تأتي الذكرى المئوية على "وعد بلفور" والصراع ما زال مستمراً بيننا وبين المشروع الصهيوني ـ الإستعماري الذي بدأ بتقسيم بلادنا في اتفاقية سايكس ـ بيكو 1916 والوعد المشؤوم 1917 ـ إنه مشروع واحد يستهدف وجودنا وأرضنا وثرواتنا في فلسطين ودول المنطقة يقتلعنا بالنار والمجازر، وينهب خيراتنا ويسكن مكاننا جماعات يأتي بها من أي مكان، ومن دون هوية محددة، لتكون عدة تنفيذ المشروع الجهنمي..
لكننا في صراعنا الطويل استطاعت قوى المقاومة أن تحقق انتصاراتٍ أدت الى إنكفاء هذا المشروع وتراجعه، بدءاً من ظهور الثورة الفلسطينيّة سنة 1965 الى معركة الكرامة 1968، الى حرب تشرين التحريرية، الى حرب لبنان وتصاعد مقاومته الوطنية المستندة الى عمقها القومي، وما نتج عنها من دحر العدو في أيار سنة 2000، والى انتفاضات الشعب الفلسطيني المتواصلة ، وانتصارات وصمود غزة ، ومرورا حرب تموز 2006 التي شكلت هزيمة صدّعت الكيان الصهيوني وخيّبت داعميه، وأربكت كل خططهم على مستوى الشرق والخليج.
لكن "بلفور الجديد" أطل عبر احتلال العراق، وهو جريمة جديدة تضاف الى جريمة إحتلال وتدميره وبعدها بما سمي بربيعه العربي الذي نشر الموت والفوضى في دول المنطقة لكنّ صمود قوى المقاومة سيسقط التقسيم والأحتلال. ونحن اليوم أمام جولة جديدة من المواجهة والصراع ستشمل سوريا ولبنان أيضاّ.
أمّا في فلسطين فيستمرّ الظلم والتمييز العنصري وتستمرّ ألة الحرب الصهيونيّة في ارتكاب المجازر واغتيال المناضلين وَسجن عشرات الألوف منهم ظلماً وقهراً، وتزرع الأيدي الخبيثة الخلافات بين أبناء الثورة الواحدة والقضيّة الواحدة لينقسموا على بعضهم علّها تستميل قسماً منهم بهدف الوصول الى شطب حقوق الشعب الفلسطيني عبر استمرار الانقسام الفلسطيني.
وامام خطورة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني ، ما زالت الادارة الامريكية والقوى الاستعمارية التي تساند وتنحاز الى جانب كيان الاحتلال ، تقوم بتعميم الوعد بلفور وبطرق مختلفة الى المنطقة .
ورغم كل تلك الأعوام من النكبة ، ورغم قساوة اللجوء وما سببت للشعب الفلسطيني من اضطهاد وتمييز بهذا الشكل أو ذاك في بلدان عديده ، إلا أنه قاوم الغزوة الصهيونية وقاوم الاحتلال من حيث كونه ذروة الإرهاب العنصري ، وباعتبار المقاومة قمة الكرامة والتقدم ، واستمر ممسكاً بحلم عودته لوطنه ، يقبض على الجمر نظراً لمجافاة الظروف العربية، الإقليمية، والدولية والتي تحيط بالقضية ، ونظراً لضغط القوى الامبريالية بمختلف مسمياتها التي تصر على بقاء (اسرائيل) كقاعدة تجسد حماية مصالحهم ، وإن كان ذلك على حساب آلام ومعاناة ، واغتراب ما يزيد عن ستة ملايين فلسطيني يداعبهم حلم العودة لوطنهم ليل نهار ، ليكونوا احرارا في وطنهم أسوة ببقية الشعوب بهذه المعمورة .
شعب فلسطين يعاني من الظلم التاريخي المطلق ، نتيجة صمت العالم على حقه ، علاوة على أن العديد من أجياله بلا وطن ،وتعاني من ازمة التكوين بسبب التشتت في أصقاع العالم المختلفة.
