عائشة حسين والمرأة الفلسطينية هي ملح الأرض ونورها وترابها

بقلم: عباس الجمعة

مابين الموت والحياة هنالك حاجز يسمى الفقر، وعلى جوانبه كتب الشقاء على كل من ينتمي إلى ذاك العالم المجحف بالضرر، ومن قدّر له السير على طرقات ذلك الحاجز فسيحيا وقتئذٍ آلام الحياة بلباس الموت، هكذا حال عائشة حسين، امرأة في الخامسة والثلاثين من العمر تقف في مواجهة النار لساعات طويلة لمساعدة زوجها في عمل الحدادة، بعد أن تدهور الحال بالأسرة التي باتت تسكن في خيمة على ناصية أحد شوارع غزة، ولا تتوانى المرأة الحامل عن طرق الحديد، علها تتمكن من إعالة عائلتها التي تتكون من سبعة أفراد يعانون الفقر المدقع، كما الالاف من ابناء الشعب الفلسطيني ،ما يوحد آلامهم في مصارعة الحياة لتأمين الاحتياجات الضرورية كالغذاء والمأوى والدواء والدفء،ولأن حبة القمح لا تنبت في الصخر، فكذلك الحال بالنسبة لعائشة المرأة المناضلة التي تسعى ومعها العديد من نساء فلسطين ، فهم يعشقون رائحة التراب الممزوج بالعرق والنضال، ذلك الفلسطينية كحبة القمح تسعى لمساعدة زوجها وعائلتها لتبقى في ارضها ، فهي في وجدانها كالجبل الشامخ المزروع بالسنديان والزيتون، وإن تلوث الجو قليلاً برائحة البارود من قبل عدو متغطرس ، فهذه العائلة عايشت ثلاثة حروب على قطاع غزة ، فهذه العائلة كما غيرها تعشق فلسطين وحدها، لغة لا يفهمها إلا من عاش على هذه الأرض، عشق زمانيّ ومكاني وتاريخي وفلسفي .

نساء فلسطين هم المناضلات من اجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، فترى الشهيدات اللاتي قدمن انفسهن فداء لفلسطين وكن وما زلن لهن دورهن النضالي في المقاومة والانتفاضة ، كما هن العاملات اللاتي يعملون بكل شيئ فهن قبس من نور العالم بأجمعه.. هم ملح الأرض، وبلا ملح يفسد حتى البحر، فهن يشكلون نبراسا مضيئا على طريق تحرير الارض والأنسان .

لقد أدركت المرأة الفلسطينية مبكراً أن خلاصها من عبودية المجتمع ، لا يمكن أن يتحقق إلاّ بخلاصها من عبودية الإحتلال ، وبتحرير وطنها من المحتل ، ولهذا فقد اندفعت المرأة الفلسطينية إلى ساحة النضال ، وأصبح همها وهم الرجل هو تحرير الوطن المسلوب ، والعمل من اجل توفير لقمة العيش لأفراد اسرتهم .

امام كل ذلك ظهرت المرأة في عدة صور ، فهي الأم التي حثت أبنائها وبناتها على التعليم والعمل والإنتاج ، وأرضعتهم حليب الثورة وحثتهم على النضال والإستشهاد أيضاً ، وهي المعلمة التي علمت أجيال والعاملة الكادحة التي أنتجت ، والمنظمة التي قادت خلايا تنظيمية ونقلت الرسائل وسهلت اختفاء المناضلين، و هي المرأة المحرضة والداعية السياسية النشطة والقائدة الجماهيرية ، و المقاتلة ضد الإحتلال من أجل الحرية والإستقلال ، فشاركت بالقلم والحجارة وزجاجات المولوتوف وفي العمل المسلح ، فهي التي شاركت في عمليات نوعية والعمليات الإستشهادية ، كما و لعبت المرأة الفلسطينية دوراً محورياً في حماية التقاليد والتراث الوطني وغرس احترام القيم الوطنية ،وقدمت المرأة الفلسطينية الأم المثالية والمناضلة المميزة والعاملة بشتى الاعمال ، قدمت الشهيدة الخالدة والأسيرة الصامدة والمبعدة الحالمة بالعودة ،والمحررة الصابرة التي أمضت شهور و سنوات طويلة وراء القضبان ، كما ناضلت من اجل لقمة العيش وجعلها مجبولة بالصعاب ، في الوقت الذي يسعى البعض من خلال فرض

الضرائب سرقة لقمة العيش من جيوب الفقراء، وصرنا نشهد البعض يعيش على حساب هؤلاء الذين تسببوا في المزيد من أوجاع الفقراء وآلامهم.

وانا اطلع على حديث السيدة عائشة لقناة الجديد ، رأيت بكلامها انها تجاوزت العوائق الكثيرة التي تحدّ من ريادة المرأة على صعيد الأعمال، واكدت أنّ المرأة لها طموحاتها الكبيرة، وهذا لا يؤثر في وضعها العائلي.

من هنا فأن النظرة القاتمة لريادة المرأة في مجال الأعمال، هناك نساء تجاوزن العوائق، سواء المادية أو المعنوية، لكي يحقّقن ذواتهن، فهن يخلقن فرص عمل وتحدّ من البطالة، وبذلك هي تعطي أهمية كبيرة لدعم الزوج لكي تستطيع المرأة الاستقلال في عملها ، لذا فإن التحدّي اليوم بالنسبة الى المرأة ليس فقط تحسين وضعها ، بل تجاوز الخطوط التي رُسمت منذ سنوات طويلة في المجتمع للحدّ من قدراتها، التي تضعها في صلب البيئة الريادية، فهي اصبحت تعمل في مجالات متعددة كمهنة الحلاقة وسائقة التاكسي والحدادة والعاملة الزراعية ، حيث نجد ان المرأة تمكنت من خلال هذه المهن النجاح فيها ، وتمكنت من لفت نظر المجتمع إليها مصحوبا بضوابط أخلاقية، كان أكثر نجاحا فى تغيير الثقافة المترسّخة لدى البعض والتي قد تسبب لها بعض الضيق، ونحن نرى ان المرأة اليوم تحتل اعلى المناصب السياسية فهي وزيرة ونائبة ومحامية وشاعرة وفنانة وقيادية بارزة ومعلمة اجيال ومضيفة طيران وسكرتيرة ومديرة مؤسسة ومحاسبة وصحافية واعلامية وكاتبة ومحللة سياسية حيث أثبتت العديد جدارتهن في هذه المجالات وتفوق الكثير منهن على الرجال.

ولكننا نقول للمناضلة عائشة حسين ان ما تقومي به هو وسام شرف، لأنك انتي ونساء فلسطين ملح الأرض الفلسطينية ونورها، صحيح انك تعيشي انتي وعائلتك في خيمة على ناصية أحد شوارع غزة، الا انك تثبتي بعملك بحبّك لفلسطين.

ختاما : اقول الى من يعنيهم الأمر ، المرأة الفلسطينية والعربية تصنع المعجزات ونحن في خضم معركة المصيرعلى مستوى فلسطين والمنطقة، فمعاناتها تتعدى الوصف ، نطالب الجميع بانهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية والنظر باوضاع الشعب الفلسطيني ، لاننا نحن نواجه الاحتلال ، من حقنا ان نقف مع الشرفاء الفقراء في فلسطين ولسان حالهم ، حتى يتحقق الحلم الفلسطيني، بمجتمع ديمقراطي نزيه تسوده الديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية .

بقلم/ عباس الجمعة