أثارت مبادرة النقاط العشر , التي طرحها " هاتفيا " الأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين الدكتور رمضان عبد الله شلح , في الذكرى 29 لانطلاقة حركة الجهاد , الكثير من النقاش والجدال , وحركت الوضع السياسي الفلسطيني , من خلال حجم ردود الفعل على المبادرة , سواء من الفصائل الفلسطينية , أو المراقبين والمحللين السياسيين .
وما بين مرحب ومعلق ومتحفظ على المبادرة , أول المرحبين بالمبادرة كانت حركة "حماس " التي سارعت إلى الترحيب بالمبادرة , واعتبرتها مبادرة شاملة لتصويب الوضع الفلسطيني. ودعت كافة الأطراف الفلسطينية إلى دعم هذه المبادرة ومساندتها.
ومن جهته أشاد النائب محمد دحلان، بما ورد في خطاب شلح, وقال إنه يسجل تقديره الكبير لما جاء في في مبادرة شلح ، ويرى في مبادرته قواسم عديدة مشتركة بين مختلف قوى العمل الوطني الفلسطيني خاصة ما تعلق منها بالوحدة الوطنية الفلسطينية.
ثالث المرحبين الأوائل بالمبادرة كان عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبدربه، الذي قال إن مبادرة شلح تستحق أن تصبح منطلقا لحوار وطني شامل، وأن لا تخضع لعملية تجاذب عن بعد , وهي بالعموم دعوة لإجراء مراجعة وكشف حساب تاريخي لمرحلة كاملة برمّتها , وقال أرجو أن لا يتم تفويت أي فرصة، حتى لا تشهد الشهور المقبلة مزيدآ من الصراعات والتشظي .. ربما يكون ذلك هو المسار الوحيد الجدّي حاليا ، والذي يحمل معه بعض الأمل، المتبقي لنا جميعنا ، بمن فيهم لمن لا يريد لأحد سواء كان عدوّا أو شقيقا أن يحدد له مايجب فعله .
الملاحظ في أول ثلاثة ردود فعل على المبادرة , أنها جاءت من أطراف ثلاثة متناقضة فيما بينها , لكنها على خلاف مع الرئيس محمود عباس , ومناكفة له سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية , وقد جاء الترحيب السريع والفوري من الأطراف الثلاثة , نظرا لأن المبادرة جاءت في الأساس , وفي نقاطها الرئيسية والأولية موجهة للرئيس عباس وسياسته .
وبالعودة إلى نقاط المبادرة العشر , يمكن النظر إليها بمنظار مختلف كل نقطة عن الأخرى بعد تفكيكها , للبحث عن النقاط الايجابية والسلبية , والعادية المكررة في كل مبادة أو خطاب , أو بيان فلسطيني , في كل مناسبة , وبدون مناسبة .
في النقطتين الأولى والثانية , كان الخطاب موجها بشكل مباشر للرئيس عباس , حيث طالب شلح في النقطة الأولى أن يعلن الرئيس محمود عباس إلغاء اتفاق أوسلو من الجانب الفلسطيني , وأن يوقف العمل به في كل المجالات. وفي الحقيقة هذه نقطة تحتاج الكثير من الدراسة والتمحيص , فأوسلو في الحقيقة قتلته السياسة الاسرائيلية , وأصبح خلف ظهورنا , لكن اسرائيل لم تقل إنها ألغت أو تخلت عن اتفاق أوسلو , فهل يعقل أن يعلن الرئيس عباس من جانب واحد الالغاء , وكيف سيكون رد فعل اسرائيل , والمجتمع الدولي الذي كان شاهدا على اتفاق أوسلو , وكيف يمكن التعامل مع مخرجات أوسلو , من قيام السلطة الوطنية الفلسطينية , وعودة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى أراضي السلطة , وكيف سيكون وضع حوالي 200 ألف موظف يعيلون ملايين الفلسطينيين في الضفة والقطاع يتقاضون رواتبهم من السلطة , وكيف سيكون الوضع الأمني في حال أعلن عن الغاء اتفاق أوسلو , الذي يعني حل السلطة التي أنشأتها أوسلو , والتي نشأ عنها مؤسسات اقتصادية وأمنية وسياسية وحكومية وقضائية , وغيرها من المؤسسات , وكيف سيكون الحال في حال غياب هذه المؤسسات وخاصة الأمنية منها, هل هو العودة لحكم الجماعات المسلحة والعصابات التي تحكم وتتحكم في الشارع الفلسطيني , وإثارة الفوضى التي تسعى إليها اسرائيل وتريدها , لنقل الربيع أو الخراب العربي للساحة الفلسطينية , وإعمال القتل والتهجير والتنكيل بالشعب الفلسطيني , على غرار ما يجري في سوريا والعراق وليبيا واليمن, وفي هذه الحال لن يلتفت إلينا أحد , بحجة أن جماعات ارهابية فلسطينية , وعصابات مسلحة تقتل " الأبرياء " الاسرائيليين , بينما العالم منشغل بما هم أهم مما يجري في فلسطين , من مكافحة الارهاب الضارب في كل مكان من العالم .
