الانقسام الفلسطيني والحل الوحيد المتبقي !!

بقلم: ناصر الصوير

يعتقد الكثيرون من أبناء الشعب الفلسطيني وكذلك المتابعين للشأن الفلسطيني أن إنهاء الانقسام أصبح أمراً صعب المنال، يستحيل تحقيقه على الأقل في القريب المنظور، ولديهم أسباب عديدة منها أن الطرفين وأعني قطبي المعادلة السياسية الفلسطينية(فتح وحماس) قد أعلنا مراراً وتكراراً وفي مرات عديدة أنهما توصلا لحلول كاملة وشاملة للانقسام وأنه أي الانقسام أصبح خلفهما بلا رجعة ، ولكن هذه الاتفاقيات لم تترجم عملياً إلى أرض الواقع مطلقاً؛ بل إن الاتهامات المتبادلة والردح الإعلامي عبر الفضائيات ووسائل الإعلام كانت تتصاعد وترتفع وتيرتها عقب كل حديث عن اتفاق وشيك لإنهاء المصالحة .!

ومع استمرار الانقسام الفلسطيني (عشر سنين إلا قليلا) تتصاعد نتائجه السلبية، وتؤكد المعطيات أنه ألحق بالقضية الفلسطينية أضراراً جسيمة لا يمكن حصرها أو تقديرها، في مقدمتها استغلال إسرائيل لهذا الانقسام لتمرير الكثير من مخططاتها وعلى رأسها مخطط تصعيد الاستيطان ومصادرة الأراضي في الضفة الغربية و تهويد القدس، كما أدى الانقسام كذلك إلى خفوت الإيمان العربي والدولي بالقضية الفلسطينية وأصبحت مسلمات الأمس محل شك كبير، مما دفع بالكثير من المتربصين والمأجورين للاندفاع والإعلان عن مسلمات جديدة جميعها يصب ضد القضية الفلسطينية وفلسطين وشعبها ؛ فلا زلنا نتذكر دعوات العديد من الإعلاميين المصريين عبر الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة لإسرائيل تارة وللجيش المصري تارة أخرى بشن حرب على غزة لتطهيرها من حماس والإرهاب على حد زعمهم، ومن منا لا يتذكر الإعلامي المصري وعضو مجلس الشعب المطرود توفيق عكاشة عندما رفع حذاءه عبر شاشة التلفاز للشعب الفلسطيني واصفاً إياه بشعب الكلاب.

يرى العديد من المحللين والمتابعين أن هذه المواقف السلبية المعيبة بحق القضية الفلسطينية وغيرها لم تكن لتظهر بهذه الصورة أو على الأقل بهذه الصورة الفظة لولا أجواء الانقسام الخطيرة التي ألقت بظلالها السلبية على الشعب الفلسطيني ومكوناته السياسية وقضيته الجريحة.

ومما لا شك فيه أن كل الحلول وكل المحاولات لإنهاء الانقسام المتواصل منذ عشر سنين أخفقت وباءت جميعها بالفشل، بدليل ما آلت إليه الأمور في الأراضي الفلسطينية وتفشي ظاهرة اليأس والإحباط وتفاقم الكثير من المشاكل في جناحي الوطن(الضفة الغربية وقطاع غزة) دون استثناء أو تمييز، وبفحص متأنٍ لأسباب هذا الإخفاق في رأب الصدع وإنهاء الانقسام الذي أقل ما يقال عنه إنه بغيض نجد أن جميع الحلول التي وقعها الطرفان كانت حلولاً ترقيعية تسكينية طالت كل الأسباب ما عدا الأسباب الجوهرية والحقيقية التي أدت إلى الانقسام، وتمسكت بالحلول الظاهرية وتخلت عن الحلول الجوهرية.

أن الحديث عن الأسباب الحقيقية الموضوعية للانقسام يحتاج منا إلى تأصيل شامل للموضوع والعودة إلى جذور الخلل في العلاقات الثنائية بين حركتي حماس وفتح على وجه الخصوص والخلل الموجود بين جميع مكونات الحياة السياسية الفلسطينية برمتها، أما ونحن في هذا المقال لسنا بصدد الحديث عن الأسباب، فإن

السؤال الذي يطرح نفسه بشده : هل هناك حلول يمكن أن تزحزح هذا الوضع المتأزم وتخرج المسألة برمتها من عنق الزجاجة الضيق للانطلاق نحو حل ينهي هذا الوضع الخطير قبل فوات الأوان؟!!!

أعتقد أن نتائج الانقسام السلبية طالت جميع شرائح ومكونات الشعب الفلسطيني دون استثناء وعليه فإن إيجاد الحلول لهذا الانقسام ليست حكراً على النخبة السياسية أو الحزبية أو السلطوية الفلسطينية التي منحت الفرصة تلو الفرصة والمحاولة تلو المحاولة دون جدوى وباءت لا أقول جهودها فالجهود في معظم الأحيان تتكلل بنتائج مثمرة بل محاولاتها بالفشل الذريع، وبناء عليه أعتقد أن الحل الأمثل اليوم لإنهاء الانقسام يتمثل في إطلاق الخطوة الأولى والأهم وهي: قيام أصحاب الفكر والرأي والثقافة والدراسة من شرائح المجتمع الفلسطيني المتنوعة من كتاب ومحللين وباحثين وصحفيين وإعلاميين ومثقفين وأكاديميين وشعراء وأدباء وفنانين بإطلاق مشاريع أو أفكار مقترحة أو سمها ما شئت سواءً فردية أو جماعية لإنهاء الانقسام وهزيمته والتغلب عليه والتخلص منه، مشاريعاً أو أفكاراً بإمكانها منح أرباب المشكلة وأطرافها خيوطاً وأفاقاً للإنطاق من خلالها للخروج من هذا النفق المظلم.

ما يدفعني للتأكيد على ضرورة القيام بهذه الخطوة ووجود آمال كبيرة لنجاحها هو أن الطرفين (حماس وفتح) أعلنا ضمناً من خلال الإعلان عن فشل كل المصالحات السابقة بينهما أن جعبتهما من الحلول الجديدة نفد ولم يبق عندهما شيئاً يقترحانه بعد ، مع التأكيد أنهما يرغبان فعلاً في التوصل لحل لهذا الوضع المتأزم الذي اكتوى بناره الجميع دون استثناء ولكن النظرة الحزبية الضيقة لكل منهما قوضت التوصل لمثل هذا الحل وبالتالي فان تدخل النخبة التي ذكرتها وقيامها بضخ أفكاراً لحلول جديدة قد يكون العصا السحرية التي تجعل الانقسام خلف ظهورنا جميعاً.

إذن المطلوب الآن من النخبة المثقفة الفلسطينية والعربية كذلك إن أمكن فالغيورين على قضية فلسطين وشعبها من عرب ومسلمين كثر المساهمة بصورة مؤثرة وفاعلة من خلال طرح مقترحات وأفكار ومبادرات تصب وتسعى لإنهاء الانقسام وليس من الضروري أن يؤخذ بمبادرة كاملة فربما يؤخذ جزء من هذه وجزء من تلك، إلى أن نصل إلى بنود اتفاق ممكن وسهل وممتنع يوافق عليه طرفي المعادلة ويلقى قبول الرأي العام الفلسطيني ، ينهي الانقسام ويعيد للقضية الفلسطينية زخمها وللشعب الفلسطيني كرامته.

بقلم/ د. ناصر الصوير