خطاب المبادرة التي أعلن عنها أمين عام حركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان عبد الله شلح ، في المهرجان الجماهيري الحاشد في قطاع غزة بمناسبة الذكرى التاسعة والعشرين لتأسيس الحركة واستشهاد القائد المؤسس للحركة الدكتور فتحي الشقاقي ، قد أثارت عاصفة من الردود في الساحة الفلسطينية ، والتي تراوحت بين التأييد والتحفظ وعدم القبول ، إن لن نقل الرفض . وقبل الحديث في النقاط العشرة التي تكونت منها المبادرة ، لابد وبمناسبة الذكرى العزيزة أن نتوجة بالتحية الكبيرة لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين بمناسبة انطلاقتها الجهادية ألـ 29 للحركة ، وإلى روح مؤسسها الشهيد القائد فتحي الشقاقي الذي كان لاستشهاده غيلة على يد الإرهابي المقبور " رابين " ، الأثر البالغ في إعطاء الدفع القوي لحركة الجهاد حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من مكانة نضالية وكفاحية مرموقة ، احتلت بفضل تضحيات مجاهديها وقياداتها وقادتها حيزاً واسعاً في المساحة الوطنية الفلسطينية ، ولتصبح أحد الأعمدة الرئيسية في مقاومة الاحتلال .
وفي العودة إلى المبادرة ذات النقاط العشرة ، ومن موقع المعني كسائر الفلسطينيين أسجل الآتي :-
1. عكست بمجمل نقاطها العشرة ارتياحاً واسعاً في الأوساط الفلسطينية على المستوى الجماهيري ، من خلفية أن خيارات الشعب الفلسطيني على الدوام لا تتغير ولا تحيد رغم المحن والشدائد ، على عكس القوى والنخب التي لم تأتي مواقف البعض منها مع المبادرة ، وهذا أمر طبيعي لأن هناك على الدوام من يقدم مصالحه والدفاع عنها كأولوية له .
2. في توقيتها ، نعم حركت المياه الراكدة في الساحة الفلسطينية التي تعيش منذ ثمانِ سنوات انقساماً حاداً سياسياً وجغرافياً . ولا أفق في إنهائه في ظل التعقيدات المتراكمة في طريقها ، لأسباب أصبحت معروفة ومعلومة وغير خافية على أحد . مضافاً لجملة تلك التعقيدات ما تعيشه المنطقة من حروب مزلزلة لا يعلم أحد أين ستنتهي طالما أن المشروع الصهيوأمريكي هو رأس الحربة فيها ، ضد دول بعينها وتحديداً في سوريا واليمن والعراق وليبيا وما تشهده مصر " .
3. المبادرة وما جاءت به من مضامين سياسية ووطنية ليست ترفاً سياسياً ، بل من خلفية ومسؤولية وطنية ، أراد الدكتور شلح وإخوته في قيادة حركة الجهاد عدم الإكتفاء في تعليق الجرس بل في قرعه بقوة ، وتحديداً في وجه السلطة ورئيسها السيد محمود عباس الذي لا يزال يتمسك بخياراته السياسية العبثية ، على رغم من تصريحاته الكثيرة حول " أوسلو " وانتهاء مفاعليه بسبب سياسات الكيان " الإسرائيلي " وعدم رغبته الالتزام بمحددات تلك الاتفاقات ، وبالتالي إغلاقه لأفق التسوية من خلال وضعه العراقيل في وجه استئناف المفاوضات ، وفرض وقائعه الميدانية في التهويد والاستيطان والحصار والاعتقالات والإعدامات اليومية .
4. وضع حد للتصنيفات السياسية أو المصطلحات الهادفة للنيل من حركة الجهاد من خلال وصفها بالإسلام السياسي ، والتأكيد على أنها حركة مقاومة وطنية فلسطينية .
5. أعادت رسم خارطة فلسطين إلى حدودها الطبيعية ، بعد أن تنازلت اتفاقات " أوسلو " عن 78 بالمائة منها للكيان " الإسرائيلي " . لتؤكد أن فلسطين هي ملك الشعب الفلسطيني ، وهو كل موحد أينما تواجد في الداخل أم في الشتات والمغتربات ، والدعوة الواضحة لكل من يعنيهم الأمر في الساحة الفلسطينية إلى عدم اختزال فلسطين في الضفة وغزة ، والإقلاع عن تكريس تلك التقسيمات للشعب الفلسطيني .
6. حددت وبوضوح أن أزمتنا وما تتعرض له القضية من تحديات ، ليس رهن بالانقسام بقدر ما هو نتيجة مباشرة لاتفاقات " أوسلو " ، وتالياً استمرار الرهانات على خيار المفاوضات دون سواها . والمبادرة بذلك ذهبت بالمباشر إلى تحميل رئيس السلطة الذي طالبته بإلغاء اتفاق " أوسلو " من الجانب الفلسطيني ، ووقف العمل به فوراً .
