الثقافة والاعلام والدور المطلوب

بقلم: عباس الجمعة

أثناء كتابة المقال فجأتنا صحيفة القدس الفلسطينية بمقابلة مع الارهابي ليبرمان ، وهذا يعتبر تجاهل وتواطؤ مع المحتل والظروف الحقيقية التي يعيشها الشعب الفلسطيني ، وهذا يؤكدا ان هنالك إعلام استسلامي (مهزوم) يردد مفاهيم ومصطلٍحات العدو الصهيوني، متناسياً أهمية وقيمة ما يعانيه الشعب الفلسطيني في الدفاع عن القضايا والحقوق الوطنية، متجاهلاً خطورة الهجمة الشرسة على دول المنطقة وتأثيرها على تطورنا ودورنا ومستقبلنا عامة.

إذا نظرنا إلى الثقافة في مضمونها الشمولي نجدها عملية حية متواصلة متغلغلة في كل أشكال العلاقات والنشاطات والمواقف الاجتماعية والإنسانية والسياسية، وعلى صلة وثيقة بالهوية الوطنية والقومية والتفاعل الحضاري بين الشعوب والدول التي تقف الى جانب القضية الفلسطينية ،

إن مواجهة الإعلام المضلل تأتي في سياق مواجهة مشروعات الهيمنة الأمريكيةـ الصهيونية والتصدي لها وعرض الحقائق واستنهاض ثقافة المقاومة وتجسيد وقيمها والعمل في مختلف الميادين الإعلامية للارتقاء بالأداء الإعلامي وبما يليق بنضال وتضحيات الشعب الفلسطيني وإنجازاته، وكل ذلك يتطلب خطط واستراتيجيات على مستوى الفلسطيني والعربي وحشد الشارع العربي والعالمي واستنهاض ثقافة مواجهة التطبيع الاعلامي والاستفادة من خيار الانتفاضة والمقاومة التي استطاعت أن توحد المشاعر وتخلق حالة وحدوية شعبية تؤكد بأن الشعب الفلسطيني ومعه كل القوى الحية واحرار العالم قادرون على النهوض والتصدي للمخاطر بالموقف الموحد وبالكلمة الصادقة في وجه أعداء الشعوب وأعداء الحقيقة ولم نستفد من الاختراق الذي أحدثته صحيفة القدس التي يجب على المعنيين الوقوف امامه .

بالطبع للاعلام في واقعنا دور مؤثر وبالغ الخطورة على تشكيل الوعي والدفع نحو مواقف معينة ، بغض النظر اذا كان يدفع نحو الحقيقة أو نحو خدمة موقف مسبق ، ينعكس هذا التأثير على المساوى المجتمع، وربما على ما هو أبعد من ذلك ، بالتأثير على الواقع السياسي و الاجتماعي والاقتصادي.

وفي ظل هذا الواقع ارى ان الاعلام هو جزء من الثقافة التي تنظر بمسؤولية عالية إلى مواقف المجتمع بمفاهيم ومصطلحات جديدة فيما يخص قضايا الواقع ، ومن هنا يجب ان يلعب الاعلام دورا في إزالة كل أشكال التمييز وتسليط الضوء على قضايا المجتمع .

صحيح ان الاعلام المعاصر لم يعد ، شكليا على الأقل ، بل هو اعلاما موجها ومبرمجا ، هناك سقوط للاعلام الحزبي ، أو ما يعرف بالاعلام الملتزم لنهج فكري محدد ، لكن للأسف نشهد اعلاما يدعي الانفتاح على مجمل الآراء ، في التطبيق يفقد بوصلته المستقلة ويغرق في النهج الذي يبدو له مقبولا من القراء ، اذ ينغلق على اتجاه يقتل جوهر المسألة ومميزاتها الأكثر أهمية ، باعتبارها مرآة للفكر الاجتماعي والسياسي بكل اطيافه وتعدداته، من تجربتي المقاطعة لرأي ليست قوة للوسيلة الاعلامية، بل هي مسار لضيقي الأفق والمنغلقين عن تحول الاعلام الى قوة لا يستهان بها في عالمنا.

وفي ظل هذه الظروف تتعدد المواقع الاعلامية ، بهدف اعطاء مساحة الحرية ، هي مساحة هامة جدا ، وخاصة اننا نعيش عصر ثورة المعلومات ، والاعلام هو جزء صغير من مصدر هذه المعلومات ، ومع ذلك دور الاعلام يتميز بقيمة كبيرة نظرا لقدرته على التأثير السريع والمباشر على مجمل الراي العام في المجتمعات البشرية .

