الى متى الاستخفاف بقضية التعليـم ؟

بقلم: مصطفى البرغوثي

يواجه الشعب الفلسطيني واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية . وتمثل هذه الأزمة حصيلة ثلاثة عوامل، أولها :سياسات الاحتلال الموجهة لارهاق المجتمع الفلسطيني واضعافه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بهدف دفع أكبر عدد من الناس للهجرة والرحيل أو الاحباط واليأس.

وثانيها :الأزمة الاقتصادية العالمية التي تفاقم الخلل البنيوي الاقتصادي والمتمثل في معضلة الاعتمادية المفرطة على مساعدات الدول المانحة.

وثالثها... السياسات الحكومية التي فشلت في تبني نهج واضح لإقتصاد مقاوم يدعم صمود الناس، وأغرقت الاقتصاد بأنماط استهلاكية تجاهلت طبيعة الظروف التي يعيشها الفلسطينيون. واستمرت بالالتزام الحرفي باتفاق باريس الاقتصادي وحاولت حل مشكلة سيولتها المالية بالمزيد من الضرائب المرتفعة التي تنهك الناس الى جانب الأسعار المرتفعة.

ولا يعاني هذا النهج فقط من السياسات الخاطئة، بل ومن انعدام السياسات في بعض الحالات. اذ لا توجد مثلاً سياسة واضحة لمعالجة أكبر مشكلة اقتصادية وهي البطالة المستفحلة والتي أصبحت خامس أعلى نسبة في العالم، وتصل بين الشباب المتعلم الى ما بين 60-80%.

أما في حقل التعليم الذي عادت مشاكله، كما توقعنا، للأنفجار باضرابات الجامعات واضرابات المعلمين، فان الحكومة تصر على تجاهل الحلول التي طرحت وثبت صحتها، مثل قانون الصندوق الوطني للطالب الجامعي. وتصر على تجاهل حملات المطالبة بوضع هذا الصندوق موضع التنفيذ رغم أنه أقر من قبل المجلس التشريعي في قراءته العامة بالاجماع منذ عام 2006.

يجلس حوالي 190 الف طالب في فلسطين على مقاعد الدراسة الجامعية، ولو نفذ قانون الصندوق لرفع عبء الأقساط الدراسية عن كاهل عائلاتهم المحتاجة، ولتوفرت للجامعات الفلسطينية سيولة نقدية تكفي لتحسين مستوى رواتب الاساتذة والعاملين، واخراج الجامعات من أزماتها المتتالية ولتوفرت أيضاً مصادر لتطوير البحث العلمي ورفع مستوى التعليم الذي يتسارع انحداره بالمقارنة مع مستويات التعليم العالمية.

ولو وضعت الحكومة هذا الصندوق موضع التنفيذ لساهمت في دعم صمود الناس، خاصة ذوي الدخل المحدود بتخفيف عبء مالي هائل عن كاهلهم، ولقدمت الفرصة لآلاف الطلبة المتفوقين للحصول على التعليم الذي يريدونه بكرامة ودون ان يضطروا لاستجداء ما هو حق لهم، أو اللجوء الى الاعلانات في الصحف. وهي وسائل لا تقدم سوى حلول فردية، دون حل المشكلة الجماعية.

ولو نفذ قانون الصندوق الوطني للتعليم، لاختفت حاجة العديد من الطلبة للجوء للواسطة والمحسوبية لتأمين مساعدات وقروض، ولزالت مظاهر التمييز بين الطلبة على أساس الانتماء السياسي أوالقرابة والمحسوبية.

ومن المفارقة هنا ان مجموع ما أنفق من المساعدات للجامعات او ما صرف من قروض غير مستردة يفوق كامل تكلفة صندوق التعليم العالي منذ ان أقره المجلس التشريعي، ولو استخدمت هذه المساعدات لانشاء الصندوق لخلقت استدامة مستمرة بدل ان تصرف لمرة واحدة وينتهي مفعولها.

ومن المؤكد أن تنفيذ قانون الصندوق الوطني والذي يضمن استقلالية الهيئة المشرفة عليه سيضمن تدفق العديد من المساهمات الفلسطينية اليه، والتي تبحث عادة عن آليات عائلية متفرقة لضمان وصولها بأمان لمن يستحقها.

ان شعبنا يواجه معركة صمود وبناء . ولا مناص له من مقاومة نظام الابارتهايد الإحتلالي الذي يهدد وجوده ومستقبله. وما من شك أن المقاومة بالصمود هي أحد أهم أشكال المقاومة الشعبية.

وعندما نتحدث عن الصندوق الوطني للتعليم العالي فاننا نطرق مباشرة صلب الحاجة لسياسة اقتصادية فلسطينية جديدة، تتلاءم مع الظروف الحقيقية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، حين تتعاظم محاولات اسرائيل لتدمير امكانية قيام دولة مستقلة، وحين تتلاشى بقايا الاوهام بان هناك حلا سياسيا في الأفق ويتأكد ان المهمة الكبرى الان هي صمود و بقاء الشعب الفلسطيني على ارضه ومقاومته الموحدة لنظام الابارتهايد الاسرائيلي، ورفع معنويات الشعب باشعاره ان كرامته وحقوقه محترمة في اطار مؤسساته الفلسطينية وانه يشارك في امتلاك المستقبل الذي يجب ان يناضل من أجله.

ان إحترام كرامة الطالب وعائلته وكرامة اساتذته ونظامه التعليمي واعتماد مبدأ العدالة في الحصول على التعليم هو اكبر محفز لقطاع واسع من الشباب للانخراط في النضال الوطني، لانه سيشعرهم بأنهم يملكون ما يجب ان يدافعوا عنه ويطمحوا لتطويره.

لا فصل بين الاقتصاد والسياسة، ودعم الصمود لا يكون بالشعارت والخطب الطويلة والرنانة، بل بالممارسة وتبني السياسات الصحيحــة وتطبيقها

بقلم د. مصطفى البرغوثي

الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية