تل رفح.. معلم أثري وسياحي كبير ينتظر الخروج من دائرة التهميش

وسط أكثر مناطق مدينة رفح الحدودية الواقعة جنوب قطاع غزة انخفاضاً، يقع تل رفح بارتفاعه الكبير، محتفظاً وفق الخبراء بآثار لخمس حضارات قديمة، منها الفرعونية، والرومانية، واليونانية، والبيزنطية، والإسلامية، علاوة على أنه يعد أبرز المعالم الجميلة في المدينة.
ويطلق على التل شعبياً اسم "تل زعرب"، نظراً لأن أكبر العائلات الرفحية "زعرب" تقطن بجواره، وهو يحوي وفق علماء آثار كنوزاً أثريةً قديمة، ومع ذلك لا يزال مهمشاً من الجهات المعنية، عدا جهود متباعدة للكشف عن بعض الكنوز، فيما ظل على مدار عقود هدفاً لعمليات نبش غير قانونية، بحثاً عن كنوز ثمينة مدفونة في باطنه.
ووفق مسنين أسهم الاحتلال وبشكل متعمد في تخريب التل، منذ العام 1956 وحتى وقت قريب، عبر غض الطرف عن عمليات البحث عن كنوزه وآثاره، بل قيل إن هناك متاحف داخل إسرائيل تضم مئات القطع الأثرية التي نهبت وسرقت من داخل التل.

خمس حضارات متعاقبة
من جانبه أكد الباحث والمؤرخ وليد العقاد، صاحب متحف العقاد للآثار والذي يقع في مدينة خان يونس، إن الآثار التي عثر عليها في التل يزيد عمرها على 2300 عام، وسكنه العديد من الحضارات.
وأكد العقاد في حوار مع صحيفة "الأيام" الفلسطينية، أن التل يضم آثاراً فرعونية ويونانية وبيزنطية ورومانية، آخرها جرة بها قطع نقدية فضية يونانية.
وأشار العقاد إلى أنه تابع عن كثب التل، وحرص على اقتناء قطع نقدية وأثرية استخرجت من التل، معظمها عثر عليها مواطنون، من بينها تابوت يعود للعصر البيزنطي مصنوع من الرصاص اللين، ويصل وزنه إلى 105 كيلوغرامات، ووضع فيه جثمان شخصية مهمة في ذلك العصر، وكان بداخله قطع نقدية، مبيناً أنه لا يزال يحتفظ بالتابوت الخاص به في متحفه بمدينة خان يونس.
كما أكد العقاد العثور على مطاحن وقطع فخارية ونقدية وصخور وأعمدة، وتوابيت، وأسلحة قديمة، تعود للحضارات المذكورة.
وأشار العقاد إلى أن تمركز الحضارات القديمة في التل، هو ارتفاعه الكبير عن سطح البحر، وسهولة اكتشاف الأعداء قبل وصولهم، واتخاذه كنقطة دفاع عسكرية حصينة.
وأكد العقاد أن الاحتلال الإسرائيلي أسهم في تدمير التل وآثاره عبر أمرين: الأول، نهب آثاره منه، لافتاً إلى أن موشيه ديان سرق العديد من آثاره، وأقام متحفاً في منزله يضم العديد من الكنوز الأثرية التي استخرجت من التل، ولا تزال ابنته "ياعيل ديان" تقيم متحفاً داخل منزلها، به آثار معظمها سرق من التل، أما  الثاني، فتمثل في غض الاحتلال الطرف عن عمليات حفر ونبش كان ينفذها أشخاص للبحث عن آثار بهدف بيعها.

نفق أثري
وبين العقاد أن من أهم معالم التل، وجود نفق قديم يصل إلى شاطئ بحر رفح يصل طوله إلى نحو ثلاثة كيلو مترات، ظهرت له عدة فوهات وتمت معاينتها، ويبدو أنه استخدم في إحدى العصور لأغراض حربية بحتة، كما تقع أسفل التل مبانٍ قديمة تعود لعدة حضارات.
وأكد أنه استقبل في متحفه العديد من علماء الآثار، آخرهم وفدان فرنسي وسويسري، وبعد اطلاعهم على الآثار التي وجدت في التل.
ودعا العقاد إلى ضرورة الحفاظ على التل، وتأهيله وحمايته، ومنع أي شخص من العبث أو النبش فيه.