هذا الشعب لم يبخل بالتضحيات ، قدم عشرات الآلاف من قوافل الشهداء ، ومئات الألاف من الأسرى ، فضلاً عن مئات الآلاف من الجرحى والمعاقين ورغم قرارات الهيئات الدولية، الإنسانية ، والحقوقية ، وقرارات الأمم المتحدة التي أوصت بإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني بعاصمتها القدس وضمان حق العودة للاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم، ورغم كل تلك التضحيات إلا أن حكومة الاحتلال صمت أذانها عن كل ذلك ، وفعلت أكثر من ذلك بسياساتها العنصرية، بما فيها تجويفها وتنصلها بالممارسة من تنفيذ ما سمي (اتفاق أوسلو) .
يدرك الشعب الفلسطيني يقينا، أن لا حرية ، ولا استقلال ، ولا عودة ، ولا دولة بدون المقاومة باعتبارها الرد الشرعي والأخلاقي والحضاري والإنساني والذي ينبغي أن تكون قوة التحدي والذي يقذف في وجه المحتلين الغزاة .
فكيف لنا، أن نفهم قيام دولة فلسطين والاستيطان يستولي، عما يزيد عن 40% من أراضي الضفة الفلسطينية والقدس والتفاوض هو على ما تبقى من أراض على أساس تسوية في دولة مؤقتة ليس إلا هذا من جانب ومن جانب أخر، اتخذت المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة المئات من القرارات الدولية ، ان لم يكن الآلاف من القرارات لصالح الفلسطينيين ، والسؤال ماذا نفذ منها ؟
إن تلك القرارات لم تقدم شيئاً ذا معنى لماذا ، ورغم الاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب في الجمعية العامة للامم المتحدة ، الا ان الأمم المتحدة وهيئاتها في الغالب تكيل بمكيال مختلف في الشأن الفلسطيني ، وهي بسياساتها تكرس التمايز ، والاستعلاء ، والسيطرة للدول الكبرى وفي مقدمتها أمريكا بدلا من تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ،وخير مثال على ما نقول ،ان الجمعية العامة للأمم المتحدة في دوراتها العديدة أكدت على القرار رقم (194) بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين أكثر من مائة وخمس عشرة مرة ، فهل تحقق شيئاً من حق العودة .
وامام كل ذلك نرى اهمية مواجهة سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني، التي تجري مع جهات فلسطينية وعربية بهدف التعاون الاقتصادي والسياحي والاعلامي ، لأن الانزلاق نحو التطبيع و التعاطي معه بأي شكل من الاشكال يعني موافقة هؤلاء على القبول باسرائيل كدولة يهودية وهذا يلحق افدح الضرر بالشعب الفلسطيني وقضيته ويؤدي بدون شك الى تفتت كيانات ودول قائمة ويفتح الطريق لنشوء دول على اساس ديني ومذهبي وعرقي في المنطقة مما يهدد الامن والاستقرار ليس في المنطقة بل والعالم اجمع ،وهذا يتطلب من وسائل الاعلام فضح هذه الجهات .
ان هذا الزمن زمن بعض العرب الذين ارادوا ان يتنازلوا عن فلسطين ارض الديانات السماوية الثلاث فلسطين واطهر بقعة في الارض، وبذلك فهم قدموا وعد بلفور العربي نيابة عن الشعب الفلسطيني الذي اغتصبت ارضه و وطنه و شتت في اصقاع الارض وفي مخيمات الشرف اجل مخيمات اللاجئين لان من فيها شعب مناضل قدم تضحيات جسام وما زال متمسك بقضيته وارضه و حقه بالعودة الى فلسطين، هذه المخيمات ستبقى تذكر العرب او احرار العالم بفلسطين، هذه المخيمات لها وطن مسلوب منذ عام 48 و ان هذا الوطن سيبقى لهم حتى و ان كانوا يعيشون على ارض فلسطين، او خارجها ، والفلسطينيين في المنافي البعيدة الذين شتتهم الدول الاستعمارية في دول العالم والذين يعيشون فيها بعد ان منحتهم جنسيات بقصد طمس هويتهم الفلسطينية والذين يقولوا اطفالهم نحن فلسطينيين مهما حصلنا عليه من رغد العيش و المناصب لا و لن نبدل فلسطين و ارض فلسطين بجنات الخلد، ان من اراد من الوفد العربي تعديل المبادرة اثناء زيارته الى الولايات المتحدة ، اراد ان يتجاهل تضحيات الفلسطينيين والعرب من اجل فلسطين ، وان فلسطين لا يمكن ان تنسى تضحيات الشعوب العربية و احرار العالم الذين قدموا الكثير من اجل فلسطين و رفع علم فلسطين و احياء اسم فلسطين و وضعه على خارطة العالم و بين شعوب الأرض.
