في مقالتي هذه سوف أتكلم عن مشكلتين خطيرتين في المجتمع الفلسطيني بل بالمجتمعات العربية أيضا وهي المشكلة الأولى: زواج الأقارب التي أصبحت ظاهرة سلبية يقع فيها الكثير من الناس بالمجتمع الفلسطيني والمجتمع العربي ، زواج الأقارب هو الزواج اللحمي أو الزواج الداخلي الاندوجامي أو الأندوغامي وهو زواج بين اثنين تجمعهما رابطة الدم ومن بين أهدافه المحافظة على بقاء واستمرار الجماعة وعدم اختلاطها بغيرها والذي يحمل خطر الاندماج أو الذوبان في جماعات أخرى. ويتسبب زواج الأقارب، إذا استمر لعدة أجيال، في تراكم الصفات الوراثية غير الجيدة مما يؤدي إلى ضعف النسل.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ." صدق الله العظيم
هنا في هذه الآية الكريمة يقصد الله عز وجل بكلمة شعوبا وهي جمع شعب يقصد بها الاختلاط بين الناس وفق أصول يقبلها الشرع للابتعاد عن مخاطر تكرار زواج الأقارب وفي ذلك منافع كثيرة منها تبادل الثقافات والحضارات واكتساب معارف جديدة في مجالات شتى تتناقلها الأنساب فيما بينهم كلما اتسعت مخالطة الناس ببعضها البعض ويكون في ذلك تواد وتراحم ومحبة وعلاقات طيبة منفتحة بين الناس .
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)
وليس في الحديث أمر أو ترغيب في نكاح المرأة لأجل جمالها أو حسبها أو مالها.
وإنما المعنى : أن هذه مقاصد الناس في الزواج ، فمنهم من يبحث عن ذات الجمال ، ومنهم من يطلب الحسب ، ومنهم من يرغب في المال ، ومنهم من يتزوج المرأة لدينها ، وهو ما رغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( فاظفر بذات الدين تربت يداك (وفي هذا الحديث شرح وبيان وتجسيد للآية الكريمة وقول الله عز وجل "شعوبا وقبائل لتعارفوا ".
رغم أن القاعدة الطبية الشرعية لا تمانع من زواج الأقارب، لكنها تحث على توخي الحذر والحيطة، حيث تؤكد معظم الدراسات العلمية عن الأمراض الوراثية الشائعة الناتجة عن زواج للأقارب ومنها مشاكل صحية عديدة أهمها وأبرزها أمراض هيموغلوبين الدم "خضاب الدم" والعيوب الخلقية الاستقلابية والأمراض أحادية الجينات الشائعة، أنها السبب الرئيسي للكثير من الأمراض والإعاقات لدى الأطفال.
وتشير بعض الدراسات، بأن زواج الأقارب يورث 82 مرضاً، مثل الإجهاض المتكرر، الإعاقات المتعددة، مرض الحويصلات المتعددة بالكلية، مرض التلاسيميا، مرض زيادة الحديد بالدم، مرض ضمور عضلات الوجه والكتفين، مرض الأورام المتعددة بالقولون، وزن المواليد يكون أقل من زيجات غير الأقارب، وغيرها من الأمراض .
يكثر زواج الأقارب في كثير من المجتمعات، فقد وجد مثلا أن نسبة زواج الاقارب بين السعوديين هي 57.7% وهي الأكبر بين دول العالم في معدلات زواج الاقارب ، وتزيد في الكويت على 40% من إجمالي الزيجات ، وتبلغ حوالي 49% في فلسطين ، و 38% في مصر . وتنخفض هذه النسبة كثيرا في الدول الغربية لتصل إلى 1-2 % من عدد الزيجات في أمريكا مثلا.
المشكلة الثانية والخطيرة جدا في مجتمعنا الفلسطيني والمجتمعات العربية وهي مشكلة الزواج المبكر :
ما هو الزواج المبكر :
الزواج المبكر ظاهرة منتشرة في العديد من الأسر التي لا تؤمن بحقوق المرأة في تكملة دراستها واختيار شريك حياتها، وتعتبر ظاهرة الزواج المبكر من الظواهر التي يكون نتاجها الفشل، بسبب افتقاد المعايير الأساسية التي لا بد أن تتوافر للزوجين من توافق فكري واجتماعي وعاطفي .
حيث أن 20%من سكان فلسطين في الضفة الغربية وغزة يقعون في تلك المشكلة .
6.4 %من عدد السكان يمثلون الفئة العمرية 15-17 سنة، و12.8% يمثلون الفئة العمرية 10-14 ، تلك الفئات التي تتعرض عاجلاً أو آجلاً لضغط الزواج المبكر .
ولقد سجّلت المحاكم الشرعية في قطاع غزة خلال عام 2012 (17) ألف حالة زواج مبكر لفتيات قاصرات، في قطاع غزة، وكان 35% من الحالات تقل أعمارهن عن الـ 17 عاماً
ومن أهم أسباب الزواج المبكر :
* الميراث وخوف الأهل من ذهاب الميراث لزوج غريب "بلاش حدا يخطفها"
* تزويج الابن من اجل أن يأتي بزوجة لخدمة الوالدين "يريدونها شغالة"
* الجهل تم الجهل تم الجهل وهو رغبة الأم بفرحتها علي ابنها قبل أن تموت
* أن يكون نتيجة خوف الأهل على ابنتهم او ابنهم من الانحراف .
* أن يكون لدى الوالدين عدد كبير من البنات .
* فقر العائلة وعدم قدرتهم على تعليم البنات .
* جهل الأهل وعدم إدراكهم المشكلات التي تحدث للبنات نتيجة الزواج المبكر .
* أن يكون الشاب هو الأكبر لعائلة ويريدون الفرح به .
مخاطر الزواج المبكر :
تسمم الحمل: نتيجة ارتفاع ضغط الدم أثناء فترة الحمل وحدوث بعض المشكلات التي تؤدي إلى تأخر نمو الجنين، مع حدوث تشنجات وغيبوبة، ونسبة وفيات الأمهات في هذه الحالة عالية جدًا .
الولادة المبكرة: حيث تقل نسبة استعداد الرحم لتحمل الجنين في السن المبكرة، والولادة المبكرة لها تأثيرها المباشر على ازدياد نسبة الوفيات في الأطفال حديثي الولادة .
في الزواج المبكر تكون الفتاه تزوجت دون أن تقرر هي وكذلك الشاب وكلاهما في مرحلة النضوج والبناء وبعد مرور سنوات يكتشف كلا منهم أن طموحة ليس بهذا الشريك ومن هنا تبدأ المشكلات وتكون النتيجة الانفصال وانهيار الأسرة والضحية بينهم الأولاد .
يجب أن يكون هناك وقفات جادة لكل من يقع علي عاتقة المسئولية من مؤسسات المجتمع المدني وهيئات حقوق الانسان وكذلك فرض القوانين التي من شأنها حماية الأطفال من الزواج المبكر ومعاقبة كل من يفعل ذلك من اجل بناء المجتمع علي أسس وقواعد سليمة المجتمع الذي يكون نواته الأسرة وإننا ببناء الأسرة نبني الوطن وكما قال أمير الشعراء /أحمد شوقي " الأم مـــدرســـة إذا أعــددتــهــا***أعـددت شـعباً طـيب الأعـراق "
بقلم الكاتب الفلسطيني/ هاني مصبح