وعد بلفور " سرقة وطن , بالمقاومة يعود "

بقلم: جبريل عودة

قبل تسع وتسعون عاماً أصدر المجرم أرثر بلفور, وعد لليهود بإقامة وطن لهم في فلسطين ,وتنفيذاً لهذا الوعد المشؤوم , وفرت قوات الإحتلال البريطاني في فلسطين كل المتطلبات اللازمة لإنشاء الوطن اليهودي , على حساب الشعب الفلسطيني المتجذر في هذه الأرض وآمال ومستقبل أجياله , فلم تكتفي مؤسسات الحكومة البريطانية آنذاك بالوعد الشكلي لزعماء الوكالة اليهودية ,بل سعت لتوطين اليهود في فلسطين ومساعدتهم في إمتلاك سبل القوة العسكرية , وتسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة , وتطويع القوانين البريطانية العنصرية لخدمة مشروع إقامة الكيان الصهيوني, تلك القوانين المجحفة والقاسية إستهدفت شعبنا الفلسطيني , لضرب مقومات وجوده وإستقراره على أرضه وفي وطنه .
بريطانيا متورطة في سرقة فلسطين , وتسهيل جريمة إغتصاب الوطن , وإمداد الكيان الصهيوني بعوامل البقاء والإستمرارية, هذه هي الحقيقة التاريخية وبذلك تتحمل بريطانيا كل النتائج الكارثية التي أصابت الشعب الفلسطيني , منذ ذلك الوعد المشؤوم والذي نتج عنه حرمان شعبنا من الإستقلال الوطني والعيش بحرية وكرامة في وطنه, ويجب أيا أن لا نغفل عن مشاركة الدول الغربية في هذه الجريمة النكراء عبر تأييد وعد بلفور , فلقد تم الوعد المشؤوم على الرئيس الأميركي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره , فلقد أعلنت مواقفة الإدارة الأمريكية الرسمية في عام 1919، كما ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا واليابان رسمياً في عام 1918, كما وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء خلال مؤتمر سان ريمو الإيطالية في 25 نيسان سنة 1920، على الوعد المشؤوم , مطالبا بتنفيذه وجاء في مقررات المؤتمر " أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب " , وكذلك وافقت عصبة الأمم المتحدة أنذاك وفي 24 تموز عام 1922 على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 أيلول 1923, فلقد أطلق الوعد بلفور وأيده في ذلك زعماء الغرب والمؤسسات والهيئات الدولية التي تسيطر عليها القوى الإستعمارية الكبرى , وبذلك تتكامل الصورة بأن العالم الغربي الظالم شريك أساسي للإحتلال البريطاني في تسليم فلسطين لليهود , بعد قمع شعبها وتجريدهم من السلاح الشخصي ومنع نشوء أي قوة مقاومة تردع أي عدوان أو إستيطان في فلسطين , ولنعرف حجم القسوة والإرهاب الذي وقع على شعبنا آنذاك من قوات الإحتلال البريطاني , كان يصدر حكم بالإعدام على أي فلسطيني , يمتلك رصاصة واحدة حتى لو كانت فارغة , وذلك الحكم المشدد والظالم هدفه نزع أي تفكير للفلسطينيين , في إمتلاك السلاح وإستخدامه في الدفاع عن أنفسهم وأرضهم ومواجهة العصابات الإستيطانية الصهيونية في ذلك الوقت .
ومن أجل إستخلاص العبر من الحوادث التاريخية ومنها وعد بلفور المشؤوم, ولكي لا تكون ذكرى بلفور مناسبة إحتفلالية حزينة , يجب أن نعلم يجيداً بأن هذا العالم الظالم والذي أعطي لليهود وطناً في فلسطين من أجل التخلص منهم كعبء ثقيل داخل المجتمعات الأوربية ,وسعى لإستخدامهم كخنجر في قلب الأمة العربية والإسلامية , لأغراض إستعمارية واضحة وجلية , هذا العالم لن يمنحنا وطناً ولن يدافع لنا عن حق , فهذا العالم المنافق ممثلاً بفرنسا , منح الكيان الصهيوني في بداية نشأته مفاعلاً نووياً , وحصنه من الإدانة في المحافل الدولية , حيث الفيتو الأمريكي حاضراً في كافة القرارات التي تدين جرائم الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين والعرب , كما تم منح الكيان الصهيوني كل مقومات الصمود والبقاء عبر الدعم السخي في المجالات