أمام هذه الحقائق وأمام هذا العدوان الوحشي السافر على الأقصى والقدس والضفة لم يعد مقبولا ًلدينا الاكتفاء بالشجب والاستنكار والادعية والدعاء وإحالة الموضوع للسلك الدبلوماسي يقدمه تارة لمكاتب البيت الأبيض وتارة لأروقة الأمم المتحدة ،نعم نحن اليوم مطالبون بتطوير وتفعيل الانتفاضة الشعبية " انتفاضة القدس " بمواجهة الاحتلال الصهيوني الاستيطاني ,وكذلك دعوة الاحزاب والقوى العربية وحركات التحرر العالمية الى استنهاض طاقاتها ودعم صمود شعبنا والوقوف بمواجهة المؤامرة الكونية التي تتعرض لها المنطقة من خلال الحلف الامبريالي الصهيوني الاستعماري بمشاركة بعض الانظمة العربية واستعمال قوى الارهاب التكفيرية التي تستهدف الشعوب العربية قتلا وذبحا واضطهادا وظلما من اجل الوصول الى تقسيم المنطقة وشرذمتها وضرب قوى المقاومة العربية وبالتالي عزل القضية الفلسطينية عن عمقها العربي وإغراق المنطقة بحروب مذهبية وطائفية تنفيذاً لأجندات استعمارية وصهيونية مغلفة بحجج واهية .
ان التردد غير المبرر في اتخاذ سياسات هجومية فلسطينية تمكن القيادة والشعب الفلسطيني من مواصلة تحركها السياسي والدبلوماسي في كافة المحافل والمنتديات الدولية خاصة بعد الاعتراف الدولي بفلسطين كعضو مراقب في الجمعية العامة في محاولة غير مفهومة اذا كانت هي لاسترضاء امريكا و الكيان الصهيوني وانتظارا لمواقف امريكية قد تنصف الحق الفلسطيني بينما شواهد الاحداث تشير الى مواصلة الادارات الامريكية دعم الكيان و ممارساته و اعماله الاجرامية بحق الشعب الفلسطيني .
في ظل هذه الاوضاع نرى اهمية العمل على وضع خطة عمل للمقاومة الشعبية المستمرة وانتفاضة القدس في التصدي لسياسات وإجراءات الاحتلال التي تستهدف عروبة وفلسطينية القدس ، عاصمة الدولة الفلسطينية ، وهذا يتطلب من الجميع الاسراع في انهاء الأنقسام وتعزيز الوحدة الوطنية وحماية المشروع الوطني الفلسطيني : وليس انتظار الرباعية العربية التي تريد التدخل بألشان الفلسطيني ، حتى يتم مواجهة الخطر الصهيوني الذي لا يقتصر على الفلسطينيين بل يتعداهم الى كل العرب ، ونقول ان اسرائيل لا تريد السلام لا مع الفلسطينيين أو العرب ،تريد استسلامهم الكامل لها ولتسوياتها، مما يستدعي استعادة القضية الفلسطينية الى هيئة الأمم المتحدة،والتوجه الى محكمة الجنايات الدولية ومن اجل محكامة الإحتلال امام المحاكم الدولية على ما يقترفه بحق الشعب الفلسطيني وارضه ومقدساته من جرائم.
ختاما في ذكرى وعد بلفور نقول ان مجابهة الهجمة الامبريالية الصهيونية وكافة المؤامرات التي تحاك ضد القضية الفلسطينية ولعموم المنطقة، تتطلب تعزيز وحدة الموقف والتضامن والتكامل العربي، وهذا بالطبع ليس حلما ليليا وانما ضرورات واقعية ومتطلبات مرحلة وضمانة لبقاء الأمة العربية والا سنكون أمام حلقات تآمرية جديدة هي نسخ كربونية عن وعود بلفور عديدة واتفاقيات سايكس بيكو كثيرة ، رغم أن وعد بلفور ســبق ولو بحلقات تآمرية كثيرة ، نعم وعد بلفور كان حلقة في سلسلة تآمرية على فلسطين والعالم العربي ، لكن نقول ان الشعب الفلسطيني متمسك بحقوقه الوطنية المشروعه حتى تحقيق اهدافه في الحرية والاستقلال والعودة .
بقلم/ عباس الجمعة