قصص وحكايات
ومنذ قرون طويلة يتناقل المواطنون العديد من القصص والروايات حول التل وكنوزه.
فيقول المواطن محمد بريكة (60 عاماً)، ويقطن بجوار التل، ويمتلك أرضاً على حافته، إنه سمع من أبيه وجده وكذلك أعمامه، عن حكايات وقصص كثيرة عن التل، أبرزها وجود مدينة كاملة أسفله، تحوي بيوتا وآثاراً، بعضها ظهر بالفعل جراء عمليات النبش والحفر، وعوامل التعرية، والكثير منها لا يزال مدفونا تحت الرمال.
وأكد بريكة أن عمليات النبش كشفت كنوزاً ثمينة، بعضها بيع وأخرى وضع في متاحف، لكنه يعتقد أن التل لا يزال يحوي الكثير من الكنوز الأثرية.
واستمعت "الأيام" لقصص عن التل، بعضها واقعي وأخرى تدعو للاستغراب، أبرزها أن بعض كنوز التل محمية بالجن، وكثير ممن حاولوا الحفر وصلوا إلى مناطق لم يستطيعوا بعدها إخراج ولو حفنة رمال، إما جراء انهيارات غير مبررة، أو شعور بالاختناق في نقطة معينة، وعوامل أخرى غير معروفة.

موقع عسكري
وأكد بريكة أن التل كان في فترة زمنية نقمة على سكان رفح، حين كانت إسرائيل تقيم فوقه موقعاً عسكرياً، مستغلة ارتفاعه، وكان هذا الموقع يرسل الموت والدمار، ما أدى إلى استشهاد وإصابة المئات، من بينهم نجله كمال، الذي لا يزال يعاني إصابة حرجة وشللا نصفيا منذ أكثر من عقد من الزمن.
بينما يقول الصحافي عادل زعرب، ويقطن بجوار التل، إن الأخير ويطلق عليه تاريخياً اسم "تل الخراب"، وقيل إن تحته نفقا كبيرا يصل إلى البحر، وأن الملكة "كليوبترا" أقامت فيه عدة أسابيع بعد زواجها، نظراً لشدة جماله، وأقامت عليه الكثير من الاحتفالات والطقوس الفرعونية.
وأكد زعرب أن العائلة تقطن في محيط التل منذ مئات السنين، وكان لها دور بارز في الحفاظ عليه، ومنع سرقة كنوزه، ولا يزال أبناؤها يزرعون ويفلحون أراضيهم في محيطه، رغم مصادرة جزء منها من الجهات الحكومية، وتجريف جزء من التل.

مقصد ترويحي
أما المواطنة أمل محمد من سكان المنطقة، فأكدت أن التل يعتبر معلماً جمالياً وسياحياً، يقصده المستجمون.
وأكدت محمد أن التل كان يجتذب المستجمين في أيام شم النسيم، مستذكرة حين كانت تصعد إليه برفقة عائلتها، ويصطحبون البيض الملون، والسمك المملح "فسيخ"، للاحتفال بالمناسبة الشعبية، داعية المحافظة على التل، وتأهيله، ليصبح منطقة سياحية.
أما المواطن محمود شقفة، فأكد أنه كثيراً ما يقف أمام التل للاستمتاع بمنظره الخلاب، فهو مكان مرتفع وسط منطقة منخفضة، ويقع جزء منه داخل الأراضي المصرية، لكن معظمه داخل رفح الفلسطينية.
وأعرب شقفة عن اعتقاده بأن التل أهم معلم أثري وحضاري في رفح، ويجب الحفاظ عليه.
أما وزارة السياحة والآثار في غزة فقد رصدت في قطاع غزة 114 موقعاً أثريا تم إعلانها مواقع أثرية، وإفراز حراسة خاصة لها على مدار الساعة، من بينها منطقة تل رفح التي تبلغ مساحتها 150 دونما.

المصدر: كتب محمد الجمل: -