العسكرية والإقتصادية , والتي تضمن لها التفوق على محيطها العربي, ومن هذا المنطلق يجب علينا أن لا نعول كثيراً على المواقف الدولية الغربية , وأن لا نبحث عن الإنصاف لحقوقنا في العواصم الغربية , ولعل تجربة التفاوض لأكثر من عشرون عاماً , فيها من الدروس والعبر ,التي تفيدنا بأن الوسيط الأمريكي لم يكن محايداً, بل كان شريكا للصهيوني في المفاوضات , بل كان يسعى للحصول بشتى الوسائل على مزيد من التنازلات الفلسطينية والعربية لصالح الكيان الصهيوني وكذلك المبادرات الغربية كانت تحرص على أمن الإحتلال ومقومات إستمراره .
لقد منعت حكومة الإحتلال البريطاني شعبنا الفلسطيني بإرهاب القوانين التعسفية التي كانت تصدرها , من الدفاع عن وطنه أو إمتلاك مقومات إدارة الواقع الفلسطيني وضبط الأمن وحماية المقدرات الوطنية الفلسطينية بعد إنتهاء فترة الإنتداب البريطاني, وفي المقابل كان الدعم السخي للمستوطنات الصهيونية وتوفير الحماية لها وتأمين خطوط إمدادها بالسلاح , وهذا ما إتضح جلياً بعد الإنسحاب البريطاني من فلسطين , حيث أعلنت العصابات الصهيونية قيام دولة "إسرائيل" وشكلت المليشيات الإرهابية نواة الجيش لها , وسارعت الدول الغربية بالإعتراف بها تطبيقاً لإعترافهم وتأييدهم المسبق لوعد بلفور , ووقف شعبنا الفلسطيني الأعزل والمجرد من كل أساليب القوة عاجزاً عن الدفاع عن وطنه , في مواجهة المجازر البشعة التي إرتكبتها القوات الصهيونية لبسط سيطرتها على المدن الفلسطينية , وعمدت العصابات الصهيونية على تهجير الفلسطينيين على وقع المذابح الدموية , ويتجلى هنا الهدف من تشديد القوانين البريطانية عقوبتها على الفلسطينيين الذي يسعون لإمتلاك الأسلحة ولو كانت بدائية أو فردية بمنع أي مقاومة حقيقية وفاعلة لمواجهة قيام الكيان الصهيوني في حينه .
وليس غريباً أن يستمر منع شعبنا من إمتلاك السلاح إلى هذا اليوم , حفاظاً على التوفق العسكري الصهيوني , ويشارك في هذا الحصار للأسف أنظمة عربية التي تشدد إجراءاتها وتقفل حدودها , أمام أي إمدادات عسكرية إلى داخل فلسطين , وبالرغم ما تملكه المقاومة من سلاح متواضع أمام الترسانة الصهيونية , الا أن المطلب الرئيسي للسياسيين الغربيين وحلفائهم في المنطقة , هو نزع سلاح المقاومة في مقابل تخفيف الحصار الظالم على قطاع غزة , كل ذلك ليقينهم بأن الكيان الصهيوني كياناً هشاً , لا يصمد أمام أي تحرك عسكري حقيقي , وفي حال تعرض الكيان الصهيوني للخطر تلاحظ إرتفاع معدلات الهجرة العكسية إلى خارج فلسطين, وهذا حدث أكثر من مرة في المواجهات الحقيقة مع العدو أو الإنتفاضات الفلسطينية فيهرع الزعماء الغربيين في جولات للمنطقة , من أجل إنقاذ الإحتلال والتخفيف عبر محاولة التهدئة الميدانية.
في الذكرى التاسعة والتسعون لوعد بلفور المشؤوم فإننا كفلسطينيين أحوج ما نكون إلى الوحدة الفلسطينية , والإلتفاف على حقوقنا الثابتة في فلسطين , دون أي تنازل أو تفريط , وأن يكون خطابنا السياسي الفلسطيني للعالم أجمع , بأن فلسطين المحتلة يجب أن تعود لأهلها, وأن الظلم التاريخي لفلسطين وشعبها , يتحمله المجتمع الدولي قاطبة, ومن أجل إزالة هذا الظلم عليهم التوقف عن دعم الإحتلال في فلسطين , وأن يصاحب هذا الخطاب الوطني الفلسطيني , فعلاً ميدانياً مؤثراً وشاملاً في ميدان المواجهة مع الإحتلال ومستوطنيه, مع إستنهاض الأمة وجماهيرها بمساندة جهاد وكفاح شعبنا في إسترداد وطنه ومقدساته , وبذلك نخطو نحو مهمة إزالة وعد بلفور من واقعنا ممثلة بالكيان الصهيوني , ونساهم في تصحيح المسار التاريخي بإستعادة الحق الفلسطيني ومسح كل أثار الظلم والعدوان على شعبنا الفلسطيني البطل .

بقلم : جبريل عوده *
كاتب وباحث فلسطيني
2/11/2016