7. أن تُفرد المبادرة مطالبتها منظمة التحرير إلى المبادرة لكي تسحب اعترافها بكيان العدو الصهيوني ، جاء في سياق أن المنظمة أولاً هي المرجعية الوطنية لكل المؤسسات الفلسطينية ، بما فيها السلطة ، وثانياً أن التوقيع على اتفاقات " أوسلو " جاء باسم المنظمة . فكيف ستستقيم أوضاع المنظمة وتصحيح مسارها السياسي ، لكي تتم إعادة بناءها لتمثل عندئذ الكل الفلسطيني من موقع الشرعي والوحيد .
8. تأكيدها أن المرحلة النضالية لشعبنا وقضيتنا هي مرحلة تحرر وطني ، دعوة صريحة للإقلاع عن وهم أننا نتملك دولة أو مقومات تؤسس لدولة فلسطينية . وبالتالي مطالبة أصحاب هذا الوهم الكف عن التلاعب في مشاعر وأحاسيس شعبنا ودغدغتها بالطرق الديماغوجية .
9. وربطاً بالنقطة السابقة ، هناك مطالبة واضحة لكل من فتح وحماس في ضرورة إنهاء كيانيهما في الضفة والقطاع ، وفق صياغة جديدة لمشروع وطني يفضي إلى إنهاء برنامجين متناقضين ( المفاوضات والمقاومة ) ، لصالح هذا المشروع الذي أساسه المقاومة بكل أشكالها ، وفي مقدمتها المقاومة المسلحة ، التي لا تتناقض وتتعارض مع أشكال المقاومات الأخرى التي يعتمدها ويسلكها شعبنا . المطلوب أيضاً أن يُصاغ برنامج من أجل تعزيز صموده فوق أرضه الفلسطينية المغتصبة ، في مواجهة سياسات الإجرامية والعنصرية والإحلالية .
10. أصرت على إعادة ربط القضية الوطنية للشعب الفلسطيني ، بالكل العربي والإسلامي ، على قاعدة دفع الأطراف الرسمية العربية إلى سحب المبادرة العربية التي أقرت في قمة بيروت عام 2002 ، من التداول والبازار السياسي الرخيص . وبالتالي على القوى الفلسطينية وتحديداً السلطة ، أن تبذل جهودها من أن تساهم بمصر بفعالية أعلى من أجل وقف الحصار على قطاع غزة .
11. دعوة منظمة التحرير أن تمارس مسؤوليتها الوطنية في ملاحقة قادة الكيان أمام المحاكم الجنائية ، من دون تلكؤ أو تباطأ ، وعدم الاستجابة للضغوط الأمريكية ، والابتزاز والتهويل " الإسرائيلي " ، والتحرر منهما
12. أنهت نقاطها في الدعوة إلى إطلاق وطني شامل ، لا يستثني أو يتجاوز أحد . والهدف محدد وواضح هو إعادة الإعتبار لقضيتنا الوطنية ، التي تم ويتم تهميشها بشكل ممنهج بسبب السياسات الخاطئة والرهانات على سياق سياسي تفاوضي لن يوصل إلى إلى مزيدٍ من تبديد في الحقوق وإجهاض للتطلعات .
13. أتت قبل مسافة زمنية ليست ببعيدة من انعقاد " المؤتمر العام السابع لحركة فتح " - ( إذا حسنت الترتيبات وانتهت على خير ) - التي طالبتها المبادرة بتحمل مسؤولياتها على اعتبار أنها هي حزب السلطة .
14. على أهميتها ، بحاجة إلى آليات تنفيذ تُطلق لكي يُعمل على تطبيقها . وهذا تتيحه فقط ما دعت إليه المبادرة في إطلاق ورشة حوارات على امتداد الوطن والشتات . لأن ما طالبت به المبادرة ليس بسيطاً أو سهلاً أو بالأمر اليسير في ظل تعارض الإرادات والبرامج والرؤى في الساحة الفلسطينية .
15. ما قرأناه من مقالات وتعليقات وردود على المبادرة ، يطرح سؤالاً كبيراً مفاده ، فيما لو أن رئيس السلطة لم يتخذ أي إجراء ولم يستجب لهذه المبادرة ، فما هي الخطوة التالية المطلوب إجراؤها على الساحة الفلسطينية بين الفصائل الفلسطينية ؟ . هل تكون كم يقال ، اللهم إني قد بلغت ؟ ، أم أن حركة الجهاد ستتابع مع من يوافق على مبادرتها للعمل معها لإنجازها ، وهنا بالضبط ، أسمح لنفسي أن أقول وعلى ضوء التجارب السابقة أنني متشكك ، ليس من توجهات حركة الجهاد وصدق نواياها الوطنية الخالصة ، بل بمن سيسعى إلى تفريغ المبادرة من مضامين نقاطها العشرة .
إنّ ما يميز المبادرة عن سابقاتها من المبادرات العديدة ، هو ابتعادها عن الإرتجال والحديث المكرر ، وانتقالها ودعوتها إلى صياغة إستراتيجية وطنية فلسطينية ، بعد أن سلكت السلطة ورئيسها كل دروب التفاوض المقيت مع الاحتلال وحكومة كيانه " الإسرائيلي " ، من دون طائل أو مكتسبات تُذكر ، سوى سلطة محطمة لا حول لها ولا قوة ، بإستثناء رهن أمننا واقتصادنا الوطني بالمحتل الغاصب .
بقلم/ رامز مصطفى