أما النقطة الثانية فهي متعلقة بالأولى , والتي طالب فيها شلح أن تعلن منظمة التحرير سحب الاعتراف بإسرائيل , وهي في هذه الحال دعوة لإسرائيل لإعلان التخلص من أعباء الاعتراف المتبادل , الذي حول منظمة التحرير من منظمة ارهابية , إلى سلطة على الأرض الفلسطينية , ودولة في الأمم المتحدة , ولو يشكل مؤقت , ووجود فلسطيني في كافة المحافل والمؤسسات الدولية , وبذلك تكون هذه النقطة وصفة لإسرائيل , وفرصة لتقول للعالم , إن منظمة التحرير عادت لقواعدها الارهابية , وترفض الاعتراف بإسرائيل , وتسعى لتدمير لتدميرها , وبذلك تجلب التعاطف الدولي معها , وتعيد القضية الفلسطينية إلى نقطة الصفر.
باقي النقاط مكررة ومتداولة كثيرا , ومل البحث فيها , ويمكن التفاهم فيها داخليا , وهي نقاط في الغالب تعالج الوضع الداخلي , وجرى تداولها مرات عديدة , ومن أكثر من جهة فلسطينية , فالنقطة الثالثة التي تدعو إلى أن يُعاد بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتصبح هي الإطار الوطني الجامع الذي يضم ويمثل كل قوى وأبناء الشعب الفلسطيني , لا يعارضها أحد , ولكنها تحتاج إلى نقاش موسع.
أما النقطة الرابعة التي تقول بأن المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ما زالت مرحلة تحرر وطني من الاحتلال، وأن الأولوية هي لمقاومة الاحتلال بكل "الوسائل" , هي نقطة حقيقية لا خلاف عليها , فنحن ما زلنا في مرحلة تحرر , ونقع تحت الاحتلال .
النقطة الخامسة والهامه هي التي دعا فيها شلح إلى إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، وصياغة برنامج وطني جديد وموحد، وإعداد استراتيجية جديدة شاملة , هي مسألة أشبعت قولا منذ خمس سنوات على الأقل , وما زالت المساعي جارية , وكان على شلح أن يشير إلى سبب الانقسام الذي خلفه الانقلاب في عام 2007 , ودعوة حركة حماس إلى تسليم مقاليد السلطة لحكومة الوفاق الوطني , وعودة الشرعية لغزة , من خلال تسليم المعابر والأمن , كمقدمة لاتفاق مصالحة تعيد الوحدة واللحمة الفلسطينية.
أما النقطة السادسة , والتي تدعو أن يتم صياغة برنامج وطني لتعزيز صمود وثبات الشعب الفلسطيني على أرضه , فأعتقد أن لا خلاف عليها من الجميع.
وفي النقطة السابعة الدعوة إلى الخروج من حالة اختزال فلسطين أرضاً وشعباً في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتأكيد على أن الشعب الفلسطيني في كل فلسطين وأينما كان هو شعب واحد وقضيته واحد , وهذه أيضا نقطة لا يختلف عليها فلسطينيان , فالشعب الفلسطيني واحد موحد , في الضفة وغزة والشتات والأراضي المحتلة علم 1948 , وتمثله في كل هذه المناطق منظمة التحرير الفلسطيني , الوطن المعنوي للفلسطينيين أينما وجدوا .
في النقطة الثامنة الدعوة للاتصال بكل الأطراف العربية والإسلامية، ليتحملوا مسؤولياتهم التاريخية تجاه هذه الخطوات، وتجاه الأخطار والتحديات المصيرية التي تواجهها فلسطين وشعبها . وهذا بالفعل ما تقوم به القيادة الفلسطينية , والتي تؤكد أن عمقنا الفلسطيني هو البعد العربي والاسلامي للقضية الفلسطينية , وتدعو دائما إلى الدعم والمساندة والالتفاف العربي والاسلامي للقضية الفلسطينية .
والنقطة التاسعة التي يدعو فيها شلح أن تقوم قيادة منظمة التحرير من موقعها الرسمي، بملاحقة دولة اسرائيل وقادتها أمام المحكمة الجنائية الدولية كمجرمي حرب , وهو بالفعل ما تسعى للقيام به المنظمة , وتعمل على تفعيله في مؤسسات الأمم المتحدة , وليست بحاجة إلى دعوة , أو التذكير بدورها في هذا المجال.
النقطة العاشرة , والتي أعتقد أنها كانت يجب أن تكون النقطة الأولى , وهي الدعوة لإطلاق حوار وطني شامل بين كل مكونات الشعب الفلسطيني لبحث خطوات ومتطلبات التحول نحو هذا المسار الجديد , الذي طرحه شلح للخروج من المأزق الفلسطيني.
أرجو أن أكون في هذا التفكيك لمبادرة الأخ رمضان شلح , قد أثريت النقاش , الذي أثارته المبادرة , وحركت المياه الراكدة في ساحة العمل الفلسطيني .
بقلم/ د. عبد القادر فارس