ومن هنا يجب ان لا ننسى ان التاريخ لا يكتمل اليوم تسجيله بدون العودة الى الوثائق ، لكن مصير الحقيقة التاريخية دائما ان تظهر ولو بعد أكثر من جيل، اذن التاريخ أكثر شمولية واتساعا من الاعلام ، بالنسبة للتاريخ ليس مهما تتبع ووصف كامل لمجرى العملية بكل تفاصيلها واحداثها ، الجوهرية منها وغير الجوهرية ، كما في الاعلام ،انما تحليل تطور الشيء وتشكله ، وتأثير القوانين والروابط والتفاعلات ، بترابط مع المنطق .

لذلك يعتبر الاعلام الالكتروني ، فنا تعبيريا يتصف بالحرية المطلقة، نظراً لعدم وجود تشريعات تحدِد طبيعة عمله ومجالات التفاعل معها، وهذا ما جعله إعلاما إستهلاكيا واسع الإنتشار والمقبوليّة. وهذه الصفة، أي سرعة قبوله وتصديقه، ضاعفت من الاخطار المهنية التي يمكن ان تنجم عن الاعلام الكلاسيكي، لجهة الثقة المفروض توفّرها في صياغة عناصره، وذلك بسبب التسرّع الذي يطغى على مفهوم السبق الاعلامي خلال تصنيع المواد الإخباريّة والرغبة بتحقيقِ نصر مهني، على حساب الإحترافية المطلقة.

وفي ظل هذه الظروف تتطلّع الشعوب بكل مستوياتهم العمْرية والثقافيّة، وبمختلف إنتماءاتهم وتوزعِ إهتماماتهم، الى تطوير الاعلام الالكتروني الذي اصبح مادةً أساسية في الحياة اليومية للناس، ويراهنون على اهمية تنظيمه ودفعه الى توسيع إطار تحرّكه، حتى يستجيب أكثر لإهتماماتهم وتطلّعاتهم التي تتشعّب وتتكاثر كلّ يوم، نظراً للإنفتاح المستدام على حضارات الشعوب وثقافاتها وطبيعة حياتها اليوميّة بكلِّ مفاصلها، بعد ان صارت المجتمعات العالميّة على تماسٍ تامٍ وتواصل لحظويٍّ مع بعضها. وهذا ما جعل الاعلاميين يتطلّعون الى رهانات جديدة وحديثة في مجال تعميم المعارف ونشر الاخبار المتواترة بسرعة غير منتظرة.

ان أخلاقيات الفنّ الإعلامي الجديد، و حماية المواقع الالكترونية، هى إحدى أهم آليات ضمان حرية الاعلام، وحق الجمهور فى المعرفة، كما الدور التوعوي الذي يمكن ان تلعبه وسائل الاعلام، يعد عاملا مهما في لفت انتباه المجتمع إلى خطورة قضية تعاطي المخدرات والوقاية منها، من خلال شراكة إعلامية حقيقية طموحة تكون على قدر التحديات وخطوة هذه المشكلة المتفاقمة، تتكامل فيها أدوار المؤسسات الإعلامية والخاصة بوسائلها التقليدية والحديثة.

لهذا نحن نؤكد على اهمية مبادرات التوعية والوقاية من المخدرات بجوانبه الإعلامية ، للاقتراب من مشاكل وهموم الشباب والمجتمع بصفة عامة بتوجيه خطاب إعلامي، وفق معطيات العصر وتطور أدواته الإعلامية لتلمس قضاياهم واهتماماتهم لتأسيس هوية ثقافية ومبادئ وطنية وسلوك إنساني سليم، برسالة إعلامية مبتكرة تواكب العصر، وبلغة سهلة الوصول والفهم إلى المجتمع، لاننا نعتبر أن الإعلام سلاح ذو حدين، فكما انه قادر على نشر رسالة فعالة وصحيحة فهو أيضا قادر على نشر رسالة خاطئة إن لم يتم التأكد من صحتها أو إعدادها ودراستها بشكل دقيق وتوجيهها الى الفئة المستهدفة.

إن الحرية الاعلامية وحرية الصحافة تشكلان ركناً من أركان حرية التعبير وركناً أساسياً لإقامة الدولة الديموقراطية، وقد تكرست هذه الحرية في جميع المواثيق الدولية واعلانات حقوق الانسان، وهذه الحرية مكرسة دولياً وقانونياً ودستورياً، وخصوصاً في جميع الدول الديموقراطية

ختاما : لا بد من القول إنّ ممارسة حرية الاعلام تتطلب احترام حقوق الآخرين وكراماتهم وسمعتهم، واحترام الامن القومي والسلام الأهلي والنظام العام والصحة العامة والأخلاق العامة، والابتعاد عن العنصرية والطائفية و كل أنواع التمييز الإتني والعرقي والمذهبي ، بما يضمن الحرية الاعلامية وحماية حقوق الآخرين وكراماتهم وخصوصاً الحياة الخاصة وتقاطع بين السلطة الثالثة وهي السلطة القضائية والسلطة التي توصف اليوم بالسلطة الرابعة وهي الصحافة والاعلام.

بقلم/ عباس الجمعة