بعد أشتعال ثورات الربيع العربي فى ليبيا وتورط اجهزة استخبارات غربية فى مقتل الرئيس الليبي معمر القذافي، أيقن تماما كلا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورجال الجيش والاستخبارات والكرملين أن كل ما يدور بالشرق ليس بحراك شعبي وثورات تحرر ديمقراطي، وأن الحرب مع الولايات المتحدة قد بدأت (قبل ان ينفجر البركان بسوريا أو تقوم روسيا بضم القرم) وهو الامر الذى صرح به الرئيس الروسي نفسه عندما قال أثناء الحوار التلفزيونى الذى أجراة يوم 17 ابريل "أن العلاقات مع الولايات المتحدة أنتهت بعد الاحداث فى ليبيا وليس بعد احداث شبه جزيرة القرم"
فمشاهد اشتعال دول المنطقة المسمى بثورات الربيع العربي، وسقوط أنظمة حليفة لروسيا وتهديد مصالحها بالمنطقة أجبر موسكو على أن تخرج من حدودها وتتوجه نحو الشرق، وهنا باتت المبارزة بين موسكو وواشنطن بشكل مباشر على الاراضي السورية، التى تعمدت واشنطن من أن تجعلها بورة أستنزاف لكلا من بشار الاسد وحزب الله وايران وروسيا أيضا، والان وبعد خمسة أعوام على حرب الضروس بسوريا يوصى قادة الجيش الروسي بوتين بضرورة الخروج من سوريا قبل انتهاء العالم الحالي، فى الوقت الذى يصر فيه وزير الدفاع وصاحب القرار الاول بواشنطن تجاه سوريا اشتون كارتر بتزويد المعارضة المسلحة بأسلحة تتيح اسقاط القاذفات الروسية بسوريا، الامر الذى جعل موسكو تتجه نحو الحل السياسي والبحث عنه عبر اكثر من هدنة ثم تجلى الامر فى مؤتمر لوزان، ولكن الجميع مقتنع بما فيهم موسكو نفسها بأن الحلول السياسية لم يعد لها مكان وباتت الكلمة للسلاح على أرض الميدان، وهنا باتت التكلفة ثقيلة باهظة على الاقتصاد الروسي الذى يتعرض كل يوم لضربة فتارة من تدني أسعار النفط، وتارة من عقوبات أقتصادية قاسية من اوربا وبريطانيا وامريكا وكندا، وأصبحت أي محاولة من روسيا لسحب جزء من قواتها كما حدث سابقا سيكون بمثابة انسحاب بطعم الهزيمة من المعركة، ولذلك باتت موسكو تبحث كيفية تثبيت اقدامها بالشرق وعدم الاكتفاء بقواعدها بطرطوس السورية فاتجهت تبحث لها عن قدم فى ام البواقي الجزائرية وسيدي براني المصرية.
وفى ظل المعارك الشرسة بين روسيا والغرب على كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية صدقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشكل رسمي على اتفاقية "سيتا" للتجارة الحرة بين الاتحاد وكندا يوم 28 اكتوبر المنصرم، وهو الامر الذى سيؤدى إلى إلغاء 99% من إجمالي الرسوم الجمركية لإزالة العقبات التجارية بين الطرفين مما سينعكس سلبا على روسيا فى ظل توجه اوربا لاستيراد الغاز المسال من كندا بدلا من روسيا، ولا ننسى تجديد اوربا العقوبات الاقتصادية على روسيا مؤخرا.
وبالجبهة الاوكرانية وعلى غرار مؤتمرات تقديم الاندية العالمية لنجوم الكورة الجدد المتعاقدين معهم، قدم الرئيس الاوكراني بيتر بورشينكو رئيس الاستخبارات الاوكرانية الجديد فاسيلي بوربو وخلفه الشعار الجديد لجهاز الاستخبارات الاوكرانية، وهو عبارة عن بومة سوداء ممسكة بسيف مغروز بمنتصف روسيا التى جاء لونها بالرمادي مختلفا عن باقي خريطة العالم فى أشارة واضحة بأنها الهدف الاول والاخير لمهام جهاز الاستخبارات الاوكراني، وللعلم تعمل حاليا اوكرانيا وبولندا ودول البلطيق بالتنسيق لتجنيد العديد من الروس لتنفيذ مهام تخريبية قد تكون القرم هى بداية ذلك المخطط، فلم يكن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم بألامر الهين لدى
الغرب الذى أستشعر ان الدب الروسي قد خرج من حالة التجمد التى عاشها طيلة سنوات طويلة بين جبال الثلج.
حقيقة الامر لا ابالغ لو قلت ان العنوان الرئيسي لكل ما يدور حولنا و عنوان المعركة الحقيقية الدائرة والتى تشتعل نيرانها بكافة ارجاء الشرق واوكرانيا واسيا الوسطى التى لم تدخل لمرحلة الصراع الملتهب بعد هى المعركة بين روسيا والغرب، وكل ما تراه غير ذلك هى معركة بين وكلاء تلك القطبين، فكل ما يحدث بمنطقتنا العربية ما هي الا حروب مصغرة على رقعة الشطرنج الكبيرة، وساذج من ينتظر حرب هى قد بدأت بالفعل.
فالقيصر فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين فى معركة مصيرية، و يخوض حرب أقتصادية وسياسية وعسكرية على أكثر من جبهة فى وقت واحد، وليس امامه سوى ان يخوض المعركة حتى النهاية او أن تعود روسيا لما قبل عام 2000م اي روسيا يلتسن.
بقلم/ فادى عيد