ، والتمسك بخيار المقاومة والانتفاضة ، وتفعيل مختلف مؤسسات منظمة التحرير وتصحيح العلاقة المعكوسة بينها وبين السلطة الفلسطينية، وتعزيز التنسيق والتكامل مع محور حلفاء وأصدقاء الشعب الفلسطيني ،أسئلة كثيرة بحاجة إلى إجابات شافية، فهل من مجيب .
بقلم/ عباس الجمعة