تعانى الأراضي الفلسطينية المحتلة ظروفا بالغة التعقيد على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية و التي جاءت كنتاج طبيعي لمجموعة عوامل يقف على رأسها ممارسات الاحتلال من جانب، والانقسام السياسي والجغرافي والبرلماني المشين الحاصل بين جناحي الوطن الحزين من جانب آخر.
اللافت أن هذه الظروف قد انعكست سلبا على كل مناحي حياتنا، وتحديدا على مرفق القضاء الفلسطيني الذي يعانى فراغا مؤسساتيا، وغيابا للاستقلال، وضعفا في استجابته لمبادئ الحكم الصالح والمساءلة، .... الخ، الأمر الذي تسبب في عجزه عن تقديم فرص حقيقية لوصول المواطنين وخصوصا الفقراء والمهمشين منهم للعدالة وما نتج عنه من زيادة في فجوة عدم الثقة بين المواطنين وتحديدا شريحتى المرأة والطفل ومرفق القضاء.
إن قراءة متأنية ودقيقة لواقع شريحة الأطفال في الاراضى الفلسطينية المحتلة، تبرز بوضوح ارتفاع معدلات جنوح الأحداث واستفحال مخاطره ومثالبه، وهى ظاهرة بكل تأكيد لا بد أن تقلق المجتمع الفلسطيني، فهي ظاهرة تشكل خطوة مزدوجة، فالأحداث يشكلون طاقة معطلة لا يستفيد منهم مجتمعنا بشئ، بل ان يشكلون عبئا عليه، إضافة إلى ما يلحق مجتمعنا من ضرر من خلال ما يرتكبون من جرائم، ناهيك عما تشكله هذه الظاهرة من هدم وتدمير للطاقات الخلاقة في عنصر الشباب.
اعتقد جازما، أن هذه ظاهرة خطيرة، أن لم يتم الوقوف عندها ومعالجتها، فإن استمرارها ينذر بانعكاسات خطيرة على مجتمعنا الفلسطيني، وعليه فإن الكل الفلسطيني وتحديدا الجهات ذات العلاقة مطالب أن يقف عند مسئولياته في التصدي لهذه الظاهرة قبل استفحالها حتى لا نندم بعد أن لا ينفع الندم، وهنا اقترح ما يلي:
أولا: سرعة وضرورة التأكد من مدى انسجام التشريعات والقوانين القائمة ذات العلاقة بعدالة الأحداث مع الاتفاقيات والقواعد الدولية، و من ثم تحديد الفجوات والثغرات فيما بينهما، وصولا لتقديم مقترحات وتوصيات لسد هذه الفجوات بما يضمن تطوير وتحسين عدالة الأحداث في مجتمعنا الفلسطيني، أسوة بتلك الدول التي وضعت تشريعات خاصة بصغار السن من مرتكبي الجرائم (الأحداث) تختلف عن تلك المقررة للبالغين من المجرمين، خصوصا وأن حرية الاختيار والإدراك والتمييز عند الحدث تختلف عنها لدى الإنسان البالغ.
ثانيا: ضرورة استحداث برامج للوقاية من جنوح الأحداث ومعالجته فكرا وعملا تضمن تحقيق أفضل مقومات الرعاية المتكاملة للأحداث كمرتكز أساس لوقايتهم من الجنوح، وتوفير أفضل الوسائل الممكنة لمعالجة الجانحين منهم، في إطار المحافظة على سلامة تكوينهم وتعزيز وحماية حقوقهم الأساسية.
ثالثا: ضرورة قيام مؤسسات المجتمع المدني وتحديدا مؤسسات حقوق الإنسان كمؤسسات تسعى لتعزيز مبادئ وقيم حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والديمقراطية وسيادة القانون باعتبارها ركائز أساسية للاستقرار والأمن والحرية والاستقلال وتقدم وتطور المجتمع الفلسطيني بمسئولياتها تجاه الرقابة على عدالة الأحداث ومن ثم تقديم المقترحات والتوصيات الكفيلة بالتصدي لها ومواجهتها.
رابعا: ونظرا لأهمية دور الإعلام في التصدي لمشكلات المجتمع، فإننا نأمل من إعلامنا الفلسطيني أن يتحمل مسئولياته وان يأخذ على عاتقه إعداد إستراتيجية إعلامية ذات أهداف واضحة ومحددة قابلة للتطبيق تسلط الضوء على هذه الظاهرة وحجمها ومخاطرها وأسبابها، وتخلق حوارا مجتمعيا متقدما تجاه سبل مواجهتها والتصدي لها.
بقلم/ د. يوسف صافى