حماية الرواية الفلسطينية مسؤولية وطنية

بقلم: رامز مصطفى

لم تكن مقاطعة القائمة العربية المشتركة في " كنيست " الكيان " الإسرائيلي " ، لمراسم تشييع الإرهابي " شمعون بيريز " ، إلاّ تظهير حقيقي لمشهد الاحتقان الذي يخيم على الوسط الفلسطيني بجمهوره ونخبه ، نتيجة السياسات العنصرية " الإسرائيلية " ، التي مورست ولا تزال تمارس على الفلسطينيين الذين لم يغادروا أراضيهم الفلسطينية في العام 1948 ، وآثروا البقاء والتمسك بأرضهم وقراهم ، رغم المجازر الذي أقدمت عليها عصابات الهاغاناه وشتيرن والأراغون . وبالتالي كانت تلك المقاطعة التي شكلت المفارقة بين أنموذجين من التعامل الفلسطيني مع قضية المشاركة في تشييع " بيريز " .
وقد عبر عن ذلك " ألوف بن " محرر صحيفة " هآرتس " العبرية ، عن أن الصراع بين الفلسطينيين و" الإسرائيليين " قد انتقل إلى الأراضي الفلسطينية المعتصبة في العام 1948 ، منذ التوقيع على اتفاقات " أوسلو " عام 1993 . وحدد " ألوف بن " بالضبط أن الصراع يتمحور على مسألتي الوعي والرواية ، الأمر الذي عملت " إسرائيل " منذ عقود اغتصابها لفلسطين على طمس الرواية وثقب الوعي المستند على داتا الذاكرة لدى الشعب الفلسطيني . والذي بات من المؤكد أنها قد فشلت في تحقيقه ، وهي أي " إسرائيل " التي أصدرت العديد من القوانين التي اعتقدت أنها من شأنها تأمين دمج الفلسطينيين في مجتمع الكيان " الإسرائيلي " ، ومن ثم تذويبهم بشكل نهائي . ولعلّ قانون النكبة العنصري والمقدم من عضو " الكنيست " " أليكس ميلر " عن حزب " إسرائيل بيتنا " والذي أقرّ في آذار 2011 ، إلاّ دليل على المساعي والجهود التي عمل عليها الكيان من أجل تزييف التاريخ الفلسطيني وتشويهه ، وطمس هويتنا الوطنية وتفريغ ذاكرتنا الفلسطينية التي لا زالت عصية على الثقب أو التلاشي ، على الرغم من الإجراءات العقابية التي جاء بها هذا القانون ، والتي تراوحت بين فرض الغرامات المالية والإجراءات القضائية ، وهذا ما يبرر صراخ نتنياهو الذي يُردد على الدوام " إن النكبة هي أكذوبة ، وأنّ 90 %من القصص حولها ليست صحيحة ، ومن نشرها تلحق ضرراً بإسرائيل " . وهذا ما أكده " ألوف بن " أمام عدد من المثقفين الفلسطينيين الذين التقاهم بمبادرة من مركز " إنجاز " في مدينة الناصرة المغتصبة ، حيث قال : " أنّ قادة كثر من فلسطينيي الداخل كانوا قد شاركوا في جنازة اسحاق رابين في 1995 . واليوم يقاطعون بعد عشرين سنة ، جنازة بيريز بعدما انقلبت الآية ، وزاد عدد النواب العرب من خمسة إلى ثلاثة عشر نائباً . بل إنّ التاريخ السياسي لإسرائيل يبدأ بالمواطنين العرب فيها ، وهم اليوم أكثر قوة مقارنة مع عقدين للوراء " . خاتماً كلامه أنه " ومنذ عودة اليمين للحكم بقوة في 2009 تُكرّس حكومات إسرائيل طاقة كبيرة من أجل تكميم الأفواه مستخدمة العصا والجزرة ولكن من دون جدوى " .
وتنضم صحيفة " هآرتس " العبرية إلى صف محررها " ألوف بن " ، في تسليط الضوء على مقاطعة القائمة العربية المشتركة لجنازة المقبور " بيريز " ، حيث جاء موضوع المقاطعة في صدارة افتتاحيتها " أنّ قرار نواب القائمة المشتركة ، التغيب عن جنازة شمعون بيريز قد حددت معنى سياسياً مغزاه كبير ، داعية إسرائيل إلى تغيير سياساتها وتوجهاتها حيال المواطنين العرب فيها " . وأضافت الصحيفة " إن قيادة فلسطينيي الداخل تمردت على رواية الغالبية الصهيونية التي تتجاهل تاريخ ومشاعر الأقلية ، واظهرت استقلالية مزدوجة ، أمام الرسمية الإسرائيلية التي مثلها بيريز وأمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي شارك في الجنازة " . واعتبرت الصحفية " أن مقاطعة القيادة السياسية العربية في إسرائيل جنازة بيريز ، قد حققت هدفها بعرض الرواية المضادة من قبل الأقلية العربية في مركز الحلبة الإعلامية والعامة " .
إن الحرب الإعلامية المُشنة على نواب القائمة العربية المشتركة لمقاطعتهم جنازة " بيريز " ، من قبل الكثيرين في الكيان الصهيوني ، إنما يعكس مدى الفزع والخوف والرعب الذي ينتاب الكيان بكل أركانه من تلك المقاطعة ، التي جاءت تعبيراً صادقاً في تمسك الفلسطينيين بروايتهم وذاكرتهم وتاريخهم ، وبالتالي إعلاء الصوت الفلسطيني الضحية في وجه الجلاد الغاصب الصهيوني .

رامز مصطفى